تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
محاضرة في شروط قبول العمل الصالح
4017 مشاهدة
الشرط الثاني في قبول العمل: المتابعة

وأما المتابعة وهي الشرط الثاني: فالمراد بها أن يكون الإنسان في أعماله كلها مقتديا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- مقتديا بالدليل، الدليل الصحيح، لا يعمل إلا بدليل؛ فيخرج بذلك من يعمل على بدعة، من يعمل البدع.
ولا شك أن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به هو الواجب على كل مسلم؛ ولأجل ذلك وردت الأدلة في الأمر بالاتباع، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ اتبعوني أي: اعملوا بالسنة، واقتدوا بالرسول، وسيروا على نهجه، واقتدوا بسيرته سواء في الأعمال المكتوبة المفروضة، أو في الأعمال المسنونة، أو في المعاملات، أو في المباحات أو ما أشبهها؛ مأمورون نحن بأن نكون عاملين بالسنة؛ فتخرج بذلك البدع، يخرج بذلك العمل المبتدع الذي ليس له أصل في كتاب الله ولا في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
لقد كثرت الأدلة التي تأمر بالطاعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وبالسير على طريقته ومنهجه، وبالاقتداء به مثل قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأسوة: هو القدوة أي: اجعلوه قدوتكم، اجعلوه أسوتكم، لا تقتدوا بغيره، سيروا على سنته واتبعوا طريقته وتأسوا به؛ وبذلك تكونون مثابين على أعمالكم، فإذا رأيت الذي يخالف السنة فاعلم بأنه قد ترك شرطا من شروط قبول العمل ألا وهو المتابعة.
لقد أمر الله تعالى بتقبل ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تقبلا جازما؛ فقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وكذلك حذر من مخالفته، قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
يقول الإمام أحمد أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الشك، أو من الزيغ فيهلك.
وطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قرنت بطاعة الله تعالى؛ فدل على أنه يلزمنا أن نطيعه، وأن طاعته علامة على طاعة ربه؛ وذلك لأنه الواسطة بيننا وبين الله تعالى، وهو المبلغ لما أرسل إليه، قد كلفه الله بذلك فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فنحن نشهد بأنه بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وعلمهم ما هم بحاجة إليه، وشهد له بذلك صحابته؛ فقالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.
وإذا كان كذلك فإن على كل مسلم أن يجعله قدوته وأسوته، وأن يسير على نهجه، وأن يتمسك بسنته وبشريعته التي هي الدين الإسلامي, شريعته التي هي السنة النبوية، والتي أوصى بالمحافظة عليها، وبالتمسك بها في قوله -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة .
هكذا أرشدهم أن يتمسكوا بسنته؛ وذلك لأنه عرف بأنه سيحدث مخالفون، وسيحدث مبتدعة، يضيفون إلى الشريعة ما ليس منها، يبتدعون بدعا ما أنزل الله بها من سلطان سواء كانت بدعا اعتقادية أو بدعا عملية، فالذين يبتدعونها يعتبرون قد أخلوا بشرط من شروط قبول العمل ألا وهو المتابعة.
المتابعة الحقيقية: هي كون الإنسان سائرا على الطريقة السنية، وكون عمله خالصا لوجه الله، صوابا على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا. فالصالح -العمل الصالح- هو الذي يكون موافقا للشريعة، موافقا للسنة، وأهل الصالحات: هم الذين عملوا بما جاءت به الشريعة، هؤلاء هم أهل الأعمال الصالحة، وهم من أهل النجاة، النجاة من الخسران.
تقرءون قول الله تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ عملوا الصالحات يعني أعمالهم كلها صالحة, متى يكون العمل صالحا؟ إذا كان خالصا لله تعالى، وصوابا على السنة النبوية.
فلو مثلا ابتدع إنسان بدعا، وقصد بذلك أن يثاب عليها وهي شبه الأعمال الصالحة لقلنا: أنت مبتدع ولا يثيبك ربك؛ حيث إنك أضفت إلى الشريعة ما ليس منها، فإذا قال: ماذا أضفت؟ وماذا في هذا العمل؟ ما فيه بأس إذا أحيينا ليلة سميناها ليلة المولد, إذا صلينا صلاة وسميناها صلاة الرغائب. نقول: أنت كمن زاد في الصلاة.
يأتي آخر فيقول: أنا أصلي الظهر ستا، وأصلي المغرب أربعا، وأصلي الفجر ثلاثا، وأصلي الجمعة أربعا فيكون قد زاد في شرع الله.
وكذلك لو قال: أنا أنقل رمضان إلى الشتاء، نجعل رمضان هو فصل الشتاء؛ حتى يكون أخف، فمثل هذا لا شك أن هؤلاء عملهم غير صالح، فلا تقبل منهم الأعمال.
نتوقف عند هذا، وبعد الأذان دور الأسئلة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد .