كلمة الهيئة
تحديد مفهوم المعروف والمنكر
نقول: كلكم تعرفون ما هو المعروف, وما هو المنكر؛ وذلك لأن المعروف سمي بذلك لأن النفوس المؤمنة تعرفه، وتشهد به، وتطمئن إلى سلامته وإلى صحته وإلى أنه يحبه الله. وحتى العصاة ونحوهم يشهدون ويعرفون المعروف، ويعرفون المنكر.
المنكر سمي بذلك؛ لأن النفوس المؤمنة تنكره وتستبشعه، وتشهد بقبحه وتنفر منه, فإذا قيل: إن هناك من يستحسن المنكر، ويستقبح المعروف؛ فإن هؤلاء ليسوا عبرة, ولو ادعوا أنهم على حق وعلى صواب؛ فإن هذا غير صحيح, بل هم يعترفون بأن ما يفعلونه من السيئات محرم ومنكر، ولكن يزين لهم الشيطان الإقامة على المنكرات واستحسانها حتى كأنها تصير معروفا؛ وذلك من غربة الزمان.
من غربة الزمان ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه أخبر بأنه يأتي فتنة تعم الكثير من الناس؛ حتى يربو عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير، وتتخذ سنة.
إذا غيرت؛ قيل: غيرت السنة، تعتبر كأنها من الشرع ومن السنة, وإذا كان كذلك فإننا نرجع إلى الأدلة الشرعية لنعرف بها ما هو من المعروف، وما هو من المنكر؛ زيادة إلى ما تطمئن إليه النفوس.
إذا عرفنا ذلك فالأدلة واضحة ومقنعة, وللمسلم أن يقطع حجة الخصم والمنازع والمعاند بالأدلة الشرعية، إذا كان يعترف بها, وإذا كان له شبهات؛ فإن في إمكانك أن تبطل شبهاته.
فإذا رأيته مثلا يفتح على الأغاني، وقال: ليست حرام، فيها ترفيه وفيها تسلية، وفيها تنشيط للنفس، ونحو ذلك؛ فإنك تحتج عليه بأنها منكر، والدليل أنها من لهو الحديث الذي ذمه الله، وأنها مما يسبب الفتنة، مما يسبب الوقوع في الفتن والمعاصي والشهوات المحرمة؛ فتدعو إلى المنكرات، وإلى المسكرات، وإلى الفواحش. يعرف ذلك كل عاقل، ولو استحسنها هؤلاء الذين يستحسنون المنكرات وما أشبهها.
وإذا أنكرت مثلا شرب الخمر، أو شرب الدخان؛ فقال الذي يفعل ذلك: إن هذا شراب طيب، وإنه لذيذ حالٍ منعش، وأنه ليس فيه محذور، وأنه وأنه؛ فتخبره بآفاته وبالشرور التي تترتب عليه من زوال العقل، ومن إتلاف النفس، ومن التعرض لإتلاف الأموال والحوادث وما أشبهها, وكذلك إضاعة للمال وأضرار في البدن؛ زيادة على ذكرك الأدلة التي في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك إذا دعوته إلى الصلاة مع الجماعة وأنكر وجوبها؛ فقال: إن القصد أداء هذه العبادة، وأنا أؤديها في بيتي, أو أؤديها متى تفرغت، وتشتمل على المطلوب من القراءة ومن الذكر ومن الدعاء ومن الركوع والسجود؛ فأنا أقوم بها, فلا حاجة إلى أن أذهب إلى المسجد، ولا أن أصليها في الجماعة وفي الأوقات. يحتج بهذا كثير؛ ففي هذه الحال عليك أن تقنعه بفضلها، وكذلك بفوائدها، وكذلك بالأدلة على شرعيتها وعلى وجوبها. وهكذا بقية الواجبات وبقية المنكرات, كلها والحمد لله واضحة الحِكم واضحة الأدلة.
مسألة>