الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
كلمة في رئاسة الأمر بالمعروف
4159 مشاهدة
نماذج لعقوبات الله تعالى على المخالفين أمره

وعقوبات الله تعالى منوعة منها: عقوبة قسوة القلوب؛ فإن المعاصي تقسي القلوب وتصدها عن الخير، ومن العقوبات أيضا عقوبة مؤالفة المعاصي واستحسانها وكأنها طاعات، وهذا أيضا من انتكاس المعرفة، إذا انتكست معرفة المرء فأصبح يستحسن المعاصي وكأنها طاعات وعبادات؛ كان ذلك من أسباب الانتكاس، ومن أسباب الضلال والعياذ بالله.
وأما العقوبات الحسية فمنها: نزع البركات، الطاعات سبب لكثرة الخيرات وإنزال البركات، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فبركات السماء والأرض ليس لها نهاية، ومعنى ذلك أنهم لما لم يفعلوا نزعت عنهم البركات من السماء والأرض.
ومن آثار ذلك رد الأدعية؛ يعني كون الإنسان يدعو الله تعالى وهو مقيم على المعصية أو مقر لها؛ فإن ذلك يكون سببا في رد أدعيتهم، وعدم إجابتهم إذا دعوه.
وكذلك أيضا العقوبات الحسية قال الله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ومكر الله هو: إظهاره لهم أنه يعطيهم ويمنحهم، وإنما ذلك من باب الاستدراج.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيم على معاصيه فاعلم أنه استدراج يعني قول الله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ الإملاء: التأخير، وكذلك ورد أيضا في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ( يملي له ) يعني: يؤخره وهو مع ذلك مقيم على معاصيه، ولكن إذا حان الأجل انتقم الله منهم، والله عزيز ذو انتقام.
فنتواصى أيها الإخوة بأن نكون باذلين لما نستطيعه من الأمر والنهي؛ حتى يعيننا الله تعالى، وحتى يفتح علينا وينصرنا، فقد وعدنا بذلك بقوله: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وأخبر بأن هذه العمل يعتبر جهادا في سبيل الله؛ قتال الكفار فرع عن الأمر والنهي؛ لأنهم لما كانوا منكرين للتوحيد وجاحدين له، ومقرين للشرك وللكفر، كان المسلمون يؤمرون بدعوتهم قبل قتالهم، والدعوة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فإذا امتنعوا قاتلوهم؛ إذا لم يقبلوا الفعل فعل الأمر والنهي أذن لهم في قتالهم، ولهم على ذلك أجر؛ إن قتلوا فهم شهداء، وإن انتصروا فهم سعداء.
فكذلك الآمرون والناهون يعتبرون أيضا مجاهدين؛ لأنهم يبذلون ما يستطيعونه من الجهد، ويخشون أن يعاقبهم الله تعالى كما عاقب من قبلهم، كما ورد في الحديث المشهور قال صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم ووانسوهم وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله بقلوب بعضهم على بعض، ولعنهم عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ .
حدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وكان متكئا على جنبه أو على ظهره، فاستوى جالسا لأهمية الأمر، ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم أو السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.
معنى ذلك أن الذين لا يأمرون ولا ينهون وهم قادرون، يخاف عليهم أن ينزل بهم من اللعن ما نزل ببني إسرائيل، ولا شك أن هذا ليس ببعيد، فالرب سبحانه وتعالى يغضب إذا عصي، ويغضب أيضا إذا أقرت المعاصي مع القدرة على إنكارها؛ فيعاقب الجميع.
كذلك أيضا شؤم المعصية يتعدى فاعلها إلى غيره في دنياه وفي أخراه، ذكر الإمام أحمد في رسالته في الصلاة: أن الرجل يتعلق بجاره يوم القيامة فيقول: يا رب هذا خانني. فيقول: والله ما خنته في أهل ولا مال. فيقول: صدق يا رب؛ ولكنه رآني على منكر فلم ينهني عنه يعني: رآني لا أصلي؛ علم ذلك فلم ينهني، أو رآني على منكر من المنكرات وعلم ذلك كالمسكرات والأغاني والزنا والتبرج وما أشبه ذلك، ولم ينكر علي؛ فيتعلق به حتى يخاف أن يشاركه في ذنبه.
