إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
سيرة الشيخ مع أسئلة عامة
2072 مشاهدة print word pdf
line-top
الأسئلة

س: حفظه الله وبارك فيه، وأمد في عمره على طاعته، وليس الهدف منها أيها الإخوان رفع منزلة الشيخ في عيونكم، بل الشيخ أرفع من هذا، ولكن المقصود منها رجاء أن تنتفع الهمم حتى نحتذي حذوه حفظه الله. فالسؤال الأول السؤال المعتاد في مثل هذه المقابلات وهو التعرف على البطاقة الشخصية لسماحته حفظه الله؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحمد الله وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، ... فالبطاقة الشخصية أفيدكم ... في حدود سنة إحدى وثمانين طلب مني إخراج ما يسمى بالحفيظة وامتنعت عن التصوير، فرفع الأمر إلى الجوازات وكان المدير فيها يقال له: ابن البهوي فأصر إلا على التصوير، فجاءه خطاب من مدير المعهد معهد إمام الدعوة ولكنه أصر على الامتناع.
وقال: لا نخرج حفيظة إلا بصورة إلا للقضاة، ثم استشفعت بالشيخ عبد الرحمن بن .. رحمه الله فكتب إليه خطابا فأصر أيضا ولم يقبله وحاول معه الشيخ أنه يعملها سريا ولكنه امتنع فرفعنا الأمر إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فكتب إليه خطابا قويا وأمره بإعفائنا من التصوير، فلم يجد بدا من قبول ذلك. فأُخرجت لي الحفيظة بدون صورة في شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف باسم مدرس، باستثناء من التصوير كتب عليه معفى من التصوير.
ثم لما احتيجت إلى التجديد، وكان مكتوبا فيها معفى جددت من أحوال القويعية وكان ذلك في حدود سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وأضيف فيها الأولاد الذين موجودين في ذلك الوقت، ولا نزال نحملها، وأضيف بعد ذلك في آخرها الرقم المعتاد، الذي هو رقم البطاقة الشخصية التي يحملها الأفراد، فأصبح الحفيظة القديمة موجود فيها الاسم عبد الله بن عبد الرحمن الاسم والشهرة: عبد الله الجبرين واسم الأب والجد عبد الرحمن بن عبد الله هكذا هذه هي البطاقة الشخصية.
المولد أصلا في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف، المولد في قرية اسمها محيرقة من قرى القويعية وهي بلدة الأخوال. أخوالنا هم من القبيلة أسرة ..، ثم النشأة بعد ذلك بين قرية الرين وقرية محيرقة حيث نكون في الرين أغلب الوقت ثم نكون هناك في محيرقة شهرا أو شهرين من كل سنة وهكذا، بعد أو في حدود سنة أربع وسبعين انتقلنا إلى الرياض للدراسة ثم للعمل.
س: أحسن الله إليكم. شيخ، لو ذكرتم لنا بعضا من جوانب سيرتكم العلمية معرجين على ذكر بعض أسماء مشائخكم، حفظكم الله.
ابتدأت في الدراسة للقرآن الكريم وعمري عشر سنين، أي في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وألف، كان الذي لقننا وعلمنا مبادئ القراءة الوالد عبد الرحمن بن عبد الله رحمه الله. بعدما عرفت القراءة علمني أيضا الكتابة، أما بالنسبة لإتمام القرآن فكنت أتردد بين أحد الأعمام سعد بن عبد الله بن جبرين إمام وخطيب قرية محيرقة رحمه الله وبين الوالد إلى أن أتممت قراءة القرآن.
وكذلك أيضا أحد الأعمام الذي يقال له: عبد العزيز بن عبد الله بن رشيد هو أيضا ممن واصل تعليمنا في القرآن، وكذلك أيضا أحد الأعمام وهو عبد الله بن حمد بن حمادة الجبرين والد ابن أخي الموجود معنا الآن، كان أيضا ممن تولى تعليمنا في قراءة القرآن.
وبعد ذلك أتممت قراءته نظرا على أحد الإخوة موجود الآن في قرية القويعية اسمه سعيد بن عبد الله بن الأجهر من قبيلة قحطان من الجنوب، كان هو الذي واصلت القراءة معه، وتزاملت أيضا في القراءة مع أحد الزملاء عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم المسعد رحمه الله، كنت وإياه زميلا لكل منا للآخر نتدارس القرآن.
وفي حدود سنة إحدى وستين وما بعدها ابتدأت في حفظ القرآن، وابتدأت أيضا في القراءة والكتابة؛ يعني في قراءة الكتب على والده رحمه الله، في الأربعين النووية حملني على حفظها، وفي عمدة الأحكام في الأحاديث أحاديث خير الأنام، وفي نصيحة المسلمين وفي كتاب الكبائر، وكذلك في مبادئ النحو ومبادئ الفرائض، إلى أن وفق الله تعالى وأتممت ذلك بعد نحو خمس سنين.
وتأخرت في ذلك لعدم من ينافس وعدم من يكون دافعا لي ومؤيدا ومقويا، ولكثرة الغفلة، ولكثرة اللهو الذي هو لعب ولهو، إلى أن يسر الله تعالى وبعد ذلك بعد إتمام حفظ القرآن، والحمد لله ابتدأت في الدراسة، وكان الذي درست عليه قاضي الرين وهو الشيخ عبد العزيز بن محمد أبو حبيب الشاذلي وقاض آخر أو إمام وخطيب هو الشيخ صالح بن مطلق قرأت على كل منهما في أنواع من العلوم، وبالأخص على أبو حبيب حيث أكثرت من القراءة عليه سردا وحفظا في أنواع من العلوم.
