فأقول: إن علينا جميعًا أن نُحَقِّقَ الوصف الذي وصفنا الله –تعالى- به، وهو قوله: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ
نَتَفَكَّرُ في أنفسنا: هل نحن صحيح أننا مؤمنون إيمانًا صحيحًا كاملًا؟ أو أن علينا نَقْصًا وخللًا في الإيمان؟
فالذين يتركون شيئًا من العبادات وهم يعلمون أنها عبادة كالصلاة، أو الإتيان إلى المساجد لصلاة الجماعة أو ما أشبه ذلك نقص إيمانهم، ضاعوا، ما صاروا من المؤمنين؛ لأن الله –تعالى- مدح المؤمنين المفلحين، تقرءون قول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
ماذا ذَكَرَ عنهم؟ قال:
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ
ثم قال في آخر الآيات:
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
فيعتبر الذي لا يحافظ على الصلاة ليس من المفلحين، أو ليس من حقيقة المؤمنين.
كذلك وصفهم بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ
يعني: مُؤَدُّون لزكاة أموالهم، وصفهم بعد ذلك بقوله:
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ
اللغو هو: الباطل، يعني: الغناء، الأغاني والملاهي والمزامير والمراقص، وأماكن البطالة، وأماكن الكلام السيئ، يُعْرِضُون عنها، قال الله عنهم:
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ
أعرضوا عن مجالس اللغو، وابتعدوا عنه، وقال الله تعالى:
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا
إذا مَرُّوا بأماكن اللغو ابتعدوا عنها، مَرُّوا مرور الكرام، فهذا ونحوه دليل على أنهم قد حفظوا أوصاف المؤمنين.
وصفهم بعد ذلك بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فهذه صفات المفلحين، علينا أن نتفقد أنفسنا، هل نحن من الموصوفين بهذه الصفات فنكون من المفلحين؟ أم أن علينا خللا فنتدارك ذلك، ونكون بعد تداركه من المؤمنين المفلحين؟ كذلك –أيضًا- ذكرنا أن من صفات المؤمنين: التصديق بكل ما جاء به نبينا -صلى الله عليه وسلم- وعلامة التصديق الاتباع، يعني: الطاعة والاتباع. من لم يكن كذلك فإنه لا يكون من الصادقين، ولا يكون من الْمُصَدِّقين الذين يؤمنون بالله -تعالى- هم الذين يُصَدِّقُون بما جاء عنه، وبما أرشد إليه.
فهكذا أيها الإخوة عليكم أن تحرصوا على وصف الإيمان الذي أنتم تتمدحون به مؤمنين مسلمين، فمتى تفقد الإنسان نفسه، وحرص على أن يكون متصفًا بصفات المؤمنين فإنه -إن شاء الله- يوفق لمثل هذا الوصف.
وكذلك –أيضًا- علينا أن نحرص على أن نتفقد أنفسنا، ونتفقد أنفسنا حتى نكملها، ونكمل النقص الذي فيها، وإذا كان الإنسان يدعي أنه مُكَمِّلٌ لنفسه فلا بد أنه يكون فيه شيء من نقص؛ فيستشير إخوته من أهل الخير والصلاح، فيقول لهم: أخبروني بالنقص الذي معي، ماذا تنكرون عَلَيَّ؟ ماذا تنقمون علي؟ يستشير أهل الخير، أهل العلم، أهل الإيمان من الذين يعرفونه.
فإذا قالوا: عليك نقص كذا، حرص على تكميله، ولعله بذلك يكون من الناجين إن شاء الله تعالى.
أوصيكم أيها الإخوة بحفظ أوقاتكم عن الضياع؛ فإنكم مسئولون عنها.
كثيرًا ما يكون عند بعض الموظفين سيما في مثل هذه الوظائف، وظائف الجنود يكون عندهم فراغ، فالذي يكون عنده فراغ إذا شغله بالشيء الذي ينفعه استفاد، وإذا شغله باللهو واللعب تضرر، وخسر، حتى ذكر لي بعض الإخوة في الرياض أنه أتى على مكتب أو جهة، الموظفون فيها يعملون، من الجنود ونحوهم، وسأل عن فلان- واحد منهم- فقالوا: إنه في المكان الفلاني، أو في الدور الثاني، ماذا يفعل؟
قالوا: يلعب البلوت..! فعجبًا أنه يكون مسئولًا، وأنه يكون قدوة، ومع ذلك يقضي وقته في هذا اللعب! لا شك أن هذا هو الخسران المبين، كونه يلعب هذه اللعبة التي هي من اللهو، يتخذون دينهم لهوًا ولعبًا قال الله تعالى: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
انخدعوا بالدنيا وزينتها، وبما هم فيه من الْمَنْصِب، وبما يشغلهم من المصالح والمرتبات ونحوها،
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا
؛ لأنهم غفلوا عن لقاء اليوم الآخر، وغفلوا عن الموت، وغفلوا عما بعد الموت، وغفلوا عن الدار الآخرة، ولم يتزودوا لها.
فنقول: إذا كان عندك فراغ فاشغله بقراءة القرآن، فأنْتَ -والحمد لله- قد فتح الله عليك، لا يوجد في المملكة -والحمد لله- أحد يبقى على أميته، لا يقرأ ولا يكتب إلا نادرًا، إلا قليلًا؛ حيث فُتِحَت المدارس الابتدائية وما بعدها من أكثر من نحو ستين سنة أو قريبًا منها أو أكثر، لا شك أن هذا دليل على أن الدولة -وفقها الله تعالى- نصحت الأمة، وأنها يسرت لهم كل وسيلة وكل سبب يكون معينًا لهم على طاعة الله -تعالى- وعلى فعل الخير، ومن ذلك التعليم، التعليم الظاهر الذي إذا تعلموه تيسر لهم كل ما يرجونه، تيسر لهم قراءة القرآن، وتيسر لهم قراءة العلم في الكتب وما أشبهها.
فإذا كان عندك وقت فراغ فَخُذِ المصحف سواء في المسجد أو في بيتك، أو في مَقَرِّ عملك، واقرأ فيه واحفظ، احفظ القرآن، وإذا حفظته فهنيئًا لك أنك تقدر على قراءته قائمًا وقاعدًا وراكبًا وماشيًا وفي كل الحالات، وتكون من حملة القرآن الذين يتأثرون به.
هذه وصيتنا لكل مَنْ كان عنده فراغ أن يشغله بقراءة القرآن، أو بتعلم العلم، أو بحفظ الأحاديث أو ما أشبهها.
نتواصى بأن نشغل –أيضًا- أوقاتنا بتعلم العلم، وبكثرة ذِكْرِ الله –تعالى- وبشكره، وحسن عبادته على ما وفقنا له، وعلى ما هدانا له، فهو –سبحانه- الذي يهدي مَنْ يشاء، ويُضِلُّ مَنْ يشاء، فإذا هداك الله وأَقْبَلَ بقلبك على طاعته؛ فهنيئًا لك أنك من أهل الإيمان! وأنك مِمَّنْ مَنَّ الله -تعالى- عليه وفَضَّلَهُ، وأعطاه خيرًا كثيرًا حَرَمَ منه آخرين.
إذا رأيت أولئك المعرضين فاعلم أنهم مَحْرُومون، الْمُعْرِضون الذين لا يأتون إلى المساجد أوقات الصلاة، ولا يذكرون الله إلا قليلًا، ولا يشكرونه على فضله، والذين يعمرون أوقاتهم بالمعاصي، ألسنتهم سخرية واستهزاء وتهكم، وكلام قبيح، وكذلك أعينهم لا تنظر إلا إلى ما يضرهم، وآذانهم لا يدخل فيها إلا سماع المكاء والتصدية الذي عاب الله به الكفار في قوله: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً
المكاء هو: الصفير، ويقصدون بذلك أنهم يتنعمون بذلك، والتصدية: التصفيق ونحوه، وسائر اللهو.
