إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
خطبة الجمعة مع الإجابة على الأسئلة
4719 مشاهدة
افتقار المخلوق للخالق سبحانه وتعالى واستغناء الخالق عن المخلوق

فربنا سبحانه يمهل ولا يهمل، فربنا سبحانه هو الغني عن عباده، وعباده هم الفقراء إليه، ولكن يظنون أنهم بحولهم وبفضلهم وبقوتهم وبسيطرتهم أن لهم القدرة على أن يفعلوا ما يريدون، وأن لهم التمكن على أن يصلوا إلى ما يصلون إليه، ولكن ينسون قدرة الله الذي هو على كل شيء قدير، وينسون فضله، وينسون فقرهم إليه. فإن العباد بطبعهم فقراء إلى ربهم سبحانه وتعالى؛ فهو الذي خلقهم وبدأ خلقهم من طين، ثم جعل نسلهم من سلالة من ماء مهين، وهو الذي يرزقهم وييسر لهم الرزق.
لو حبس عنهم فضله لهلكوا ولانقطعوا من هذه الحياة الدنيا، فلو حبس عنهم الماء ... ولو حبس عنهم ... النجاة لماتوا جوعا وجهدا، ولو حبس عنهم الريح لأنتن كل ما على وجه الأرض. وكذلك أيضا هو الذي يرسل الرياح وهو الذي ينشئ السحب، وهو الذي ينزل الماء من السماء وهو الذي ينبت النبات وينزل البركات، وهو الذي يسأل وهو الذي ينعم عليهم ويعطيهم ويخولهم وييسر لهم كل عسير، ويعطيهم من كل ما سألوه.
كما أخبر بذلك في قوله: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً هكذا أخبر بأنه أسبغ عليهم، وأنه سخر لهم كل شيء. ومن اعتبر بأمر ربه ومن اعتبر بحاجته إلى الله تعالى -رفع إليه أكف الطاعة، وتاب إليه وأناب، واستغفره مما صدر منه، وعلم أنه سبحانه هو المرجع إليه وإليه المآب، وعلم أنه لا غنى به عن ربه طرفة عين.
كما أخبر بذلك في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ؛ فالعباد فقراء إلى الله تعالى بالذات، فقراء بالذات لا غنى بهم عن ربهم في لحظة من اللحظات، وربهم سبحانه غني عنهم، لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصين.
كما ورد في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ؛ فهو سبحانه لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين، ولكنه ابتلاهم حيث خلقهم لعبادته، وأنعم عليهم.
وأمرهم بأن يكونوا عبيدا له، وأن يظهروا له الافتقار إليه، وأن يرفعوا إليه أكف الضراعة، وأن يعترفوا بأنه سبحانه هو ربهم وخالقهم ورازقهم، وأنه لا غنى بهم عن الله تعالى، فيدعوه وهم موقنون بالإجابة، ويسألوه أن ينعم عليهم وأن يسبغ عليهم فضله، وهو سبحانه قريب مجيب. قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .