إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
تفسير سورة الكهف
29637 مشاهدة
رد المؤمن على صاحب الجنتين

وبعدما حكى الله تعالى هذا القول عنه، حكى قول صاحبه؛ الذي هو مؤمن موحد، والذي هو موقن بأن ما عنده فهو من الله، وبأن ما أصابه فهو من الله. يقول الله تعالى: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا كفره بالله هو قوله: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً هذا كفر؛ وذلك لأنه إنكار خبر الله.
كذلك أيضا جزمه بأنه ذو حظ عظيم. أي: أنه ذو حظ وأنه ما أعطي ذلك إلا لكرامته، هذا أيضا دليل على كفره.
كذلك أيضا افتخاره بقوله لصاحبه: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا نسي أن المال والنفر لا يغني عن الإنسان في الآخرة. نسي أن الله تعالى إذا بعثه يتبرأ منه أقاربه؛ كما قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ أي: كل منهم مشتغل بنفسه، نسي ذلك كله؛ فكان هذا كفرا، وكذلك أيضا لا بد أنه يدعو غير الله، وأنه يشرك بربه، كما سيأتي في هذه القصة.
اعترافه بأنه مشرك. أي: قد أشرك بالله تعالى، فصاحبه يقول له: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ يذكره بمبدأ خلقه؛ فإن في هذا موعظة وذكرى، موعظة عظيمة أن الإنسان يتذكر مبدأ أمره. يقول: ألست كنت في بطن أمك نطفة؟ ألست كنت نطفة خرجت من صلب أبيك، واستقرت في رحم أمك؟ هذه النطفة نطفة مذرة.
ألا تتذكر: أن ربك هو الذي صور هذه النطفة في الرحم إلى أن خرجت إلى أن خرج إنسانا سويا، خلقك من نطفة أي: مبدأ أول أمرك، أو خلق أباك من تراب، فيذكره بأن آباه الذي هو آدم أبو البشر خلقه الله تعالى من تراب، ثم خلق بنيه كلهم من هذه النطفة؛ التي هي نطفة مذرة، يعني: جزء أو شيء يسير من هذا المني الذي يخلق منه الإنسان، كما قال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أي: أخرجك طفلا ورباك، وحنن عليك أبويك، ويسر لك الرزق.