ثم في سنة أربع وسبعين انتقلت إلي الرياض وانتظمت في معهد إمام الدعوة الذي فتح في تلك السنة، واصلت الدراسة فيه ثمان سنين، وأنهيت الدراسة الجامعية منه في سنة إحدى وثمانين. وفي هذه المرحلة قرأت على عدد من المشائخ منهم الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد العزيز بن باز وكذا الشيخ محمد بن مهيزع وإسماعيل الأنصاري وحماد الأنصاري وعبد الحميد عمار ومحمد البيحاني وعدد من المشائخ من وطنيين ومتعاقدين.
س: أحسن الله إليكم. حفظكم الله لو بينتم لنا برنامجكم اليومي في أيام طلبكم للعلم ؟
الحمد لله، البرنامج في طلب العلم يتكون من أن لنا دراسة بعد صلاة الفجر مباشرا على الشيخ محمد بن إبراهيم ؛ حيث نقرأ عليه في الفقه وفي غيره، نقرأ كل يوم نحو ساعتين بعد صلاة الفجر مباشرة في الروض المربع وأكملناه مرتين. ثم في كتاب بلوغ المرام الذي أكملناه أيضا مرتين في ثماني سنين.
وكذلك في بعض الأيام في التوحيد حيث قرأنا أيضا كتاب فتح المجيد و كتاب الإيمان والفتوى الحموية، وكذلك أيضا الواسطية هذه نستمر فيها، ونقوم في حدود الساعة بالتوقيت العربي في ذلك التوقيت الساعة الثانية؛ أي بعد طلوع الشمس بساعة ونصف أو ساعتين أحيانا. ثم بعد ذلك ننصرف إلى منازلنا لتناول طعام الإفطار.
ثم نرجع ونواصل الدراسة على المشائخ الآخرين، إلى قريب أو صلاة الظهر، حيث نقرأ في أصول الفقـه وفي أصول التفسير، وفي النحو والصرف، وفي الفنون الأخرى التي تقرأ، وكان الذي قرر علينا رحمه الله عشرة فنون: التوحيد، والعقيدة، والفقه، وأصول الفقه، والحديث، والمصطلح، والنحو، والصرف، والفرائض، وهكذا نقرأ كل يوم ستة دروس، في ست حصص.
وبعد العصر نحضر دروسا للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وكان يدرس في المسجد بعد العصر إلى قرب الغروب؛ حيث يدرس في الفرائض، ويدرس في النحو. وكذلك أيضا بعد المغرب يدرس في دروس كثيرة تتعلق بالعقيدة وبالمطولات، التفسير وأصوله ونحو ذلك، وهكذا إلى قرب أو إلى أذان العشاء.
وبعد العشاء نجتمع مع بعض الزملاء للمذاكرة؛ أي لمذاكرة الدروس التي تمت قراءتها في اليوم الماضي وتذكرها، ومراجعة الفوائد منها إلى نحو الساعة الرابعة ليلا، أي بعد غروب الشمس بأربع ساعات في التوقيت الغروبي. هكذا كان عملنا وليس هناك إجازة إلا يوم الجمعة، الذي يكون راحة ونستغله أيضا في زيارات وفي مواعظ. كان من زملائنا من يحثونا على السفر إلى القرى القريبة؛ لأجل يوم الجمعة، إلقاء كلمات ونصائح فاستمر عملنا هكذا من سنة قريب من سنة اثنين وثمانين إلى سنة ثمان وتسعين.
ونحن كل جمعة، ولما نخرج إلى بعض القرى إلى الخرج وإلى شقراء وإلى بعض قرى المحمل وكذلك أيضا .. وما أشبهها، نتجول للدعوة كان الذي يتكفل بالسيارة أخونا يوسف بن محمد المطلق وفقه الله، ولا نزال هكذا إلى أن انشغلنا بالدروس التي نلقيها ولا نزال نلقيها والحمد لله في الرياض في أماكن محددة ولا تزال مستمرة.
س: السلام عليكم. لو بينتم لنا كيف تقضون وقت الظهر حيث لم تذكره؟
كان وقت صلاة الظهر قديما يعني كان عندنا وقت راحة، ولكن مع ذلك نقضي وقت الظهر في المذاكرة غالبا، وكذلك أيضا زيارات لمن يزورنا من الرفقاء ونحوهم، وكذلك أيضا في الشفاعات. وهكذا إلى حدود سنة اثنتين وأربعمائة حيث تعينا في الإفتاء، فمعروف أننا نذهب للدوام في الإفتاء، من الساعة السابعة والنصف ولا نخرج إلا في الساعة الثانية والنصف، فيستغرق الدوام أكثر الوقت هذا، ومع ذلك لم ننقطع عن الدروس التي بعد المغرب وبعد العشاء وبعد الفجر، والحمد لله.
وبعدما تقاعدنا في سنة ثمانية عشر وأربعمائة وألف شغلنا وقت الظهر بالفتاوى؛ أي الإجابة على فتاوى تحريرية أو فتاوى هاتفية، وكذلك أيضا في تلقي الزوار، وتقبل أو الشفاعات لمن له حق يريد شفاعة فيه، أو ما أشبه ذلك.
س: السلام عليكم. كثير من الشباب يكون عنده رغبة في طلب العلم ولكنه قد يكون يجهل كيف الطريقة المثلى لتحصيل هذا العلم فلو بينتم لنا حفظكم الله الطريقة المثلى لطلب العلم؟
لا شك أن طلب العلم سهل ويسير والحمد لله؛ فمعروف أنه تلقى جانبا كبيرا من العلم منذ أن تم عمره سبع سنين وهو منتظم في الدراسة الابتدائية، ففيها يتعلم الهــجاء ويتعلم القراءة والكتابة، ويتعلم مبادئ العلوم، ويلقن مبادئ العقيدة ومبادئ الأحكام، ومبادئ النحو والقواعد النحوية، وما أشبه ذلك فينتهي من المرحلة الابتدائية وقد علم مبادئ العلوم.
وإذا كان كذلك فكذلك أيضا المراحل التي بعدها المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعية؛ فيها كلها يتلقى كثيرا من العلوم، يتلقى توسعا في هذه العلوم، وزيادة في معلومات أخرى، معلومات جديدة تعلم مبادئها كالحساب ونحوه، في المرحلة الابتدائية وما بعد ذلك. ولا شك أنه في هذه الحالة أخذ جانبا من المعرفة.
وإذا أراد بعد ذلك أن يتوسع وأن يواصل دراسته، فإن عليه أن يأتي الأمور من مبادئها؛ فنوصيه بأن يُقوم لسانه، وذلك بأن يقرأ على بعض المشائخ قراءة مطالعة؛ أي سردا في المطولات ونحوها، ويأمره بأن يلقنه الأخطاء النحوية حتى يقيم لسانه، وحتى يعرف كيف ينطق ويطبق القواعد النحوية.
ثم بعد ذلك أو مع ذلك يقرأ أيضا في مبادئ العلوم، فنوصيه بأن يقرأ في الحديث، إما الحديث رواية أو الحديث دراية. الحديث دراية أن يتعلم مصطلح الحديث؛ لأنه يمر به في قراءته الأحاديث أن هذا حديث منقطع، وهذا حديث معضل وهذا مرسل وهذا موقوف وهذا مرفوع وهذا منكر، وهذا حديث فيه مقال، وهذا الراوي ضعيف أو مجهول، أو ما أشبه ذلك، وإذا جهل معاني هذه الاصطلاحات فعليه أن يتعلمها، ولها كتب مؤلفة كبيرة وصغيرة.
وكذلك أيضا يتعلم الحديث رواية، بأن يقرأ الأحاديث؛ الأحاديث الموجودة سواء التي التزم فيها الصحة كالبخاري ومسلم ومن أتى بعدهما ملتزما الاقتصار على الصحيح، أو غيرها من الذين يروون ما وجدوه، وإن كانوا يتركون الأحاديث الضعيفة المعضلة، كأهل السنن الأربعة وأهل المسانيد، وكذلك ملخصاتها والكتب التي كتبت بعدها في الأحاديث؛ فيكون على جانب من الحديث .
وهكذا أيضا يعرف أن علماء الأمة رحمهم الله استنبطوا الأحكام من هذه الأحاديث ومن آيات الأحكام، استنبطوها منها وكتبوها في مؤلفات وسموها بالكتب الفقهية، وذكروا لكل باب ما فيه من الأحكام، وهي كتب الفقه، فيتعلم أيضا على بعض المشائخ مبادئ ذلك.
فنوصيه في الحديث أن يحفظ الأحاديث الأربعين النووية، ثم عمدة الأحكام لابن سرور المقدسي ثم إذا تيسر له أن يقرأ بعد ذلك أو يتوسع في قراءة كتب الحديث التي تتعلق بالأحكام، كبلوغ المرام و منتقى الأخبار فإنه يستفيد من ذلك فائدة كبيرة. وكذلك أيضا في باب الفقه يقرأ مختصر الخرقي ، و زاد المستقنع وعمدة الفقه ونحوها من الكتب التي اختصرت فيما يتعلق بالفقه.
وهكذا أيضا فيما يتعلق بالتفسير، يقرأ تفسير القرآن. العلماء الأولون والآخرون اعتنوا بالتفسير، ولخصه بعضهم. بعضهم اختصره، وبعضهم توسع فيه، فمن الملخصات التفسير الميسر الذي طبع في هوامش كثير من المصاحف، وكذلك تفسير الإمامين الجلالين السيوطي والمحلي وإن كانا قد ذكرا فيه شيئا من التأويلات التي هي من أو على معتقد الأشاعرة، وأما التفسير الميسر فإنه سالم من هذه التأويلات.
كذلك ما بعده من كتب التفاسير التي تعتني بإيضاح القرآن، وأحسن تفاسير المتقدمين ابن جرير رحمه الله فإنه يتعرض للأقوال وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط فهو بذلك فائق على تفاسير المتقدمين. ثم بعده تفسير البغوي فإنه من أهل السنة، إلا أن تفسير البغوي وكذلك تفسير ابن جرير فيهما الكثير من الإسرائيليات، التي يُحَسِّنون الظن بها، يروونها بالأسانيد إلى كعب وإلى وهب .
ثم جاء بعدهما تفسير ابن كثير رحمه الله والذي اقتصر على التفسير، وحذف الكثير والكثير من الإسرائيليات الموجودة وفي تفسير البغوي وفي تفسير ابن جرير ولكن توجد فيه بعض الأحاديث التي هي ضعيفة، ولكنه يكلها إلى أسانيدها حيث إنه يرويها بالإسناد، فيقول: قال الإمام البخاري قال الإمام أحمد قال الطبراني قال البيهقي ويرويها بالإسناد ويكون العهدة على الإسناد.
كذلك أيضا نوصي بقراءة كتب الآداب والأخلاق؛ وذلك لأن العلماء أيضا اهتموا بذلك، فألفوا ما يتعلق بالآداب الشرعية، ومنهم الإمام البخاري في كتابه الصحيح كتاب الأدب، وكذلك أيضا أفرد ذلك في كتاب يسمى الأدب المفرد فهذا يتعلق بالآداب. وجاء بعده الإمام ابن حبان وألف كتابا مفيدا وسماه روضة العقلاء، وضمنه أحاديث وآثارا وأقوالا في الآداب، وفي الأخلاق وفي الشيم؛ مما يدل على أن الإسلام هو دين الأخلاق.
فنوصي بقراءة مثل هذه الكتب؛ لما فيها من الفائدة التي تحمل المسلم على أن يتأدب بآداب الإسلام.
وكذلك جاء بعدهما ابن مفلح الذي ألف كتابا كبيرا وسماه الآداب الشرعية والمنح المرعية يقع مطبوعا في ثلاثة مجلدات، مجلدات كبار، إلا أنه يحتاج إلى تحقيق، وإلى ذكر بعض الإحالات والأقوال التي لم يسندها ولم يذكر قائلها، وإلا فهو كتاب مفيد، ولو اختصر وحذف منه بعض العبارات الركيكة التي تحتاج إلى تفهم، لكان ذلك سببا في إفادته وعظم الاستفادة منه.
كذلك نوصي بقراءة كتب العقيدة؛ فإن العلماء رحمهم الله اهتموا بكتب العقيدة، وأولوها عناية كبيرة، فكتب الأولون فيها؛ فالإمام أحمد له رسالتان أو ثلاث رسائل؛ له رسالة في الرد على الجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن، ورسالة في أصول السنة ورسالة في السنة، وكلها موجودة ومطبوعة. وقد علقنا على رسالة أصول السنة وطبعت قبل ذلك وطبعت بتعليقنا، وكذلك أيضا لابنه عبد الله رسالة أو السنة مجلد قديم ثم حقق بعد ذلك وكمل وطبع في مجلدين.
ثم جاء بعده تلميذه أبو بكر الخلال وألف أيضا كتابا موسعا يتعلق بالسنة، ولكنه يطيل بذكر الأسانيد، وبذكر أقوال قد يكون فيها نظر وفيها كلام لبعض المتأخرين، وفيها طعن على بعض الأئمة. وهكذا أيضا كتب السنة الأخرى مثل كتاب ابن أبي عاصم رحمه الله الذي هو ولد أبي عاصم النزيل الضحاك بن مخلد له رسالة أيضا في السنة مطبوعة في مجلدين، ومحققة أيضا.
وكتب كثيرة تتعلق بالعقيدة، وتتعلق بالإيمان، باسم الإيمان، وباسم الشريعة، وباسم الإبانة؛ كالإبانة لابن بطة وباسم السنة وباسم شرح أصول أهل السنة للالكائي ونحو ذلك مما يدل على أن الأولين رحمهم الله اعتنوا بكتب العقيدة؛ وذلك لأنهم ابتلوا في زمانهم بأولئك المبتدعة الذين نشروا بدعهم، وألفوا فيها مؤلفات كثيرة، فردوا أو تأولوا فيها النصوص. وهكذا أيضا المتأخرون.
وكان أهل القرون الوسطى لم يتجرءوا على كتابة تتعلق بالعقيدة، إلى أن جاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فتجرأ وكتب ورد على أهل زمانه، وألف في العقيدة مؤلفات طويلة ومؤلفات مختصرة، وذكر أقوال أهل السنة، ولم يبال بمن خالفه، ولم يبال بمن ناقشه في عقيدته، وصبر على الحبس وصبر على فراق بلده، وكل ذلك لأجل إظهار السنة وإظهار العقيدة.
فجاء بعده تلميذه ابن القيم رحمه الله ونصر السنة أيضا، وكتب فيها مؤلفات قوية مؤلفات كبيرة وصغيرة، يتبين بها معتقد أهل السنة.
ومثله أيضا زميله الذهبي رحمه الله وهو ممن تأثر بشيخ الإسلام، مع أن الذهبي شافعي المذهب، وكذلك ابن كثير شافعي المذهب. ولكن تتلمذ.. ابن كثير والذهبي على شيخ الإسلام ابن تيمية ... وبكل حال فإن هذا ونحوه دليل على أن معتقد أهل السنة محفوظ والحمد لله. وكذلك أيضا ما يتعلق بكتب النحو نقول: إن الأوليين أيضا اعتنوا بكتب النحو، وكذلك المتأخرون.
