إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
كلمة في اللواء الرابع عشر
2090 مشاهدة
الحث على تعلم العلم النافع

.. ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
اللهم لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكُلُّنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الْجَدِّ منك الجد.
أيها الإخوة الكرام! يسر قسم الشئون الدينية في مجموعة اللواء الرابع عشر وقيادته أن يستضيفوا فضيلة الشيخ الوالد عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين في لقاء مفتوح مع فضيلته للاستفسارات، والإجابة على أسئلة الحضور.
وقبل أن نستهل هذا اللقاء مع فضيلته نود من فضيلته أن يُوَجِّهَ كلمةً موجزةً لأبنائه في هذا اللواء، فليتفضل مشكورا. وصَلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإنني مسرور كثيرا بما رأيتُ من هذا الاجتماع للاستفادة، وما سمعت من التأثر، وما سمعتُ من التقبل، وما سمعت وما نسمع من التلقي للعلوم للاستفادة، وإنها لبشرى خير تدل على أن المسلمين -والحمد لله- لا يزالون يحبون الله، ويحبون أحباب الله، ويحبون عبادة الله –تعالى- وطاعته، وإن ذلك لمن أسباب سعادتهم، ومن أسباب نصرهم وتمكينهم وإظهارهم، وبعد: فإني أيها الإخوة أوصيكم، أوصيكم بوصايا:
أوصيكم بالتعلم والتفقه في الدين؛ وذلك لأن الإنسان وُلِدَ جاهلا، وجعل الله له الأسباب التي يتعلم بها، ويزيل ذلك الجهل، قال الله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أخرجنا الله من بطون أمهاتنا جهلة لا نعرف شيئا، ثم إِنَّا أُمرنا بأن نتعلم.
فالسمع وسيلةٌ من أسباب التعلم، حيث يسمع العلوم النافعة، والفوائد المتعددة، والبصر وسيلة من أسباب التعلم، حيث يقرأ في الكتب، ويقرأ القرآن، ويقرأ ويكتب ويستفيد.
والقلب هو ميزة الإنسان، حيث يَعْقِلُ ما أُمر به؛ ليكون هذا العقل دليلا له على أنه مخلوق، وعلى أنه مربوب، دليل له على أنه مأمور بالتعلم فيتعلم، يسمع العلوم ويعرضها على قلبه ويفقهها.
والحمد لله أن دولتنا دولة العلم، ودولة العلماء، وأنهم- أثابهم الله- مكنوا وسائل التعلم المتعددة.
فإن من وسائل التعلم فتح المدارس الكثيرة للبنين والبنات من زمن الصِّغَر.
ومن وسائل التعلم: طبع الكتب ونشرها.
ومن وسائل التعلم: طبع القرآن، وإكثار نسخه بعد وجود هذا المجمع الذي قام بتأسيسه خادم الحرمين- وفقه الله-.
ومن وسائل التعلم: الإذاعات الإسلامية.
ومن وسائل التعلم: الحلقات العلمية.
فنوصيكم بأن تتفقهوا مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرا يُفَقِّهْهُ في الدين .
ونوصيكم -أيضا- بأن تحفظوا أسماعكم وأبصاركم عن العلوم المضللة، والمقالات السيئة، فإنها كثيرة، وإنها تزيغ القلوب، وتفتن مَنْ ركن إليها؛ وذلك لأن هناك من يسعى كثيرا، يسعى كثيرا في أسباب الفساد، وأسباب الضلال، إما بالإذاعات، وإما بالصحف والمجلات والنشرات، وإما بالكتب، وإما بالرُّسُل، وكلها تتساعد على نشر الباطل.
فالذي -مثلا- ينشغل بالإذاعات الخارجية لا بد أن يسمع المقالات السيئة التي تزيغ القلوب، والتي تدعو إلى الفتن، وغالبا أنه ينظر إلى الصور الفاتنة، والصور العارية، التي تبعث النفوس إلى اقتراف المحرمات وما أشبهها، وأقل شيء أنه يفوته الاستماع الذي ينفعه، وينشغل بالاستماع الذي لا ينفعه، بل يُضِلُّهُ ويصرفه، ويضيع عليه وقته، وهذا من الفتن التي ابْتُلِينا بها في هذه الأزمنة.
ثانيا: الصحف والمجلات التي غزت بلادنا من كل حَدْب وصَوْب، والتي كثر تداولها، وكثر التعامل بها، والإكباب عليها، ومع الأسف أن الدعاة لها كثير، وأن هناك مَنْ يُحَبِّبُ اقتناءها، ويعيب مَنْ لا يقتنيها.
هذه الصحف وهذه المجلات غالبا أنها تأتي من بلاد غير إسلامية، أو مسلمة بالاسم، وفيها الشرور، وفيها المنكرات، وفيها الضرر على الدين، وعلى العقل، فتنشر صورًا لنساء عارية مثلا، وتنشر مقالات لكثير من دعاة الضلال، فالذين يُكِبُّون على قراءتها غالبا أنها تتغير عقائدهم، فيجدون مَنْ يُشَكِّكُ في صلاحية الدين، ومَنْ يدعو إلى الإباحية، ومَنْ يمدح البلاد الخارجية التي فيها الكثير من الانحلال ومن التفسخ، ويدعون إلى التجول في تلك البلاد باسم النزهة، أو باسم الفرجة والرفاهية والثقافة وما أشبه ذلك.
وماذا ينتج عن هذا من الشرور والمفاسد؟
فنقول: عليك أن تصون نفسك عن قراءة تلك الصحف المستوردة؛ حماية لعقيدتك، وحماية لفطرتك ودينك، وتحفُّظًا على سلامة عقلك عن الانحراف وعن الفساد، وسوف تجد ما تشغل به وقتك.
كذلك -أيضا- ابتلينا بكثير من الكتب التي تنشرها المطابع الداخلية والخارجية، والتي لا فائدة فيها، أو فيها مضرة، كتب إلحاد وزندقة، وكتب اعتزال وتعطيل، وكتب تحريف وتأويل، وكتب كفر وضلال، كتب تدعو إلى تقارب الأديان مثلا، كتب تمدح أفكار الكفار والنصارى، وترفع مِنْ شأنهم، وترفعهم في مقامٍ يحسبه الجاهل حقا وهو باطل، لا شك أن تلك الكتب امتلأت بها المكتبات، وأصدرتها كثير من المطابع، وأكبَّ عليها خلق كثير، وانشغلوا بها، انشغلوا بها عن الخير، ولا شك أن هذه –أيضا- من المصائب.
كذلك -أيضا- نُحَذِّرُ عن مجالس اللهو، ومجالس الباطل، التي انشغل بها كثير، وأضاعوا أوقاتهم في قيل وقال، وفي لهو وسهو، وفي غفلة، وفي غِيبة ونميمة، وفي كلام سيئ ليس فيه ذِكْرُ الله، وليس فيه دعاؤه، وليس فيه طاعة له، ولا شك أن هذا أيضا انشغل به كثير، وأضاعوا أوقاتهم.
وكذلك –أيضا- قد ينشغلون باللَّعِب، باللعب بالقمار، أو بآلات الملاهي أو ما أشبهها، وكل ذلك من أسباب إضاعة الوقت، ومن أسباب الخسران.. خسران مبين في حياة المسلم.
وكذلك –أيضا- نحذر عن كل شيء يصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن العلم النافع، وعن العبادة المأمور بها.
وإذا عرفتَ أسباب الفساد وأسباب الانحراف فإن لك مندوحةً، ولك ما يقوم مقام هذه الأخطار وهذه الشرور.
فأولا: نوصيكم بتعلم العلوم النافعة: علم العقيدة، وعلم الأدب الديني، وعلم الإسلام، علم العبادات، وعلم المعاملات، وعلم المعاقدات، وما أشبهها فإنها من واجبات الدين.
ثانيا: نوصيكم بقراءة القرآن، وتَدَبُّرِهِ، وتعلم معانيه من كتب التفسير، ومن كتب المعاني؛ فإنه من أهم الواجبات.
وثالثا: نوصيكم بالاقتصار على ما يفيدكم، فعندكم الإذاعة الإسلامية إذاعة القرآن الكريم، ونحوها من الإذاعات الدينية، تنشغلون بها، وتجدون فيها ما يفيد، وتشغلكم عن غيرها.
وكذلك –أيضا- هناك الصحف الإسلامية، والمجلات الدينية التي تشتمل على الخير، وتسلم من الشر، وتقوم بدل تلك المجلات الشركية الكفرية الخلاعية.
وثالثا: الكتب متوفرة والحمد لله كتب العقيدة من كتب السلف الصالح -رحمهم الله- حيث اهتموا بأمر العقيدة.
للإمام أحمد بن حنبل ولابنه عبد الله ولتلميذه الْخَلَّال ولتلميذه –أيضا- الْبَرْبَهَاري كتب في السنة فيها خير، وفيها ترسيخ للعقيدة.
وكذلك كتب للعلماء الناصحين من المتقدمين والمتأخرين تجدون فيها ما يرسخ العقيدة، وتجدون فيها –أيضا- ما يُبَيِّنُ الأحكام، وما يُبَيِّنُ الواجبات الدينية، وما يُبَيِّنُ الحلال والحرام، وتجدون فيها التحذير من المحرمات، التحذير من البدع، والتحذير من الشِّرْكِيات، والتحذير من المعاصي صغيرها وكبيرها.