من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
خطبة الجمعة مع الإجابة على الأسئلة
4798 مشاهدة
إمهال الله تعالى للظالمين

هكذا أخبر بأنه لو يعاملهم بحسب سيئاتهم وبحسب خطاياهم لأهلكهم وعذبهم وقضى عليهم، ولكنه سبحانه يمهل ولا يهمل. أيحسب الظالم في ظلمه أهمله الغافر أم أمهله ؟! ما أهملوه بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ؛ الله تعالى يمهل ولا يهمل، يمهل العاصي ويؤخره إلى أن يأخذه على حين غرة وغفلة، كما ورد في بعض الآثار: ما أخذ الله قوما إلا عند غرتهم وغفلتهم وسلوتهم، هكذا ورد بالأثر.
دليل ذلك قول الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ هكذا أخبر لما أنهم نسوا المواعظ ونسوا التذكير ونسوا الخير ونسوا الآخرة أو تناسوها، وعملوا للدنيا وتنافسوا فيها -فتح الله عليهم أبواب الدنيا ابتلاء وامتحانا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ هكذا أخبر وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ .
لما جاءهم أمر الله لما جاءتهم الدنيا ولما فتحت عليهم قست قلوبهم، واطمأنوا إليها وركنوا إليها، ونسوا الدار الآخرة وتناسوا أمر الميعاد، فعند ذلك أخذهم الله تعالى فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ .
هذه سنة الله تعالى فيمن عصاه واتبع ما أسخطه وترك طاعته، أنه يفتح عليهم أبواب الدنيا ابتلاء وامتحانا، ويفتح عليهم الشهوات، ويعطيهم من زينة الدنيا ومن لذتها حتى يتمادوا ويظنوا أن هذا كرامة، يظنوا أن ما هم فيه فإنه كرامة لهم، وإنه دليل على أنهم من أهل الطاعة وأن الله قد رضي عنهم، ولكن لا يعتبرون ولا يخشون ولا يخافون أن هذا استدراج من الله تعالى.
ورد في الحديث إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيم على معاصيه فاعلم أنه استدراج ؛ يعني قول الله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ يملي لهم أي يمهلهم ويؤخرهم إلى أن يحين الوقت الذي يأخذهم فيه ويعاقبهم، ولكنه سبحانه يعفو ويصفح، يعفو عن كثير ويعلم عباده بالضر وبالخير رجاء أن يتوبوا إليه، ورجاء أن يعرفوه وأن يعرفوا حاجتهم إليه، فإذا عرفوا الله سبحانه وتابوا إليه فرحمته تغلب غضبه، ولكنه يمهل لبعض العصاة ويؤخرهم إلى أن يأخذهم وهم غافلون.
ورد في الحديث: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. وقرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ يملي له يعني على ظلمه ويعطيه صحة وقوة، ويعطيه أموالا وأولادا، ويعطيه نعمة ورفاهية ورخاء، وهو مع ذلك مقيم على معاصيه، مقيم على كفره وفجوره، مقيم على ذنوبه وخطاياه إلى أن يأخذه الله أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ فينتقم منه، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ .
كما أخبر تعالى بأنه يأخذ الظالمين أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ولكن ينخدع كثير منهم بإمهال الله تعالى وبما أعطاهم وبما أسداهم وفضلهم ووسع عليهم ورفع لهم من مكانة الدنيا. فليتق الله كل عبد ولا يعصي، وليعلم بأنه في قبضة الله تعالى، وأنه تحت سطوته وسيطرته، وأنه ليس له خروج عن تصرف ما أمر به سبحانه وتعالى.