إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
محاضرة بعنوان قيام الليل
3507 مشاهدة
الأدلة على فضل قيام الليل

فأحب -في هذه الأمسية المباركة- أن أذكر شيئا من الأدلة على فضل قيام الليل، ومعناه، وكذلك –أيضا- على كيفيته.
قيام الليل يراد به: التهجد الذي أمر الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا هكذا وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ؛ أي: تهجد بالقرآن الذي أنزله الله تعالى عليك. يقول تعالى: فَتَهَجَّدْ بِهِ ؛ أي: بهذا القرآن. أخبر بأنه ينزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وأن المصلين مأمورون بأن يتهجدوا بهذا القرآن؛ فالتهجد: هو الصلاة في الليل.
وقال الله تعالى في صفة عباد الرحمن: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا إلى قوله: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا يَبِيتُونَ ؛ يعني: يقطعون الليل. يقطعون ليلهم في هذا العمل سُجَّدًا وَقِيَامًا اقتصر على السجود؛ لأنه أفضل أركان الصلاة، ثم على القيام؛ لأنه أطولها. والسجود فيه: الدعاء، والذكر. والقيام فيه: قراءة القرآن، وفيه التأمين على قراءة الفاتحة. هكذا مدحهم أنهم يَبِيتُونَ ؛ يعني: ليلهم كله في هذا التهجد. يبيتون سُجَّدًا وَقِيَامًا .
ثم ذكر فضلهم، وذكر جزاءهم، فقال في آخر الآيات: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا هذا جزاؤهم وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً الغرفة: جنس الغرف -يعني- الغرف المبنية في الجنة غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ جعلها الله تعالى مساكن لعباد الرحمن، وجعل من أعمالهم هذا القيام الذي هو أنهم يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا .
وهكذا –أيضا- وصفوا في آية أخرى بقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ الهجوع: هو النوم –يعني- لا ينامون إلا قليلا، لا ينامون في الليل إلا جزءا يسيرا بقية الليل، ماذا يفعلون؟ يصلون، ويتهجدون، ويركعون ويسجدون، ويتلذذون بهذه الصلاة التي يحبها الله تعالى.
وإذا كان في آخر الليل جلسوا يستغفرون –أي- يستغفرون ربهم، يُحسون بأنهم لم يقوموا بما يلزمهم، كأنهم مذنبون في ليلهم؛ فيختمون ليلهم بالاستغفار كما أمروا بذلك، أو كما مدحوا بذلك في آية أخرى؛ ففي قول الله تعالى: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ؛ يعني: أنهم في آخر الليل يستغفرون. كيف ذلك مع أنهم طوال ليلهم وهم يصلون؟ إذا جاء في آخر الليل يقولون: ربنا اغفر لنا.. ربنا اغفر لنا.. ربنا اغفر لنا. نستغفرك ونتوب إليك من تقصيرنا ومن إساءتنا ومن نقصنا. هكذا كانت حالتهم؛ ليلهم في تهجد، وآخر ليلهم في استغفار. هذا -بلا شك- مدح لمثل هؤلاء.
كذلك أيضا ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أفضل الأعمال فقال: الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، وقرأ قول الله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ جزاؤهم على أعمالهم هذا الجزاء الأوفى فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ لا يعلم أحد ما جزاؤهم عند الله تعالى؛ حيث أخفى جزاءهم فلا يعلمونه إلا بعدما يشاهدونه مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
من عملهم: أنهم إذا تتلى عليهم آيات ربهم يخرون عليها. يخرون: يسجدون خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ .
ثم ذكر أنهم تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ – أي- ما تطمئن على الفرش، يتقلبون من جنب إلى جنب، ثم مع ذلك يقومون إلى الصلاة، لا يهنؤهم النوم.
ذكر عن كثير منهم أنه كلما اضطجع وجلس على فراشه ربع ساعة أو نصف ساعة وهو يتململ قام وكبر وصلى، ثم إذا سئم جاء واضطجع ولا يهنأه النوم؛ حتى يقوم مرة أخرى فيصلي. هكذا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ –أي- تمل من المضجع ولا تريده؛ ولو كان فراشا وطيئا؛ ولو كان فراشا لذيذا، وما ذاك إلا أنهم يحسون بأن الصلاة التي يقومون إليها ويصلونها أنها لذتهم؛ فلذلك لا يهنأهم النوم.
كذلك أيضا ورد في الأحاديث أدلة كثيرة تفيد الحث على الصلاة في الليل، والتهجد، وذكر حالة المتهجدين، زيادة على ما ذكر الله تعالى في مثل هذه الآيات الكريمات.
ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما قدم المدينة سمعه عبد الله بن سلام أول ما سمع منه أنه قال: أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام.. تدخلوا الجنة بسلام يعني: أن صلاتك إذا هجع الناس حولك وأخذوا مضاجعهم، وقمت تصلي فإن ذلك من أشرف الأعمال؛ حيث إنك انفردت بهذا العمل دون غيرك ممن حولك صلوا بالليل والناس نيام .
وكذلك ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين وهذا خير كثير، مجرد أنك تقوم الليل؛ ولو لم تقرأ إلا عشر آيات، عشر آيات فقط من القرآن في ليلتك، وفي صلاتك لا تكتب من الغافلين؛ فإن الغافلين.. هم الذين حرموا من فضل الله تعالى، وحرموا من أداء هذه العبادة.
كذلك أيضا ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رحم الله رجلا قام من الليل، وأيقظ امرأته؛ فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل، وأيقظت زوجها؛ فإن أبى نضحت في وجهه الماء –يعني- من باب التنشيط، يعني: أنه قد يكون متثاقلا في النوم، فإذا صُب على وجهه الماء؛ فإنه يزول عنه النعاس، ويزول عنه الكسل؛ ويقوم نشيطا -بإذن الله تعالى-. هذا من فضل الله.. أنه يستحق الرحمة إذا أقام امرأته، أو أقامت زوجها.
وورد –أيضا- في حديث آخر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قام الرجل من الليل، وأيقظ امرأته، فصليا، كتبا من القانتين والقانتات -أي- كتب الله تعالى لهم هذا الأجر؛ وذلك لأنهما يتعاونان على الخير، يساعد الرجل امرأته، فيقوم وتقوم معه، وكل منهما يصلي؛ فيكونان بذلك من القانتين الذين مدحهم الله في قوله تعالى: وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ إلى قوله: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا .
فنقول: لا شك أن هذه الأدلة الواضحة تفيد أن قيام الليل والصلاة فيه من أفضل القربات، وأشرف الأعمال.