محاضرة بعنوان شر غائب ينتظر
من فتن آخر الزمان
كذلك فتنة المسيح الدجال وهو شر غائب ينتظر. وهكذا الساعة؛ فإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وهي ذكر الله أن أنها أدهى وأمر في قوله تعالى: رسم> فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا قرآن> رسم> وإذا عرف أن هذه كلها من الفتن؛ فإن الإنسان عليه أن يبتعد عن أسباب الفتن، وأن يستعيذ بالله عز وجل من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أما الموضوع الذي في هذه الليلة فالتحذير من فتنة المسيح الدجال. معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لا بد أن يخرج في هذه الأمة، فإذا كان لا بد أنه خارج في هذه الأمة؛ فإن علينا أن نعرف أوصافه؛ حتى نحذر منه، فإن قرب أشراط الساعة وما حصل فيها مما يفيد أنه قد قرب زمان خروجه.
فنذكر من الأحاديث بعض ما ورد فيها شيء من صفاته، وبيان ما يحصل في زمانه، وعلى يديه من الفتن ومن الامتحان؛ حتى يكون المؤمن على يقين من هذه الفتنة ويبتعد عنها ويحذرها إذا قدر أنه يدركها.
فنقول: لقد كثر ذكره في الأحاديث وأفرد بمؤلفات، وذكره العلماء في مؤلفاتهم؛ نظرا إلى أنه ورد في هذه الأحاديث كثرة ذكره وكثرة أوصافه التي يتميز بها.
ولا شك أنها أخبار صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد وصفه بصفات ثابتة أيضا في أحاديث الصحيحين، أو في أحاديث على شرط الصحيحين، أو في أحدهما، وهذا مما يسبب أننا نصدق بها؛ لأن الصحيحين قد تلقتهما الأمة بالقبول، ولم يرد أهل السنة منهما شيئا؛ إلا ما قل مما ورد في ثبوته خلاف وتجاهل ولا يقال: لماذا لم يرد ذكره في القرآن؟ الجواب: أنه ورد ذكر الأشراط مطلقة في قول الله تعالى: رسم> فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا قرآن> رسم> ولا شك أن أشراطها هي العلامات، ومن علامتها وعلامات قربها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أيضا قد أخبر الله تعالى بقرب الساعة في قوله تعالى: رسم> اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قرآن> رسم> اقترب؛ يعني قيامها، وكذلك قوله تعالى: رسم> اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ قرآن> رسم> رسم> اقْتَرَبَ قرآن> رسم> ؛ يعني قرب حسابهم؛ وذلك دليل على قرب الساعة. وكذلك قال الله تعالى: رسم> أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ قرآن> رسم> وأمر الله يدخل فيه الأمر بقيام الساعة. فقيام الساعة قبله أمارات وضحها النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل اسم> عن الساعة قال: رسم> ما المسئول عنها بأعلم من السائل. ثم قال: أخبرني عن علاماتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان متن_ح> رسم> .
فجعل هذه من علاماتها، ولا شك أن هذه قد ظهرت، وقد قرب ظهور أكثر علامات وأشراط الساعة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير منها في القرآن مثل قول الله تعالى: رسم> وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ قرآن> رسم> ؛ أي متى وقع القول عليهم وقرب وقت ذلك أخرج الله لهم دابة من الأرض. فخروج الدابة من الآيات التي ينتظرها الناس. وكذلك خروج الدخان المذكور في قول الله تعالى: رسم> فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ قرآن> رسم> ورد أن هذا الدخان يأتي قبل قيام الساعة؛ بحيث إنه يأخذ الناس من أنوفهم، وأنه يطول أو تطول مدته، ويغشى كثيرا من الناس.
وكذلك خروج يأجوج ومأجوج ذكر في القرآن في قوله تعالى: رسم> حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قرآن> رسم> ؛ أي يخرجون. قالت طائفة من الناس: الله أعلم بمكانهم وبهيئتهم، يخرجون في آخر الدنيا، ثم إذا خرجوا مشوا في الأرض كما في هذه الآية رسم> وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قرآن> رسم> قال بعد ذلك: رسم> وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ قرآن> رسم> ؛ أي قرب وعد الله تعالى بقيام الساعة رسم> الْوَعْدُ الْحَقُّ قرآن> رسم> الوعد الصحيح. رسم> وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ قرآن> رسم> .