فنوصي بقراءة أو بحفظ الآجرومية المتعلقة بالنحو، وكذلك ملحة الإعراب للحريري المتعلقة أيضا بالنحو؛ فإن في النحو تقويم للسان وفهم لكلام الله. فائدة النحو فهم كلام الله، وكلام رسوله وكلام أهل العلم، فإذا أخذ جانبا من هذه العلوم، بعد ذلك يستطيع أن يقرأ على نفسه. إذا أخذ العقيدة وأخذ التوحيد، وكذلك أيضا التفسير وأصول التفسير والحديث، والمصطلح والفقه وأصول الفقه والنحو والصرف، والفرائض فإنه بذلك يكون قد أخذ جانبا لا بأس به، واستطاع بعد ذلك أن يواصل القراءة، وأن يستفيد من القراءة بنفسه، وأن يبقى عارفا ومعلما ومفيدا ومستفيدا.
ونوصيه بعد ذلك ألا يقطع ملازمة طلبة العلم المبتدئين، الذين يحثونه على أن يبحث في المسألة إذا سألوه عن مسألة. وكذلك أيضا لا يقطع مجالسة العلماء؛ فإن ذلك أيضا مما يستفيد منه فوائد كثيرة، تحثه على أن يقرأ مثلما قرءوا؛ وذلك لأن كبار العلماء درسوا الدروس الشرعية قديما، وتمرسوا فيها ومارسوها ممارسة قوية. ووقعت الوقائع معهم فكانوا على جانب كبير من المعرفة بهذه ..الفوائد.. وهذه المسائل التي وقعت في زمانهم، وقاسوا عليها الوقائع الجديدة، والمسائل المتجددة في هذه الأزمنة قاسوها عليها وأتوا فيها بما يناسبها، ولكل زمان دولة ورجال.
س: أحسن الله إليكم. كثير من الشباب يكثر من القراءة، قراءة الكتب المختصرة والمطولة، ولكنهم لا يستفيدون منها الاستفادة المرجوة؛ فلو بينتم لنا حفظكم الله كيفية الاستفادة من القراءة في الكتب المطولة والمختصرة ؟
هكذا يقولون. أظن هذا ليس بصحيح، يعني نلاحظ أن كثيرا من طلبة العلم المبتدئين يقولون: إنا لا نستفيد من القراءة من الكتب القديمة؛ يعني نقرأ في مثلا الروض المربع ونقرأ في الكافي وفي المغني وفي الشرح الكبير وفي الإنصاف وفي الشروح الكبيرة، والمختصرة والمؤلفات، ولا أدري ما الذي يحول بينهم وبين الاستفادة.
لا شك أنها كتب بلسان عربي مبين، أن أهلها أفصحوا العبارات واستعملوا الكلمات الواضحة. فنحن نقول: إذا لم تفهموا منها فإن سبب عدم الفهم عدم فهمكم للقواعد النحوية، فعليكم بقراءة القواعد النحوية حتى يثبت الفهم. وكذلك أيضا نوصيكم بتعلم المفردات اللغوية، الكلمات اللغوية قد اعتنى بها العلماء قديما وحديثا وبينوا معنى كل كلمة تكلمت بها العرب قديما وحديثا.
ومن أحسنها كتاب الصحاح للجوهري و القاموس المحيط للفيروزآبادي و لسان العرب لابن منظور ومختصراتها، فإن فيها بيانا للكلمات العربية، فإذا أشكلت عليكم كلمة فراجعوا هذه القواميس؛ حتى تستفيدوا وحتى تعرفوا معانيها وتعرفوا الجمل التي فيها.
كذلك أيضا إذا مارستم وكررتم القراءة في هذه الكتب، فإنكم إن شاء الله تستفيدون منها مرة بعد مرة، ولا بأس أيضا أن تقرءوا في الكتب المتجددة، الكتب المتأخرة كتب المتأخرين قد يكون فيها شيء من التكلفات، وشيء من صعب العبارات. يستعمل المتأخرون كثيرا من شواذ اللغة وغريب شواذها، ويستعملون أيضا الكثير من العبارات التي فيها فصاحة وبلاغة تدل على أنهم قصدوا بذلك إظهار البلاغة وقوة الأسلوب.
ولكن مع ذلك يدعي هؤلاء الطلبة المبتدئون أنهم يستفيدون منها أكثر من استفادتهم من كتب المتقدمين، مع سلاستها وسهولة عبارتها، ولعل ذلك لعدم الممارسة لها، وعدم تكرار القراءة فيها، ومع تكرار القراءة تحصل الاستفادة منها إن شاء الله.
س: أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: لكم كلمة ممتازة قلتها عدة مرات عن طلب العلم منها الجلوس على الحجر والسهر على الكتاب وأنه لا يدرك بالنوم وغير ذلك فلو ذكرتموها حفظكم الله؟
ليست لنا، ولكنها للإمام الشافعي رأيتها مكتوبة، وسمعتها من أفواه بعض كبار الأسنان، يقول رحمه الله: العلم بطي اللزام، بعيد المرام، لا يدرك بالسهام، ولا يرى في المنام، ولا يورث عن الآباء والأعمام. إنما هو شجرة لا تصلح إلا بالغرس، ولا تغرس إلا في النفس، ولا تسقى إلا بالدرس، ولا يحصل إلا لمن أنفق العينين وجثا على الركبتين. ولا يحصل إلا لمن قطع المفاوز، ولا يحصل إلا بالاستناد على الحجر، وافتراش المدر، وقلة النوم وصلة الليل باليوم.
انظر إلى من شغل نهاره بالجمع وليلة بالجماع، أيخرج من ذلك فقيها؟ كلا والله، حتى يعتضد الدفاتر، ويستحصل المحابر، ويقطع القفار، ولا يفصل في طلبه بين الليل والنهار.
