الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
لقاء في عنك
2453 مشاهدة
بيان منزلة العلوم الشرعية وشرف مصدرها

مصدر هذا العلم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. كتاب الله تضمن الله تعالى حفظه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وإذا تكفل الله بحفظه دل على أنه عمدة، وأنه عدة للأمة الإسلامية. وقد أخبر الله تعالى بأنه يسره وسهله، فأول شيء حِفظه عن أيدي العابثين بحيث لا يتمكنون من تغييره أو زيادة فيه او إضافة أو إبدال أو غير ذلك فهذا هو الأول.
ثانيا: أنه سهله، قال الله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وقال: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وإذا كان الله قد يسره فإن من تيسيره تيسير حفظه، وكذلك تيسير فهمه؛ فحفظه أن يعتني به طالب العلم، وأن يحرص على أن يعمل به، وعلى أن يتعلم ما دل عليه. لا شك أن هذا من جملة ما يجب أن يعتني به حفظه ثم فهمه وتدبره وتعقله، ثم بعد ذلك التزود من العلوم التي فيه والتي تتعلق بالأولين والآخرين وتتعلق بالوعد والوعيد.
كذلك علم السنة، السنة النبوية التي هي ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والتي بين بها النبي -صلى الله عليه وسلم- كتاب الله سبحانه وتعالى، أمره الله بالبيان في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فتعتبر سنته بيانا لما أنزله الله تعالى من القرآن، بيانا بالقول وبيانا بالفعل. وقد أمرنا الله تعالى باتباعه وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وإذا كان الله فرض علينا اتباعه فإن من اتباعه العمل بسنته، وإن من العمل بها أو قبل العمل بها معرفتها.
ونقول أيضا: إن سنته صلى الله عليه وسلم قد حفظها الله، قد تولى الله تعالى حفظها وذلك بأن سخر لها من يعتني بها؛ فالصحابة -رضي الله عنهم- رزقهم الله تعالى حفظا فحفظوا أقواله صلى الله عليه وسلم وحفظوا أفعاله، كذلك التابعون لهم بإحسان قد وفقهم الله فنقلوا تلك السنة ودونوها وحفظوها؛ فأصبحت موفرة أصبحت قريبة التناول ليس دونها صعوبة.
وفي هذه الأزمنة خدمها العلماء خدمة وافية فأصبحت في متناول الأيدي؛ فأولا طبعت، وثانيا صححت، وثالثا فهرست، ولم يبق إلا القراءة، ما بقي علينا إلا القراءة. ذكر بعض العلماء مثلا أن الأولين غرسوا أو زرعوا، ثم بعد ذلك سقوا وراعوا الزروع والنبات، ثم بعد ذلك حصدوا، ثم صفوا الحبوب ونحوها، ثم طحنوا ثم خبزوا، ثم ودموا الأطعمة بالإدام النافع وما بقي لمن بعدهم إلا الأكل. كأنهم يقولون: خدمناكم بهذه الخدمة وما بقي عليكم إلا أن تأكلوا، لا شك أن المراد بذلك خدمة هذه السنة حتى ما يبقى علينا إلا أن نتناول ونعمل بها، ما بقي علينا إلا العمل بها؛ حيث يسروا لها الأسباب.