فنعرف بذلك أن هناك أمارات للساعة قد ورد ذكرها صريحا في القرآن. وكذلك أيضا ورد ذكر بعضها بالإشارة مثل قول الله تعالى: رسم> يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قرآن> رسم> وهذه الآية التي ذكرت فسرت بأنها طلوع الشمس من مغربها، وأن الناس إذا رأوها آمنوا كلهم؛ وحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها، بل قد ختم على الأعمال، فلا أحد يقدر على التوبة ولا على الزيادة في الأعمال، ويكون ذلك علامة على قرب قيام الساعة.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكون قرب قيام الساعة رسم> ريح طيبة تقبض أرواح كل مؤمن-تقبض أرواح المؤمنين- ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع يتهارجون كما تتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة متن_ح> رسم> وأخبر أيضا صلى الله عليه وسلم بأن قرب قيام الساعة لا يبقى أحد على الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: رسم> لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله متن_ح> رسم> ؛ أي ينقرض من يعرف الله، ولا يبقى إلا من لا خير فيهم.وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: رسم> إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد متن_ح> رسم> ؛ أي أنهم من شرار الناس. الذين تدركهم الساعة أحياء هم شرار الناس، أو لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس.
فإذا كثر الشر فإن ذلك من أمارات قرب الساعة، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دخل مرة على إحدى زوجاته وهو يقول: رسم> ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه؛ أي: السبابة والإبهام فقالت: زينب اسم> يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث متن_ح> رسم> ؛ أي إذا كثر الكفر وكثر الفسوق أذن الله تعالى بهلاك من على وجه الأرض والقضاء على هذه الدنيا وعلى أهلها؛ فيكون ذلك علامة على قرب قيام الساعة؛ إذا كثر الخبث وكثر الشر.
ولا شك أن الفتن التي يفتتن الناس بها في دينهم عامة لفتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن الابتلاء والامتحان. ففتن الشبهات ما يروجها أعداء الله تعالى من اليهود والنصارى والشيوعيين والبوذيين والوثنيين والقبوريين والمنافقين والملحدين ونحوهم مما يشككون به في دين الله؛ بحيث إنهم يمدحون أديانهم الباطلة، ويذكرون أسبابا تبرر بقاءهم على هذه الأديان الباطلة، ويمدحون ما هم عليه، ويوردون ما يشككون به المسلمين في عقيدتهم وفي أديانهم وفي عباداتهم، وما يقدحون به في دين الإسلام.
فالذي يكون غِرا جاهلا ينخدع بشبهاتهم، ويفتتن بترهاتهم، ويخيل إليه أنهم صادقون، ويعتقد اعتقادا خاطئا أن دين الإسلام دين متهافت، وأن أديانهم أديان صحيحة، ولا يكون معه من الإيمان ولا من العلم الصحيح ما يرد به على أولئك المشبهين، على أولئك المموهين الذين يظهرون الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق. فنقول: على المؤمن أن يتعلم أمور دينه، وأن يتعلم الأمارات والعلامات التي تثبت الإيمان في قلبه، وترسخ العقيدة الصافية الصحيحة التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عليها، وقال: رسم> تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها متن_ح> رسم> فذلك بلا شك مما يجب على المسلم؛ حتى لا يفتتن بهذه الشبهات.
كذلك أيضا فتنة الشهوات وما أكثرها التي افتتن بها كثير؛ حيث انخدعوا وساروا وراء تلك الشهوات وتلك الملذات، وقدموا ملذاتهم على طاعة ربهم وعلى عبادته؛ فأصبحوا بذلك منحرفين، مقدمين لسخط الله تعالى على رضاه. لا شك أن هذه أيضا من الفتن التي يسلطها الله على من يشاء، ولا يسلم منها إلا من سلم الله، قال الله تعالى: رسم> إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ قرآن> رسم> فجعل هذه من الفتن، وأخبر بأن الدنيا وما عليها من الفتن.