هكذا جاءت هذه العبارة عن الإمام الشافعي رحمه الله. وقد كتبناها في رسالة مطبوعة بعنوان كيف تطلب العلم والذين طبعوا هذه الرسالة كتبوها على الصفحة الأخيرة؛ لما فيها من الحث على طلب العلم. كذلك أيضا يقول في هذه الرسالة رحمه الله العلم بطي اللزام؛ يعني أنه بطي أن تلزمه، وأن تمسكه، يحتاج إلي زمن حتى تمسكه، وحتى تلازمه. العلم بطي اللزام.
بعيد المرام، يعني بعيد المنتهى، يعني ليس هو مجرد أن تدرس سنة أو سنوات قليلة ثم تنقطع، فلا بد من الملازمة، ولا بد من الاستمرار في طلب العلم مدة طويلة، فهو بعيد المرام، لا يدرك بالسهام؛ يعني أنه لا يدرك بالمساهمة، يعني كون الإنسان مثلا يقارع، أو يحصل بالقرعة، فيصيبه بالقرعة ليس كذلك. فلا يدرك بالسهام.
ولا يورث عن الآباء والأعمام، ليس هو ميراث، إنما يحصل عليه من وفقه الله فليس كل أولاد العلماء يكونون مثلهم في طلب العلم، فكثير من أولاد العلماء بقوا جهلاء، أو أعرضوا عن العلم، ولم يتمثلوا به كما هو ظاهر، ولا يورث عن الآباء والأعمام. ولا يرى في المنام؛ أعني رؤيته في المنام لا تدل على أنه تحصل، وأن من رأى أنه وصل إلى رتبة العلماء فإنه يصير عالما، فلا يرى في المنام، ولا يورث عن الآباء والأعمام.
إنما هو شجرة، الشجرة معروف أنها هي التي تغرس في الأرض، وما تحتاج إلى سقي، ولكنها شجرة تغرس في النفس؛ أي تغرس في القلب وتحتاج إلى سقاية، وسقايتها هي الدرس، لا تسقى إلا بالدرس أي بالدراسة وبمواصلة الدراسة وهكذا إلى آخر كلامه رحمه الله.
س: أحسن الله إليكم. العالم الإسلامي اليوم يعيش في تخلف واضح وإهانة كبيرة من قبل أعداء الإسلام؛ فما هي أسباب هذا التخلف والتقهقر الذي يعيش فيه هذا العالم وكيف يمكن إعادة الإسلام إلى عزه السابق؟
تخلوا عن الإسلام الحقيقي، وتخلوا عن تطبيقه وعن العمل به؛ فلأجل ذلك وصلوا إلى ما وصلوا إليه، من التخلف الحسي والتخلف المعنوي. ثم إن الكفار عابوا المسلمين لهذا التخلف، فقالوا: إنكم صرتم عالة على غيركم فالصناعات الحالية لا تعرفونها وتستوردونها من البلاد الأخرى، فأنتم عالة على غيركم، وكذلك أيضا الآليات وما أشبهها لا تعرفونها ولا تدركون شيئا منها، فلا تعرفون شيئا.
فاعتقد كثير من شباب المسلمين أن هذا التخلف كما يسمونه أنه بسبب انشغالهم وانشغال آبائهم بالعلوم القديمة التي هي علوم الأحكام، علوم المعاملات والمعاقدات وما أشبهها، وقالوا: إنها سببت تأخر المسلمين وعدم معرفتهم بما تعلمه أهل هذا الزمان من الصناعات الجديدة، الصناعات المبتكرة التي وصلوا بها إلى ما وصلوا، هكذا نسمع هذه العبارات. .. أولئك الذين هم من أتباع كل ناعق ومن الذين يتمسكون بهذه الخرافات، والشبهات وما أشبهها.
فنقول: إن سبب تخلف كثير من هؤلاء الدول هو بعدم تحكيمهم للقرآن وللسنة، وإعراضهم عن ذلك؛ حيث إنهم انشغلوا بتحكيم القوانين الوضعية، ورأوا أنها أحسن من الشرع الشريف؛ فلأجل ذلك أباحوا كثيرا من المحرمات؛ فأباحوا للمرأة أن تبذل نفسها لفعل الفاحشة، لمن طلب ذلك منها، ولو كانت في ذمة زوج، ومنعوا زوجها أو أباها أن يحول بينها وبين ما تريده.
وكذلك أيضا أباحوا شرب المسكرات، وقالوا إنها أشربة طيبة الشرع أخطأ حيث منع منها، وأباحوا سماع الأغاني وادعوا أنها تقوي القلب وأنها تنشط الأجساد، وأباحوا المسارح والألعاب وما أشبهها، وانشغلوا بذلك كله عن العلم الشرعي وعن الأعمال الصحيحة، كذلك أيضا انشغلوا باللهو واللعب، انشغلوا بسماع الأغاني والإكباب عليها. انشغلوا بالملاهي التي قطعت أوقاتهم وقضوا فيها زمنا طويلا.