فتغيير المنكرات في هذه الأزمنة صَعُبَ بسبب التساهل، وبسبب كثرة المعاصي، وكثرة العصاة، ولكن على المحتسب أن يبذل ما يستطيعه من التغيير بقدر الطاقة، لعل الله تعالى أن يعذره، وإذا لم يكن عنده قدرة في بعض الأحيان فإنه يأتي بمن معه، يأتي برئيس أو بعضو آخر وزميل أو بأحد المواطنين إلى أن يزيلوا هذا المنكر، وكذلك أيضا في الإمكان أن يرفع الأمر إلى ولاة الأمور الذين عندهم القدرة والصلاحية في إزالة مثل هذه المنكرات، فهكذا يجب أن...
أسئـلة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ... أيها الأخوة الأحباب: نشكر لفضيلة الوالد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين على كريم الزيارة التي خص بها ... كما نشكره حفظه الله .. هذه التوجيهات والإرشادات نسأل الله جل وعلا أن ينفعنا بها ... جزيل الأجر والثواب.
ونستأذن فضيلة والدنا على أن نطرح عليه بعض الأسئلة ونرجو أن يتكرم بالإجابة عليها:
س: سائل يقول: نسمع من بعض.. من الناس: ..أن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ... في إزالة المنكر الموجود فهل من كلمة -حفظكم الله- توجهون بها الآباء وأئمة المساجد.. ومن بيده الاستطاعة... في القيام بهذا الواجب شكر الله لكم؟
صحيح أن أعضاء الهيئة قد لا يكفون؛ لقلتهم واتساع البلد، وكذلك أيضا كثرة المنكرات وفشوها في الأماكن المتباعدة؛ فلذلك يكون جميع الأمة عليهم الواجب بقدر استطاعتهم لعموم الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فالوالدان يعلمون أولادهم، ويغيرون عليهم ما وقعوا فيه.
وكذلك كل من تولى على أمر؛ يعني مثلا: الرؤساء إذا كان تحت رئاستهم من يفعل شيئا من المنكر فإن من الواجب على الرئيس أن يقيم الأمر والنهي، وأن يؤكد على من تحت ولايته؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته .
وكذلك رئيس شركة أو رئيس مؤسسة تحت يده عمالة مسلمون؛ عليه أن يقيم عليهم أمر الله، وأن يلزمهم بشرعه، فيؤكد عليهم أداء الصلوات، وينهاهم عن المحرمات ولو كانت من الصغائر إذا حصل عليها الإصرار، كشرب الدخان وحلق اللحى وما أشبه ذلك؛ حتى لا يكون بذلك مقرا لهذه المنكرات.
كذلك بقية أفراد الأمة لعموم: من رأى منكم منكرا فليغيره فإن الأفراد عليهم واجب أن يغيروا بقدر استطاعتهم.
فمن قدر منهم على الإقناع وجب عليه أن يأتي إلى صاحب المنكر فيقنعه ويقول له: إنك مسلم تنتمي إلى الإسلام، وتفتخر بأنك من أهل الدين الصحيح، وإنك تؤمن بالبعث بعد الموت، وتعرف أن كلا يبعث ويجازى بعمله، وإنك تؤمن بعذاب الله عاجلاً وآجلاً، فإذا كنت كذلك وتعرف أن هذا من المحرمات فكيف مع ذلك تقره. يعني يأتيه بأسلوب حسن جذاب يؤثر فيه حتى ينصاع إلى الحق ويقبله بدون ممانعة.
فأما إذا لم يقره بل سكت أو لم يزله فإنه معذور إذا عجز عن إزالته، وبكل حال كل واحد من الأمة عليه واجب، أما التغيير باليد وبالأخص إذا كان بقوة فقد لا يكون مستطاعاً لكل فرد، وأما التغيير باللسان فإنه مستطاع حتى ولو بكلمة.
س: صاحب الفضيلة: هل يجوز للآمر بالمعروف، وللناهي عن المنكر أن يبحث عن المنكر إذا كان ذلك المنكر مختفيا حتى يتمكن ذلك الناهي.. ، أم يتوقف عند المنكر الظاهر؟
يجوز إذا علم عن طرق أن هناك منكرات خفية فله أن يبحث عنها، لا شك أن هناك يوجد منكرات خفية إما اعتقادية وإما عملية أو ما أشبه ذلك، فإذا رُئي بيوت يدخلها بعض المفسدين، أو المتهمين يخشى أن يكون فيها زنا أو لواط أو نحوه فلا يكون فعليه أن يبحث، ولكن لا يتجشم ما يضره، أو يفعل ما يلام عليه، بل يكون بحثه بحثا ظاهرا أو دقيقا يوصل إليه من غير أن يوقع نفسه في حرج، وكذلك بقية المنكرات.
س: فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. شيخنا نشهد الله أننا نحبك ...؟
.. أنتم بحاجة إلى أن تعملوا ما تستطيعونه حسب هذه الأمور، لا شك أن هناك شركيات أن منها مسبة الصحابة رضي الله عنهم، ومنها الاستغاثة التي ذكر السائل أن هناك من يستغيث بالأموات إما في المسجد، وإما في البقيع وإما عند الشهداء ويدعوهم دعاء صريحا.
الواجب إذا عرف أن هذا الذي يلقن ويسمونه المزور أنه يتعاطى مثل هذه الشركيات بأن يؤخذ على يديه، وأن يرفع بأمره، وأن يؤمر بالاقتصار على السلام المشروع وما أشبهه، فإذا أصر على ذلك فلا بد من عقوبته؛ لأنه قد يوقع هؤلاء الجهلة في الشرك، يستحسنون ما يدعو به لأنهم جهلة، فإذا عرف مثل هؤلاء إما أنهم يزينون لهؤلاء الجهلة التمسح بالحيطان بالبقيع أو بالمزارات وما أشبهها، أو أنهم يزينون لهم دعاء الأموات؛ فالواجب أن يرفع بأمره، وأن يؤخذ على يديه، وأن يبين للعامة أن هذا من دعاة الضلال، وأن يبين لهم السلام المشروع والدعاء المشروع.
س: لكن الغالب ما تحصل المخالفات.. هذا السائل يسأل ويقول: صاحب الفضيلة يقام في كل عام مولد .. من بعض أصحاب الطوائف احتفالا مبتدعا كالمولد ... وفي أيام رمضان يوم السابع عشر والثامن عشر في بدر. ما توجيهكم حفظكم الله حيال هذه الاحتفالات؟
لا شك أنها بدع؛ ولكنها متمكنة في نفوس كثير من هؤلاء المتصوفة والغلاة الذين رأوا أنها من السنة، وأنها لا بأس بها، وصاروا يحتجون عليها بشبهات واهية، فنحن دورنا أن نقوم بنصحهم، إن قدرنا على منعهم وتفريقهم، وإلا فبقدر ما نستطيعه من النصح والتوجيه، ونرفع إلى ولاة الأمر ليأخذوا على أيديهم إذا أظهروا هذه البدع والمنكرات والمحدثات، ففي استطاعة ولاة الأمر أن يأخذوا على أيديهم وأن يمنعوهم.
أما إذا كانوا يخفون ذلك في منازلهم فلسنا بمسئولين عن الأشياء التي يخفونها، وكذلك أيضا إذا كانوا يعتقدون ذلك في قلوبهم، أو يضمرونه في أفئدتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم إنما نأخذهم بالظاهر.