هذا عاب الله –تعالى- به أولئك الكفار، فنتجنب كل شيء عاب الله به الكفار، ونتصف بكل صفة وصف الله –تعالى- بها أهل الخير وأهل الإيمان.
ونختم بسؤال الله –تعالى- نسأله –سبحانه- أن يهدينا سواء السبيل! نسأله –سبحانه- أن يُقْبِلَ بقلوبنا على طاعته، نقول: اللهم حَبِّبْ إلينا الإيمان وزَيِّنْهُ في قلوبنا، وكَرِّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين!
نقول: اللهم أَرِنَا الحق حقًا وارْزُقْنَا اتباعه، والباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل!
نقول: اللهم اهدنا، وسددنا، واسْلُلْ سخائم قلوبنا، اللهم قَوِّ عزائمنا، وثَبِّتْ أقدامنا، واشرح صدورنا للإسلام، يا رب العالمين.
اللهم أَبْرِمْ لهذه الأمة أمر رُشْدٍ، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل المعاصي!
اللهم أصلح أئمتنا وقادتنا، وولاةَ أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، يقولون بالحق وبه يعدلون، إنك على كل شيء قدير.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه...
الأسئـلة
س: ..............................؟
المسافر الذي يرجع في يومه نرى أنه لا يُعَدُّ مسافرًا إذا جاءوا من مكة أو مِنْ جدة أو من المدينة ولكن رجعوا في يومهم؛ فلا يُعَدُّ مسافرا. هذا هو الذي نختاره ولو قطع .. مائتين أو ثلاثمائة، حيث إنه لا يفقد بين أهله، أهله وجيرانه، ما يفقدونه، ولا ... ولا يقولون قدم من سفر، فمثل هذا يمكن أن يقال: إذا جاءه وقتٌ وهو في الطريق له أن يَقْصُرَ، وأما إذا جاء إلى البلد فنرى أنه لا يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها.
س: سائل يقول: هل يجوز للمسلم أن يكفل فردًا – يعني شخصا أجنبيا- لا يدين بالإسلام بغرض الزيارة ونحوها.
لا بأس إذا استقدم عمالا غير مسلمين، وصار كفيلهم، يعملون عنده في مؤسسة أو في شركة، ومع ذلك يحرص على دعوتهم إلى الإسلام، ويُرَغِّبُهُمْ في الإسلام، ويمكن أهل المكاتب مكاتب الدعوة أن يزوروهم ويُرَغِّبُوهم في دين الإسلام، ويعرضوا عليهم شعائر الإسلام لعلهم أن يهتدوا، وهكذا –أيضًا- غير المسلمين من كل الديانات.
أما إذا قدم غير المسلم، وطلب منك أن تكفله حتى يبحث عن الإسلام فلا بأس بذلك، قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ
إذا جاء وقال: أنا أقصد أن أسمع عن الإسلام؛ لأني ما سمعت عنه إلا كلامًا منكرًا، وكلامًا غير صحيح؛ لأنهم يسمعون ذَمَّ الإسلام في بلادهم، وأن الإسلام دِينُ الشدة، ودين التفرق، وكذا وكذا.
فإذا سمعوا الإسلام من أهله عرفوا أنه هو الدين الصَّحِيح.
س: ما حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ يذهبون المدينة يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجات هذه موجودة ومنتشرة ...
هذا شرك، الاستغاثة بغير الله تعتبر شِرْكًا يعني: فيما لا يقدر عليه إلا الله.
الاستغاثة بالإنسان القوي الحاضر معك هذا جائز، تقول: يا فلان أغثني، يعني: قَوِّنِي واحمل معي كذا، أو اشفع لي أو ما أشبه ذلك، فأما الغائب والميت فلا يجوز الاستغاثة به؛ لأن الاستغاثة عبادة، قال الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
أي: تطلبونه وأنتم في حالة الشدة والضرورة.
فدعاء الأموات -حتى الأنبياء- يُعْتَبَر شركًا،
فكـل مَـنْ دعـا معـه أحــدا | أشــرك بـالله ولـو محمــدًا |