اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14360 مشاهدة
هدي السلف في الصيام

أما هديهم في الصيام فهو أكمل هدي، وذلك لأن الصيام شُرِع لأجل ترويض النفس على ترك المعاصي، إذا صام الإنسان ترك المباحات من المآكل والمشارب ونحوها، فإذا عود نفسه ترك هذه المباحات التي تندفع إليها النفس علم بأن ترك المحرمات أولى بالاهتمام.
فكان السلف -رحمهم الله- إذا صاموا ولو تطوعا جلسوا في بيوتهم، لماذا؟ يقولون: نخشى أن يتلوث الصيام، نحب أن نحفظ صيامنا، نحفظه عما يفسده أو عما ينقص أجره، يجلسون في بيوتهم يحفظون صيامهم، في هذا حرصهم على الصيام ألا يخدشه ولا يبطله شيء، سمعوا الأدلة التي فيها أن الصيام ينقصه ويخرقه اللغو والرفث، في مثل قوله: ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم- من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه قول الزور يعني: الكلام الكاذب والسيئ، والعمل به يعني: العمل بالزور، والجهل يعني: الكلام الذي لا يصدر إلا عن جاهل.
وكذلك ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الصيام جنة أحدكم من المعاصي كجنته من القتال، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يفسق، فإن أحد سابه فليقل: إني امرؤ صائم يذكره بأن الصيام يمنعه عن مثل هذا الصخب واللغو والرفث وما أشبه ذلك، فكانوا يحفظون صيامهم، ولا يضيع عليهم وقتهم في قيل وقال، وفي لهو وسهو وما أشبه ذلك.