إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
لقاء جماعة تحفيظ القرآن بالحريق
2588 مشاهدة
تعاهد القرآن

كثير من الشباب إذا تجاوز المرحلة المتوسطة يُخَيَّلُ إلى أحدهم أنه قد تجاوز السن الذي يتغلب عليه أولياؤه، فيصعب على أوليائه أن يُقِيموه، وأن يُقَوِّمُوه فيبقى منقطعا، ولا شك أن هذا علامة حرمان، وأن الواجب، الواجب على الشاب أن لا ينقطع من القرآن، وأن يستمر في تعلمه، ويواصل تعلمه ولو بلغ العشرين، ولو بلغ الثلاثين، فليس هناك قاطع يقطعه، أو مانع يَمْنَعُه، فهو بحمد الله عنده فراغ، حتى ولو كان يواصل دراسته الرسمية.
وحتى لو كان أيضا قد ابتدأ في عمل، في وظيفة أو غيرها لا ينقطع عن مواصلة الدراسة، بل يستمر على دراسته، ويواصلها ولو وصل إلى ما وصل إليه، ولا يُضَيِّعُ جهده الذي بذله، إذا كان قد بذل جهدا في خمس سنين، أو عشر سنين في صغره حتى حفظ ما قدر عليه، أو ما وُفِّقَ له من القرآن، فَمِنَ الْخُسْرَان أن يُهْمِلَهُ ويغفل عنه، وينساه، أو يتناساه إلى أن يضيع هذا الجهد الذي بذله، فيكون بذلك من الخاسرين.
التعاهد والموالاة تكون في أوقات الفراغ، مثلا بعد صلاة الفجر إذا جلس ساعة يتذكر ما حفظه ويقرؤه، ساعة لا تأخذ عليه كثيرا، كذلك بعد صلاة العصر يجلس أيضا ساعة ويجعل هذا كأنه وِرْدٌ من الأوراد، يذاكر فيها حِفْظَهُ ويقرأ ما تَيَسَّر، إذا كان عنده أوقات أخرى، كبعد المغرب وبعد العشاء ساعةً وساعة، فإن ذلك عمل صالح، عمل خير، بحيث أنه يستطيع أنه يقرأ كل يوم خمسة أجزاء من المذاكرة، أو أربعة أجزاء، أو ستة أجزاء، فلا يذهب عليه ما حفظه، ولا ينشغل عنه بما هو دونه في الأهمية.
ولا يعوقه ذلك أيضا عن مذاكرته ودروسه، التي هو بها التي هو مطالب بها، ما يعوقه ذلك فعنده أوقات، سيما إذا وفقه الله تعالى وحفظ نفسه وحفظ أوقاته، ولم ينشغل مع من يضيع عليه وقته.
أما إذا انشغل فإنه يضيع عليه جهده، فكثير من الشباب بعد العشرين ضاعت عليهم جهودهم، وضاع عليهم ما حفظوه من القرآن وذلك لأنهم انشغلوا بجلساء صدوهم عن الهدى، وأوقعوهم في الردى.
وكذلك أيضا انشغلوا بآلات الملاهي، بحيث إنهم يعكفون طوال أو أكثر ليلهم مقابل شاشات التلفاز أو الفيديو ونحو ذلك، أو يضيعون أوقاتا في الطرق، وفي الذهاب والإياب دون استفادة منها، فيكونون بذلك إما خاسرين، وإما هالكين.
الهالكون هم الذين وقعوا في المعاصي، في النظر إلى الأفلام الخليعة، والصور الفاتنة ونحو ذلك، التي تُوقِعُهُم في الشَّرِّ أو تدفعهم إلى فعل المنكر، والخاسرون هم الذين أضاعوا أوقاتهم دون فائدة دينية تعود عليهم، إلا مجرد تسريح الأنظار، وسماع الأغاني وما أشبه ذلك.
ويزعمون أن ذلك تَرْفِيهٌ، ترفيه عن النفس، وأنه تَفَكُّهٌ، وأنه تنشيط للقلب، وتنشيط للنفس وما أشبه ذلك، وكل ذلك ليس بصحيح، وإنما الواجب عليهم أن يهتموا بأوقاتهم، وأن يحرصوا على استغلالها في الشيء الذي يعود عليهم بالفائدة، إذا فعلوا ذلك فالله تعالى يُوَفِّقُهُمْ ويحميهم، وأما إذا تمادوا مع دعاة السوء، ومع خلطاء السوء الذين يُضِلُّونهم ويُضَلِّلُونهم، فإنهم يخسرون خُسْرَانًا مبينا.
نسأل الله أن يجعلنا جميعا من الذين يهتمون بكتابه، ويتلونه حَقَّ تلاوته، ويتعلمون لفظه، ويتعلمون معناه، ويعملون به، ويُطَبِّقُون تعاليمه، كما نسأله أن يهدينا سواء السبيل، أن يأخذ بنواصينا إلى الحق، وأن يَدُلَّنَا عليه، ويثبتنا عليه، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا، وأن يَهَبَ لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب، والله أعلم، وصلى الله على محمد .