ثم على المدرسين أن يوجهوا الطلاب إلى السنة ويحذروهم من البدع، وكذلك واجب الخطباء، وكذلك أيضا واجب الدعاة الذين عندهم قدرة على الدعوة في المجتمعات وفي المناسبات وما أشبه ذلك، أن يبينوا مثل هذه البدع، وأن يبينوا خطرها، وأن كل محدثة بدعة، لعل ذلك يؤثر في السامعين.
س: فضيلة شيخنا حفظك الله وبارك فيكم. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. نرجو شرح هذه الآية الكريمة: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وجزاكم الله خيرا.
ظاهرة، أن سبب نزولها أن اليهود كانوا يأمرون الأنصار قبل الإسلام أن يتبعوهم، أو يذكرون لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سوف يخرج، ثم إنه لما خرج لم يتبعوه بل عصوه وعاندوا، فعاتبهم الله تعالى بهذه الآية، فكل من أمر غيره بمعروف وعمل بر ولم ينتفع بذلك الفعل ولم يأتمر؛ دخل في هذه الآية.
قد ورد فيه الحديث المشهور عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه فيها، فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع أهل النار إليه فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن فينا تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه فهذا جزاؤه أنه يلقى في النار بهذه الصفة والعياذ بالله، ومثله بعض العلماء بالسراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه، وذمه بعضهم بقوله:
مـواعظ الـواعظ لـن تقبلا
حــتى يعيهــا قلبـه أولا
يـا قـوم من أظلم من واعظ
خالف ما قد قالـه في المـلا
أظهـر بيـن النـاس إحسانه
وخـالف الرحمن لمـا خـلا
فالعادة أن مثل هذا لا يتأثر الناس بأمره ولا بنهيه، ولا ينتفعون بكلامه، ولا يصل كلامه إلى القلوب، كما يقول بعض العلماء: إن الكلمة إذا خرجت من القلب وصلت إلى القلوب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.
والواقع يشهد بذلك؛ يعني حال كثير من الذين لا يأتمرون ولا ينتهون وأنهم ينصحون لا تؤثر مواعظهم ولا نصائحهم.
س: فضيلة شيخنا: أجزل الله لكم الثواب. نرجو شرح مراتب إنكار المنكر وما معنى حديث: من رأى منكم منكرا إلى آخره؟
المنكر واحد المنكرات التي يعرفها كل مسلم بفطرته؛ وسمي منكرا لأن القلوب الزكية تنكره وتشهد بنكارته. وسمي المعروف معروفا لأن القلوب الزكية تعرفه وتألفه وتحبه وتشهد بحسنه وبملاءمته.
ومعنى من رأى منكم منكرا يعني: منكرا ظاهرا أي رآه عيانا، ويدخل في ذلك أيضا الرؤية القلبية؛ يعني العلم، إذا بُلِّغ؛ إذا بَلَغَه عن من يثق به أن في هذا البيت منكر فإنه بلا شك يكون ممن رأى أو علم بالمنكر؛ فيجب عليه تغييره بحسب ما يستطيعه، كذلك لو كان لا يبصر كالأعمى ولكن بلغه هذا المنكر، فإنه يعتبر قد رآه بقلبه؛ يعني علم به. التغيير يكون بحسب القدرة كما في الحديث.
س: ما قول من بالحسبة من .. النساء خاصة السفور والتبرج ...؟
موقفهم الإنكار بحسب القدرة، قد لا يستطيعون أن يكلموا كل واحدة من هؤلاء المتكشفات، ولكن بحسب القدرة، إن كان معها ولي من أوليائها فالنصيحة تكون له، وإن كان مجموعة نساء فكلمة واحدة تكفي للإنكار عليهن رجاء أن يتحجبن، وإن عجزوا عن ذلك رجع الأمر إلى الولاة؛ ولاة الأمر.
نتذكر قبل خمس وعشرين سنة أو نحوها، بل قبل ذلك في ولاية الملك فيصل أنه رفع إليه بعض الإخوة المحتسبين الغيورين خطابا في بعض المنكرات؛ فأصدر قرارا -يمكن أنه موجود أصله- عُمم على الهيئات وعلى مراكز الهيئة في المملكة في إلزام كل من يتعاقد معه ممن يدخل البلد أن يتقيد بتعاليم البلاد، وسواء كان من الرجال أو من النساء، فإذا كان كذلك فيذكر ولاة الأمور بهذه القرارات، ويبين أنها لا يجوز إلغاؤها فإنها موافقة للشرع، وأن الواجب الحفاظ على كرامة المسلمين، وإبعاد هؤلاء المتبرجات عن أن يفتن شباب المسلمين، أو يغرين بفعل الفاحشة والمنكرات، فهذا هو الواجب بحسب القدرة.
س: يقول السائل: ما معنى الستر بالنسبة لرجال الحسبة؟ وكيف ومتى يكون خاصة إذا كان هذا الأمر يختص بمسلم؟
كأنه يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله وقوله: يا معشر من آمن بلسانه ولم يصل الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المؤمنين، ولا تتبعوا عوراتهم إلى آخره.
الستر الذي -يعني- أمر به المحتسب المسلم يدخل فيه ستر العورات؛ يعني إذا رأيت من مسلم عورة لا يحب إبداءها فلا تكشف عورته، ولا تفش أسراره، قد تطلع على شيء من أسراره في بيته لا يحب إبداءها، وكذلك أيضا شيء من أموره الداخلية التي يحرص على سترها، فإذا اطلعت عليها صدفة أو نحو ذلك فليس لك أن تفشيها، يدخل في ذلك أيضا إذا رأيته على منكر وعرفت أنه سوف يتوب وقال: استرني ولا تفش عني، فإني نادم وسوف أتوب. فلعل ذلك يكون داخلا في الستر المأمور به.
س: فضيلة شيخنا جزاكم الله خير الجزاء. ما هو الحكم الشرعي في قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ؟
يقول العلماء: ذكر إن نفعت وإن لم تنفع؛ يعني لأنك لا تدري ما هي العاقبة، ولا تدري من ينتفع ومن لا ينتفع؛ ولكن ذكر بكل حال؛ لعموم الآيات التي فيها الأمر بالتذكير: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ فمأمور بأن تذكر يعني: تنصح وتعظ وترشد وتخوف وترغب وترهب وتبين ما تقدر عليه من الخير، وما يجب أن تكون عليه؛ لعل ذلك يكون مؤثرا في من يسمعه.
ولذلك قال تعالى: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى من أراد الله به خيرا تأثر بهذا التذكير، وحصل لك الأجر، التذكير يكون تذكير بالله تعالى وبوعده ووعيده، التذكير يكون بذكر البعث والنشور والعذاب في الآخرة والجزاء على الأعمال وفضل الحسنات وعقوبة السيئات وما أشبه ذلك، التذكير يكون بتعليم الإنسان حقوق الله تعالى عليه، وحقوق العباد عليه، وما له في ذلك إذا فعله، وما عليه إذا تركه، وما أشبه ذلك.
س: يقول: فضيلة شيخنا -حفظكم الله-: هل ترى ما هو المدعى ما هو المذهب الصحيح المتبع الراجح في حفظ المجتمع في متابعة المنكرات هل يغيرون في المسجد حتى لا يقع أو ينكر في المدرسة ما الذي تنصح به؟
الأولى أن يحتاط له قبل أن يقع؛ لأنه بعد وقوعه قد يصعب علاجه؛ فلأجل ذلك يحتاط، فيحرص المحتسب على أن يتلافاه، فإذا خيف مثلا أن هذا البيت يكون بيت دعارة وفساد؛ فيحتاط ويغلق ويقضى عليه قبل أن يتمكن، وقبل أن يقع.