فكانت سببا في تأخرهم، وعدم معرفتهم بما عليه الشرع الشريف وظنوا أن تعلمها وأن الانشغال بها ترفيه عن النفس وتسلية وتقوية لمعنوياتها. وكذلك أيضا انشغلوا بالشهوات؛ أي بشهوات النفوس وما تميل إليه نفوسهم، تارة بالأسفار البعيدة أو القريبة، التي يسمونها أسفارا للنزهة، للمنتزهات وللتسلية ورؤية الأشياء الطبيعية ونحو ذلك. وتارة بالأسفار إلى البلاد البعيدة لتقليد أهلها، لاعتقاد أن أولئك الذين وصلوا إلي ما وصلوا إليه من العلوم، إنما وصلوا إلى ذلك بحلق اللحى، وبالتشبه بالنساء، وبتشبه النساء بالرجال، وبترك الصلوات وترك العبادات، وما أشبه ذلك.
فظنوا أن هذا كله مما يسبب أنهم يكونون كما يقولون تقدميون، وأن ذلك لفظ للتأخر. كما ذكر بعض الكتاب أنه رأى أحد الشباب يحمل مجلة تسمى في ذلك الوقت مجلة المصور يقول: فنصحته، وأقنعته بأنه لا خير فيها، وأن فيها ضررا، فبعد ذلك نصحته عن حلق اللحية فنفض يديه في وجهي، وقال: نحن نريد التقدم، وأنت وأصحابك تريدون تأخيرنا، ظن أن التقدم يكون بحلق اللحى، وباقتناء هذه المجلات الخليعة، وباللعب أو مشاهدة هؤلاء اللاعبين الذين تعرض ألعابهم في الشاشات وفي الإذاعات وما أشبه ذلك.
وبسماع الأخبار التي قد يكون أكثرها خرافات لا فائدة فيها، وفيها تهويل أيضا لتلك البلاد التي ينقلون أخبارها، فيتتبع هؤلاء أخبارها بواسطة المذياع، ثم يتأثرون بها ويفكرون تفكيرا سيئا، أن الذي أخرنا هو ديننا وهو علومنا الشرعية، وأن الذي قدمه أولئك أنه تعلمهم، أو أنه تخليهم من هذه العلوم الشرعية.
وما علموا أن الإسلام لا يمنع تعلم الأشياء الجديدة، ولا يمنع تعلم الصناعات والابتكارات والمخترعات الجديدة والقديمة، وأن المسلمين قد سبقوا إلى ذلك فيما تقدم. وإذا كان كذلك فإننا نقول لهم: راجعوا دينكم، راجعوا الإسلام، وارجعوا إلى تحقيقه، وتعلموا علومه، ومع ذلك تعلموا من العلوم الجديدة ما يكون سببا في أنكم تعرفون كيف دخل هؤلاء في هذه الصناعات، ومع ذلك تغنون أنفسكم عن أولئك الذين اكتسحوا أموالكم بهذه الصناعات والمخترعات ونحوها.
وأيضا شغلوا أوقاتكم بهذه الخرافات، وبهذه الإذاعات، وبهذه الألعاب التي يصدونكم بها عن الخير، ويصدونكم بها عن العلم الشرعي وعن العمل الذي يكون فيه نتيجة طيبة، فنحن إذا نظرنا إلى ما يردنا من الدول الكافرة من هذه الألعاب التي يشغلون بها الأولاد، ويشغلون بها الأطفال، يبذل المسلمون فيها أموالا طائلة مع أنها مجرد لهو وسهو، ومجرد انشغال ساعة أو ساعات، ومع ذلك يكتسب أولئك الكفار منها أموالا طائلة، يشغلون بها أولاد المسلمين ويشغلون بها أطفال المسلمين وهم يستفيدون منها.
ونقول: لو استبدلناها بأن نتعلم ما يكون سببا في استغنائنا عن أولئك الكفار لكان ذلك خيرا، فالإسلام لا يمنع من تعلم الصناعات الجديدة، ولكن لا يكون تعلمها على حساب تعلم العلوم الشرعية.
س: أحسن الله إليكم. هنا بعض الأسئلة التي وردت منها يقول: ما هو الكتاب الذي يصلح لبداية معرفة الحديث ومصطلح الحديث؟
كتب المصطلح كثيرة، بالنسبة إلى المنظوم النظم فنوصي بحفظ البيقونية ؛ فإنها سهلة ومختصرة، فيها علوم المصطلح. وبالنسبة إلى النثر نوصي بحفظ نخبة الفكر لابن حجر وكل منهما عليه شرح، على البيقونية شرح لنا قد طبع، وقد علق عليه أحد الطلبة. وكذلك أيضا شرح البيقونية لغيرنا من المشائخ.
أما بالنسبة لنخبة الفكر فعليها شرح لمؤلفها الحافظ ابن حجر وإذا أراد التوسع بعد ذلك، فإنه يقرأ مقدمة ابن الصلاح والكتب التي كتبت بعدها ومن جملتها ألفية العراقي وما عليها من الشروح. أما بالنسبة للحديث فنوصيه بقراءة كتب مختصرات الصحيحين فللبخاري ومسلم مختصر لفؤاد عبد الباقي اسمه اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان اقتصر على الأحاديث التي لفظها متقارب في الصحيحين.
وكذلك أيضا هناك مختصر لصحيح البخاري للزبيدي وإن كان رحمه الله لم يحسن في اختصاره، حيث ذكر أحاديث في غير أبوابها، وفي غير مواضعها وتركها في مواضعها، وكذلك مختصر صحيح مسلم للمنذري وهو مختصر مفيد حسن. ثم بعد ذلك مختصرات الأصول كلها جامع الأصول لابن الأثير اختصر فيه الكتب الستة الصحيحين والموطأ والسنن الثلاثة، وفيها كلها فائدة. وجاء بعد ذلك الشيخ الألباني رحمه الله واختصر السنن الأربعة، وعزل منها الصحيح والضعيف، ألف في صحيح سنن أبي داود، وضعيف سنن أبي داود، وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه وجاءت مفيدة أعني لطالب العلم.
