قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
درس في الجمعة مع بلوغ المرام
6620 مشاهدة
ترك الالتفات في الصلاة


باب الحث على الخشوع في الصلاة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله ...


لهذا الخشوع في الصلاة هو الإقبال عليها، وعدم الالتفات بالقلب أو الالتفات بالبصر. وقد مدح الله تعالى الذين يخشعون في صلواتهم؛ يعني يقبلون عليها قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ الخشوع هو سكون الجوارح وسكون البصر وسكون الأعضاء؛ لأن هذا أدل على الاهتمام بالصلاة، وهو من تمامها ومن أسباب قبولها. فينهى عن كل شيء ينافي هذا الخشوع، وينافي هذا الإقبال.
كل شيء يشوش على المصلي ويصرفه عن الإقبال على صلاته -ينهى عنه، وذلك الذي نهي عنه قد يبطل صلاته إبطالا كليا وقد ينقصها؛ فمن ذلك الالتفات في الصلاة. ورد النهي عنه؛ سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد الاختلاس أخذ الشيء بخفية وحين الغفلة، والمختلس الذي يأخذ الشيء من المتاع إذا غفل صاحبه ولا يشعر به. إذا كنت مثلا عند تجارتك أو سلعك، وانشغلت بشيء من الحالات، واهتبل غفلتك إنسان، وأخفى شيئا من هذا المتاع وذهب به، وأنت ما تفطنت له يسمى هذا مختلسا.
فشبه تنقيص الصلاة بالاختلاس، وأن الشيطان هو الذي يحرص على تنقيص الصلاة، فيوسوس للإنسان المصلي عن صلاته حتى يلتفت فتنقص صلاته. وقد اختلف في الالتفات هنا، قال بعضهم: هو التفات البصر، وقيل: هو الالتفات بالقلب، وكلاهما منقص للصلاة. الالتفات بالقلب هو حديث القلب، حديث النفس، وإن كان قد يغلب على الإنسان، يتغلب عليه ولا يقبل على صلاته؛ لكثرة الواردات التي تتوارد عليه، والتي هي الوساوس التي لا يسلم منها إلا القليل، هذا يسمى التفات القلب.
التفات البصر كذلك أيضا كونه مثلا يميل بوجهه فينظر من هذه الجهة، وينظر من هذه الجهة. نظره أيضا قد يشوش عليه، ولا يحصل منه الإقبال الكامل على صلاته؛ بل يحصل منه شرود الذهن، والصدود عن الإقبال على الصلاة، وكثرة التحدث، حديث النفس بمن شاهده أو من رآه؛ فيكون هذا هو الاختلاس؛ أن الشيطان اختلس من صلاته فزين إليه أن يلتفت، فالتفت فرأى إنسانا فحدث نفسه بذلك الإنسان. أو رأى امرأة أو رأى حيوانا أو رأى جمادا، ولما رآه لا شك أنه سينتقل حديث قلبه إلى ذلك الإنسان غالبا. هذا هو السبب في النهي عن الالتفات.
وقد ورد في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقبل على العبد إذا كبر في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه ؛ يعني أنه إذا كان مقبلا على صلاته منشغلا بها فإنه يكتسب أن الله تعالى يقبل عليه؛ فيكون في ذلك إسعاد له، وفيه أيضا سبب في قبول صلاته وزيادته أجر المصلي وكثرة الثواب التي يترتب عليها؛ فهذا معنى الإقبال على الصلاة.
وأما الالتفات فإذا كان التفاتا بالوجه فإنه لا يبطل الصلاة ولكن ينقصها، وإن كان التفاتا بالجسم بحيث التفت بصدره إلى جهة أخرى فإنها تبطل؛ وذلك لأنه ترك الإقبال عليها، وترك استقبال القبلة في جزء من صلاته فتبطل؛ يؤمر بأن يعيدها إذا انحرف عن القبلة. فالحاصل أن المصلي مأمور بأن يقبل على صلاته إقبالا كاملا حتى يكتب له أجره كاملا.