أو أن في هذا البيت عمل خمور عمل يكون معمل خمور واستُأجر لذلك ووصل الخبر؛ يُقضى عليه قبل أن يحصل، كذلك أيضا إذا رأينا الدعاة إلى اختلاط النساء بالرجال، الدعاة إلى تبرج النساء؛ سعينا في أن نرد على هؤلاء قبل أن يتحقق لهم ما يطلبون، وهكذا، فعلاجه قبل أن يقع أخف من علاجه بعدما يقع.
س: فضيلة شيخنا وفقكم الله لكل خير: كيف نتعامل مع أصحاب الطوائف المخالفة إذا وقع منهم المنكر؟ ما يجوز تغييره؟
بالنسبة إلى العقائد هذه تحتاج إلى وقت طويل؛ يعني كالرافضة أو الصوفية والقبوريين هذه تحتاج إلى مجادلة وتحتاج إلى مناظرات، وبالنسبة إلى الأفعال الظاهرة هذه لا بد أن نمنعهم إذا أظهروا شيئا منها، فلا شك أن هناك من يُظهر الشركيات كالذين يتمسحون بالحيطان بالمنبر أو بالحجرة أو ما أشبه ذلك؛ نمنعهم.
وكذلك أيضا الذين يتمسحون بجدار البقيع وما أشبهه، وهكذا الذين يرفعون أصواتهم بدعاء غير الله، بدعاء الأموات من الشهداء أو من الأموات المقبورين أو نحو ذلك؛ نحرص على أن نمنعهم، وأن نحول بينهم وبين ما يقولونه من هذه الأعمال الظاهرة.
كذلك أيضا ترك الصلوات، نعرف أن هناك من يترك الصلوات إما كليا وإما ترك صلاة الجماعة؛ فعلينا أن ننكر عليهم، وأن نقيم عليهم ما نقدر عليه من العقوبة التي تزجرهم وتزجر أمثالهم، وإذا كان عندنا صلاحيات بجلدٍ أو سجنٍ أو نحو ذلك نطبق ما نقدر عليه من ذلك ليخف المنكر.
س: يقول السائل: فضيلة شيخنا حفظكم الله: في مسائل الزنا هل يعتبر من القرائن كمن رأى رجلا وامرأة -وليس معهما محارم- في مكان مظلم؟
لا شك أن القرائن تكون مرجحة لأحد الاحتمالات؛ يعني إذا كان هناك قرائن ظاهرة إذا رأى رجلا وامرأة خاليين في مكان مظلم -كما ذكر السائل- هذه قرينة، وكذلك إذا كانوا في ظلام.
فالحاصل أن في هذه الحال أنه لا بد من الاحتياط، لكن إذا خيف من العواقب فيتوقى الإنسان الشيء الذي عاقبته سيئة، ويعمل بما يستطيعه مما فيه قدرة. القرائن هذه تكون محلا للشبهة، يوقف هذا الرجل ويسأل: ما صلته بهذه المرأة؟ وما اسمه؟ وما اسمها؟ ثم أيضا تسأل على انفراد، وينظر هل يتطابق قولهما؟ فإذا كان هناك تطابق وعرف بأنها من محارمه خلي سبيله، وإلا أخذ على أيديهم، ورفع بأمرهم إلى من يقيم عليهم العقوبة التي تلزم.
س: فضيلة الشيخ: ما هو واجب المسلم من التعاملات المخالفة كالبيوع المنتشرة في بعض الأماكن كيف ينكر على أهلها؟
لا شك أيضا أن هناك معاملات فيها شبهات، ومعاملات محرمة، ومعاملات مختلف فيها، فمثل هذه إذا تُحقِق بأنها محرمة؛ فإنهم يجب عليهم المنع منها. أما إذا كان فيها خلاف وعندهم ترخيص كالمعاملات البنكية عندهم ترخيص، فهذه ليس علينا إلا النصح؛ أن ننصح أفرادهم، وأن ننصح من يتعاملوا معهم حتى لا يقعوا في الربا المحرم أو الشبهات المحرمة.
