لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
محاضرة بعنوان قيام الليل
3669 مشاهدة
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بقيام الليل

وقد كان السلف -رحمهم الله تعالى- يعتنون بقيام الليل، وقدوتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعالى أمره بقيام الليل فكان يمتثل ذلك. أمره في أول ما أنزل عليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ؛ فامتثل ذلك، فكان يقوم أكثر الليل.
وكذلك أيضا صحابته -رضي الله عنهم- يقومون مثل ما يقوم، أو قريبا منه، قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ –أي- قريبا من ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ –أي- وتقوم نصفه أحيانا، وتقوم ثلثه؛ فكان هذا دأبه. ثم قال: وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ –أي- كان هذا عملهم. فكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي نصف الليل، أو ثلث الليل على الأقل، أو ثلثيه؛ إمتثالا لهذا الأمر: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا .
حفظ عنه كما في حديث ابن عباس لما بات عند خالته قال له أبوه: اذهب فبت عند خالتك ميمونة في الليلة التي يكون فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها. يقول ابن عباس فلما كان نصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعل يمسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر الآيات من آخر سورة آل عمران وهي قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ثم إنه قام وتوضأ. يقول ابن عباس فكبر. ثم قال ابن عباس قمت، وتوضأت، وكبرت عن يساره، فأدارني عن يمينه يقول: فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر ذكر أنه صلى ثلاثة عشر ركعة، يسلم من كل ركعتين، والثالثة عشر هي الوتر؛ الركعة الأخيرة. يقول: ثم اضطجع قليلا حتى أذن الفجر ؛ يعني: أنه مكث نحو خمس ساعات، أو ست ساعات وهو يصلي. ولا شك أنه قد يحس بشيء من التعب؛ فاضطجع قليلا ليريح نفسه، فلما أذن قام وصلى ركعتين خفيفتين؛ وهما سنة الفجر، ثم خرج إلى الصلاة.
فحفظ ابن عباس عنه: أنه صلى ثلاث عشرة ركعة في تلك الليلة، وأنه قضاها في نحو نصف الليل، أو ثلثه، أو ثلثيه. وهذا تطبيق لما أخبر الله تعالى، أو لما أمره به: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ .
كان الصحابة أيضا -رضي الله عنهم- يتلذذون بقيام الليل، يقتدون بنبيهم، ويقتدون بعباد الله الصالحين الذين مدحهم بقوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ فيقتدون بهم في هذا العمل الصالح، ويحبون أن يصلوا.
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يصلي كل ليلة الليل كله، إذا صلى العشاء كبر، وابتدأ يقرأ القرآن من أوله من سورة البقرة، وإذا كان في آخر الليل وإذا هو قد ختم، ولا يقطع قراءته؛ إلا لسجدات التلاوة، ويجعل قراءته القرآن كله في ركعة وترا. هذه صلاته. هكذا يقول بعض الصحابة: راقبت عثمان -رضي الله عنه- وإذا هو يقرأ، ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ ويقرأ ويقرأ ثم يسجد، ثم يقرأ ويقرأ ثم يسجد، وإذا هو إنما يسجد سجدات التلاوة. السجدات التي في القرآن: في آخر الأعراف، وفي الرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، إلى آخرها... فهكذا قيامه.
عمر -رضي الله عنه- وكذلك أبو بكر كانوا يقومون الليل، وكانوا يقومون في آخره؛ يعني: الثلث الأخير من الليل، أو نحوه.
كان أبو بكر -رضي الله عنه- يسر بالقراءة، فسئل عن ذلك، فقال: أسمع نفسي وأناجي ربي. يعني: أن ربي يسمعني؛ ولو كانت قراءتي خفية.
أما عمر -رضي الله عنه- فإنه كان يجهر بالقراءة، فقيل له: لماذا؟ فقال: أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان. يعني: أن القراءة بجهر توقظ الوسنان الذي هو من المتثاقلين. الوسن: هو النعاس ونحوه، وأطرد الشيطان.
ولما كان كذلك كان الكثير من الصحابة -رضي الله عنهم- يحبون قراءة القرآن، والإكثار منه، منهم: عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- رأى رؤيا؛ أنه جاءه ملك، أو جاءه ملكان في المنام، وذهبا به إلى جهنم، ورأى النار. يقول: ورأيت فيها أناسا قد عرفتهم، فلقيني ملك فقال: لا تراع، لن تراع. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن عبد الله رجل صالح؛ لو كان يقوم من الليل ؛ فكان بعد ذلك لا ينام من الليل؛ إلا قليلا، كان يتهجد طوال ليله.
ومنهم: عبد الله بن عمرو بن العاص ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقوم الليل، ويختم في كل ليلة، يختم القرآن في قيام كل ليلة؛ ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفق به، وعلم بأن ذلك قد يكلفه، ويشق عليه، فقال له: اختم القرآن في تهجدك في كل سبع في كل ليلة تقرأ سبع القرآن .
فكان في الليلة الأولى في ليلة الجمعة يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ليلة واحدة في صلاة، وفي الليلة بعدها يقرأ من المائدة إلى آخر التوبة، وفي الليلة الثالثة من أول يونس إلى آخر النحل، وفي الليلة الرابعة من أول الإسراء إلى آخر الفرقان، وفي الليلة الخامسة من أول الشعراء إلى آخر يس، وفي الليلة السادسة من أول الصافات إلى آخر الحجرات، وفي الليلة السابعة من سورة ق إلى آخر القرآن، كل ليلة يقرأ هذا في تهجده، لا شك أن هذا دليل على أنهم يحبون قراءة القرآن في الصلاة ولا يملون.