س: أحسن الله إليكم. يقول: هل نحفظ القرآن أولا ثم نطلب العلم ؟ أم نطلب العلم بعد حفظ القرآن؟ ..
نوصي بحفظ القرآن، ولكن هذا فيمن رزقه الله تعالى قوة الحفظ، أما إذا كان الحفظ يصعب على بعض الشباب، ففي إمكانه أن يقرأ القرآن نظرا، ويجوده ويعرف أيضا تفاسيره، أو تفسير ما يشكل منه، ويواصل القراءة في العلم وإن لم يتيسر له الحفظ بالكمال.
س: أحسن الله إليكم. يقول: ما المقصود بتتبع الرخص ؟
يعني تتبع الأخطاء التي أخطأ فيها بعض العلماء وكانوا مجتهدين، فإنه في ذلك يجتمع فيه النقص كله؛ فمثلا في المناسك هناك رخص أخطأ فيها كثير من العلماء؛ فلو قال إنسان: أنا أحرم بعد الميقات ولا شيء علي؛ لأن هناك من العلماء من أجاز الإحرام بعد الميقات، ولو كان مخطئا ولكنه عالم مشهور. وكذلك أيضا أنا لا أقف بعرفة إلا في الليل، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم وقف بالنهار.
وكذلك أنا لا أبيت بمزدلفة أمر عليها مرورا، وأنزل فيها وأصلي وأواصل السير؛ لأن هناك من رخص في ترك المبيت بمزدلفة وكذلك أيضا أنا لا أبيت بمنى أجلس فيها في الليل ساعة أو ساعتين وأذهب إلى شقتي وأبيت حيث أشاء؛ لأن هناك من يقول: يكفي الاقتصار على ساعة في كل ليلة، ونحو ذلك.
أو أنا أوكل في رمي الجمار ولو كنت قادرا؛ لأن هناك من يرخص أو أنا أقتصر على ست حصيات؛ لأن هناك من يرخص في الست أو نحوها. أو أنا أطوف بالبيت أربعة أشواط وأكتفي بها؛ لأن هناك من يكتفي بأربعة أشواط؛ يقول لأنها أكثر ما روي. أو أنا أترك السعي وأجبره بدم؛ لأن هناك من يقول: إنه يجبر بدم، ولو كان من الواجبات المحتمة وما أشبه ذلك. أو يقول: أنا أترك طواف الوداع، إذا كان طواف الوداع يسقط عن المرأة الحائض، فأنا عاجز وأتركه ولا شيء علي.
وكذلك لو قال مثلا: أنا أفعل بعض المحظورات ولا حرج علي في فعلها، لا حرج علي لو قلمت أظفاري، أو قصصت من شعري، أو كذلك غطيت رأسي وأنا محرم للحاجة، لا حرج علي في ذلك؛ لأن هناك من يقول بأنه لا حجة على من فعل ذلك ولو كان متعمدا وأشباه ذلك. فمثل هذه لا شك أنها أخطاء، وأن الذي يفعلها يجتمع فيه الخطأ كله؛ لأن العالم إذا أخطأ في مسألة فلا تأخذ المسائل الكثيرة التي أخطأ فيها. هذا أخطأ في واحدة فقط، وهذا أخطأ في واحدة، وأنت جمعت عشرين خطأ، وجعلتها في عملك، هذا مثال للرخص في الحج.
وكذلك أيضا الرخص في الصلاة إذا قال قائل: أنا أترك صلاة الجماعة لأن هناك من يقول: إنها ليست بواجبة، وقال آخر: أنا أترك الطمأنينة في الصلاة فأصلي بسرعة؛ لأن هناك من يقول: إن الطمأنينة ليست بواجبة، وقال آخر: أنا أترك السلام فأقوم بدون سلام، وأترك أيضا النية لأن هناك من يقول: إنه لا يحتاج إلى نية، وأشباه ذلك. أو قال مثلا: أنا أصلي ولو كنت محدثا، ولم يكن الحدث من الحدثين الآخريين، يعني أنا أقول: لا ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل، ولا ينتقض بمس المرأة وأشباه ذلك، فيجتمع فيه الخطأ كله.
س: أحسن الله إليكم. السائل يقول: خرجنا يوم أمس حوالي الثانية إلا ربع مساء من منى بعد أن نمنا أول الليل، وذهبنا إلى الحرم لإكمال بقية النسك، وهو الطواف والسعي وقد مضى بنا الوقت إلى ما بعد صلاة الفجر؛ فهل علينا شيء أننا نعتبر قد بتنا في منى ؟
معذورون لأنكم قمتم بعمل أنتم مطالبون به وهو الطواف والسعي، ولأنكم رحلكم ورفقاؤكم موجودون في منى ولو فاتكم فإنما فاتكم بسبب عمل أنتم مكلفون به أو بسبب الزحام الذي عاقكم في ذهابكم وفي إيابكم.
ختاما أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ شيخنا، وأن يوفقه لما يحبه ويرضاه، وأن يطيل عمره في طاعته، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

line-bottom