كذلك أيضا كثير من التجار الذين يقعون في بيوع مخالفة للشرع أو منهي عنها، ولو كنا لا نعرف الحكمة ولا العلة التي ورد النهي عنها، فلعلهم بذلك بالنصيحة يتأثرون.
س: يقول هذا السائل: فضيلة شيخنا حفظكم الله: هل يجوز لمن في الحسبة أن يؤخر صلاته بسبب عمله؟
نرى أنه يجوز إذا كان مثلا في عمل مهم؛ يتتبعون بعض المتخلفين أو بعض المعاكسين فيمنعونهم من الاجتماع، ويعرفون مثلا أنهم يجتمعون وقت أداء الصلاة، وأنهم يحصل بينهم أو منهم فساد، فالمحتسب إذا أخر الصلاة لمتابعتهم ومراقبتهم وتفريقهم؛ فله أجر على ذلك، ولو فاتته الجماعة، هو على أجر ولعله أيضا أن يجد جماعة، أو أن يكونوا جماعة فيصلون، فإن أمكنهم أن يدركوا الجماعة أو يدركوا بعضها حرصوا على ذلك.
س: فضيلة شيخنا حفظكم الله: تحتاج من هو بالهيئة إلى ما يلين قلبه وذلك لكثرة مشاهدته المنكرات، كما يحتاج إلى تفقد نفسه ومحاسبتها وإلزامها بالطاعات، فهل من كلمة .. حول هذا الموضوع؟
-لا- نقول: لا نظن -إن شاء الله- بأهل الحسبة وأهل الهيئات أنهم تميل قلوبهم إلى شيء من هذه المحرمات ونحوها، فإذا رأوا في مجتمعات اجتماعا مشينا ورأوا مثلا النساء المتكشفات فإن عليهم غض البصر كما أمر الله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ .
وعندما يتكلمون مع المرأة أو مع وليها يتكلمون بكلام غليظ لا يكون فيه شيء من الرقة واللين؛ حتى لا يتأثروا بما يقولون أو بما يسمعون، ولا يدخلون في الأماكن المشتبهة حتى لا يساء بهم الظن، ويتكلم فيهم العامة.
كذلك أيضا عليهم أن يحرصوا على فعل العبادات والطاعات التي تلين القلوب، والتي يحصل بها من الله تعالى عصمتهم وحمايتهم وحفظهم عن الوقوع في شيء من المحرمات.
س: فضيلة الشيخ حفظكم الله ورعاكم: قد يعتري بعض الأئمة أحيانا بعض الهدوء، بسبب ذكر المنكر بسبب الذي علموا بذكره ولم يستطيعوا إزالته إذا شاهدوا المنكر ولم يستطيعوا الاستفهام بالنسبة للحسبة بأن يأخذوهم، وهل من كلمة تحضون بها على بذل مزيد من والنشاط ...؟
كثيرا ما ننصح بعض الأعضاء فيتعللون ويقولون: إننا قد تعبنا، وقد عجزنا، وبذلنا النصح، وبذلنا التوجيه؛ ولكن لا فائدة في ذلك، فقد أيسنا. في هذه الحال نقول: واصلوا العمل والله معكم، وعليكم ببذل ما تستطيعونه من الجهد، وإن شاء الله إنكم على أجر، ولو لم يزل المنكر، فلكم أجر على ذلك.
وبكل حال معروف ما ينالكم من الأذى ومن التعب ومن الكلام من أفراد الناس الذين يشوهون سمعة أهل الحسبة، ويرمونهم بالعظائم، ولا يضركم ذلك فإنكم أهل للأمانة، والناس أهل الخير لا يظنون بكم ظنا سيئا، ولو قال الناس: إن الهيئة يتساهلوا وإنهم يقرون المنكر، وإنهم ينظرون إلى كذا ولا يغيرون. لأنهم لا يتتبعون أخباركم، ولا يعلمون ما تقولون، فابذلوا ما تستطيعون، ولا يضركم كلام أحد...