اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
كلمة في رئاسة الأمر بالمعروف
5781 مشاهدة print word pdf
line-top
أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعقوبة تاركه

تذكرون أيضا ما ذكره ابن القيم وغيره -ذكر في كتابه الجواب الكافي أحاديث كثيرة في إثم المعاصي وآثارها، ومن ذلك أنه ذكر: أن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أني مهلك من قومك ستين ألفا من شرارهم، وأربعين ألفاً من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يجالسونهم ويؤاكلونهم فعذب الله أربعين ألفا وأهلكهم مع أنهم من خيارهم، ولكن كانوا يجالسون أهل المعاصي ويشاربونهم ويؤاكلونهم ولا ينكرون عليهم.
وذكر أيضا أن الله تعالى أمر جبريل أن اخسف بقرية كذا وكذا. فقال: يا رب فيهم فلان لم يعصك طرفة عين. قال: به فابدأ وأسمعني صوته؛ فإنه لم يتمعر وجهه فيَّ قط يعني: ما غضب لله تعالى، وإنما كان غضبه لأموره الدنيوية، أو لا يغضب إذا انتهكت محارم الله.
وذكر أيضا أن بعض بني إسرائيل رأى ابنا له على معصية فقال: مهلا يا بني –هكذا- ما قال إلا: مهلا يا بني؛ بمعنى أنه لم يتمعر وجهه ولم يغضب، وإنما تكلم بهذه الكلمة؛ فعاتبه الله؛ يعني كان غضبك أن قلت: مهلا يا بني! ولم تغضب لله تعالى.
ولا شك أن هذه تسبب الخوف من إقرار المحرمات، ومن السكوت عليها مع القدرة، ومن التهاون بأية ذنب ولو كان صغيرا، فإن التهاون به يسبب كونه كبيرا.
والواقع يشهد بذلك، لا نحتاج إلى تعريف للأمر والنهي؛ ولكنكم تعرفون أن كلمة الأمر ليست مجرد ( افعل )، بل هي الإلزام، وكذلك كلمة: ( لا تفعل ) لا تكفي، بل لا بد من الإلزام، الإلزام بالترك للمنكر، وبالفعل للمعروف، فالأمر يستدعي الإلزام بالفعل، والنهي يستدعي الإلزام بالترك.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان وقوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر خير الأمة قال: ثم إنه يأتي بعد ذلك قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته وفي رواية ذكر أنهم: ينذرون ولا يوفون، يخونون ولا يؤتمنون، يشهدون ولا يستشهدون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ؛ وذلك لأن من جالسهم ووانسهم وواكلهم وشاربهم فإنه دليل على أنه لم ينكر عليهم بقلبه، فلا يكون في قلبه من الإيمان مثقال حبة من خردل، نعوذ بالله من هذه الحالة.
التغيير باليد: هو إزالة ذلك المنكر بحيث لا يبقى له أثر ولا عين، فإذا كان عندنا استطاعة وصلاحية في أن نغير هذه المنكرات؛ وجب ذلك علينا، وإذا خشيت أنك تعذب أو تمتهن أو تهان فإنك تغيره باللسان وتبين نكارته، وإذا خشيت من العواقب ولم يكن عندك قدرة انتقلت إلى تغييره بالقلب، وذلك يستدعي كراهيته، والبعد عن أهله وهجرهم، وترك مجالستهم ومؤانستهم، فإذا لم يفعل ذلك؛ فإنه ليس معه من الإيمان مثقال حبة من خردل، نعوذ بالله من هذه الحال.
الله تعالى يغضب لإقرار هذه المنكرات، وإذا غضب فإنه ينزل العقوبة، ورد في الحديث القدسي أن الله يقول: إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد يعني تأثيرا، فمع المعاصي تُسْخِط الله تعالى، ويكون أثرها - أثر- سخط الله على المجتمع كله الذي أقر هذه المحرمات، ولا شك أن إقرارها سبب من أسباب فشو العقوبات.

line-bottom