وكذلك الكفر والشرك من الفتن في قوله: رسم> ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا قرآن> رسم> وفي قوله تعالى: رسم> وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قرآن> رسم> فالفتنة تفسر بأنها الشرك في قول الله تعالى: رسم> أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قرآن> رسم> هذه الفتن فتن الشهوات هي المتمكنة الآن، فمنها زينة الدنيا وزخرفها، فما أعظمها من فتنة. الكثير من الناس انخدعوا بأهل الدنيا وبما هم عليه، فإذا رأوا من بسطت عليه الدنيا، ومتع بشهواتها وزينتها، ومن متع بزخرفها -انخدعوا بذلك، واعتقدوا أن هذا دليل على شرفه؛ ففضلوا ما كان عليه على حالة أولياء الله وأتقيائه، وهذا من الفتن فتنة الدنيا وزينتها.
نقول: عليك ألا تنظر إليهم نظر إعجاب، اقرأ قول الله تعالى: رسم> وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قرآن> رسم> ؛ أي لا تنظر إليهم نظر إعجاب ولا نظر إكبار، ولا تنظر إليهم تغبطهم بما هم فيه من زهرة الدنيا وزينتها فإنه:
متاع غـرور لا يـدوم سـرورها | وأضغـاث حلم خـادع بهـدائـه |
إيــاك والدنـيا الدنــية إنهـا | شـرك الـردى وجلائـل الأخطار |
دار متى مـا أضحكـت في يومها | أبكـت غـدا بعدا لهـا مـن دار |
آفاتهـا لا تنقضــي وأسيرهـا | لا يفتــدي بجـلائـل الأخـطار |
قلبت لـه ظهـر المجن وأولغـت | فيـه المـدى ونزت لأخـذ الثـار |
كذلك أيضا فتنة الدعاة إلى هذه الشهوات والمحرمات ونحوها. لا شك أن هناك دعايات إلى هذه الشهوات، وهناك دعايات إلى اختلاط النساء بالرجال، وهناك دعاية للنساء إلى أن يخرجن متبرجات ومتكشفات، وأن يخلعن جلباب الحياء؛ حتى يتمكن أهل الأهواء المغرضة من نيل شهواتهم، ومن نيل ما تتمناه نفوسهم من غير نظر لعواقب الأمور. وهناك دعاة إلى إباحة المحرمات؛ إباحة الخمور والمسكرات التي يدعون أنها من الملذات وما عرفوا عاقبتها. وكذلك أيضا دعايات كثيرة إلى إباحة المهرجانات المختلطة والأغاني الفاتنة والصور الخليعة والأفلام الهابطة، وما أشبه ذلك.
هذه كلها من الفتن التي تمكنت في هذه الأزمنة، وقضت على كثير من أهل العقائد السليمة، وركن إليها كثير فتركوا العبادات، واتبعوا ما تهواه أنفسهم، وصدق عليهم قول الله تعالى: رسم> فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا قرآن> رسم> ؛ فالشهوات التي اتبعوها شهوات بطونهم وشهوات فروجهم، وشهوات أسماعهم، وشهوات أبصارهم. ما تهواه نفسه يميل إليه، يحب أن يسرح بصره ونظره في تلك الصور الخليعة، يحب أن ينعم أذنه في سماع تلك الأغاني الماجنة التي توقعه في الشرور وتدفعه إليها. فهذه كلها من الفتن التي تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> وفتنة المحيا والممات متن_ح> رسم> .
وكذلك أيضا من فتنة المحيا والممات، فتنة المحيا أيضا العقوبات التي يعاقب الله بها بعض عباده، ويسلط عليهم أنواعا من البلاء؛ فإنها من الفتن، إما من الله مباشرة، وإما بواسطة بعض الأذى من الناس. فما يحصل للإنسان من الأمراض فتنة؛ ليظهر هل يصبر أم يجزع؟ وما يحصل على الإنسان من المصائب من فقد مال أو فقد ولد أو موت قريب أو نحو ذلك -هو أيضا من الافتتان، يفتتن الله تعالى ويمتحن بعض عباده بمرض، هل يصبر أم لا يصبر؟ وهو معنى قوله في هذا الحديث: رسم> أو مرضا مفسدا متن_ح> رسم> ؛ يعني مفسدا عليه مزاجه، ومفسدا عليه لذته؛ فإنه إذا أصيب بهذه الأمراض المتواصلة قد يفتتن، ويظن أن هذا من سوء حظه وسوء عاقبته، ويظن أن الله تعالى خصه بهذا؛ لأنه شقي؛ فيتمادى في شقائه، أو يترك الخير ويفعل الشر.
في ظنه أن الخير وأن العبادات وأن الطاعات سبب لهذا الابتلاء، وما علموا الذين يبتلون بهذه المصائب وهذه الأمور أنها اختبار من الله تعالى لهم؛ هل يصبرون على هذه البلوى أم لا يصبرون؟ ولقد أخبرنا الله تعالى بما حصل على الأنبياء من قبلنا قي قوله تعالى: رسم> أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ قرآن> رسم> ؛ أي يختبرهم بهذا الابتلاء الذي هو تسليط الأعداء عليهم؛ فإذا كان إيمانهم صادقا لم يزدهم هذا الابتلاء إلا تمسكا بدينهم وتصلبا عليه.
كذلك قال الله تعالى: رسم> أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ قرآن> رسم> ؛ أي هل تحسبون أنكم تتركون على حالة الرخاء، لا بد أن الله تعالى يبتليكم؛ حتى يظهر من يكون صابرا ومن يكون جازعا. وكذلك قال تعالى: رسم> أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ قرآن> رسم> فأخبر بأن الذين قبلنا رسم> مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا قرآن> رسم> وأوذوا وأخرجوا من ديارهم، وقتل أبناؤهم وهم ينظرون، وعذبوا.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء مما أصابهم من جنس هذا العذاب، في بعض الأحاديث أن الصحابة قالوا: رسم> يا رسول الله، ألا تدعوا الله لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ ألا ترى ما نحن فيه؟! فقال: قد كان من كان قبلكم يوضع المنشار على رأسه حتى يقطع نصفين وما .. متن_ح> رسم> ؛ يعني أن من كان قبلكم قد أوذوا. فالصحابة رضي الله عنهم فتنوا بمثل هذه الفتن الداخلة في قوله: رسم> وفتنة المحيا الممات متن_ح> رسم> فتنوا وأوذوا وعذبوا، فكان بعضهم يلقى في الشمس، ويوضع على صدره الصخور الثقيلة من الحجارة، ويقال: لا نتركها أو لا نطلقك حتى تكفر بمحمد اسم> ؛ ولكن لما كان الإيمان راسخا في قلوبهم متمكنا، لم يردهم ذلك عن دينهم.
وقد أخبر الله تعالى بالحكمة في ذلك في قوله تعالى: رسم> وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ قرآن> رسم> ؛ فهذه أيضا من فتن الحياة الدنيا. من فتن الدنيا أنه إذا دخل الإسلام فأصابه خير اطمأن به؛ إذا أصاب صحة ومالا وكثر أولاده وكثر ماله، ورزق صحة ونعمة وأمنا وطمأنينة -مدح الإسلام واطمأن إليه وثبت عليه. أما إذا أصابته فتنة؛ فإنه يرجع ينقلب على عقبيه. إذا أصيب بفتنة؛ يعني بأمراض مثلا، أو بموت قريب، أو بخسران في تجارة، أو بخسران في مال، أو ما أشبه ذلك؛ رسم> انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ قرآن> رسم> وأخذ يسب الدين، ويسب المتدينين، ويدعي أنه ما جاء بخير، ويقول: منذ أن التزمت ومنذ أن تدينت وأنا في ضرر، وأنا في مرض، وأنا في خسران مبين.
فكل ذلك من الفتن، الإنسان يسأل ربه السلامة من فتنة المحيا والممات. وكذلك إذا أصيب بهذه المصائب ونحوها؛ علم أنها من الله تعالى يختبر ثباته على دينه؛ فإذا ثبت فإنه دليل على تمسكه واعتقاده، وإذا رجع وانقلب على عقبيه؛ كان ذلك دليلا على ضعف يقينه وضعف إيمانه؛ كما قال تعالى: رسم> وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ قرآن> رسم> إذا أصيب بأذى في ذات الله تعالى سوَّى عذاب الناس بعذاب الله، خاف من الناس كما يخاف من الله، وترك ما يأمرونه به، وفعل ما ينهون عنه من العبادات وما أشبهها. قدم طاعة الناس على طاعة الله، قدم خوف الناس على خوف الله، فهذا معنى قوله: رسم> جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ قرآن> رسم> .
فكل هذا داخل في فتنة المحيا والممات التي أنت تستعيذ بالله في آخر صلاتك تقول: رسم> أعوذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال متن_ح> رسم> .
مسألة>