تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
40909 مشاهدة
من أركان الإيمان الاعتقاد بالقلب

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: بدء العقيدة؛ باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات من ذلك: الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، ولا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في حقيقة ذاته، وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ العالم الخبير، المدبر القدير، السميع البصير، العلي الكبير.
وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه.
خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .
على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه، تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة، كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه، وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله.
وأن القرآن كلام الله، ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد.
والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره فرض وركن في الدين، وكل ذلك قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه، وسبق علمه به أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا مبدأ العقيدة يقول: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات.
أراد بالديانات هاهنا فروع العقيدة، وجمعها وإن كان أصلها واحدا -يعني عقيدة أهل السنة والجماعة- لاختلاف فروعها وأبوابها، فسماها ديانات مع أنها دين واحد، ولكن عقيدة أهل السنة والجماعة تحتوي على أبواب، وتحتوي على أقسام، منها ما يتعلق بأسماء الله وصفاته، ومنها ما يتعلق بأسماء الإيمان والدين، ومنها ما يتعلق بالقضاء والقدر، ومنها ما يتعلق بالبعث والنشور، ومنها ما يتعلق بالكتب والرسل، وكلها لها أبواب، ولأبوابها فروع.
وبدأ هاهنا بما يتعلق بأسماء الله وصفاته؛ وذلك لأن من آمن بالله تعالى إلها وربا وخالقا ومدبرا فلا بد أنه يؤمن بخبره، وقد أخبر سبحانه عن نفسه، وأخبر بحقه على عباده، وأخبر بجزائه في الدار الآخرة، فلا بد أن نصدق خبره.
وإذا صدقنا خبره لزمنا أن نعمل، أن نعمل بأوامره، بمعنى أننا نطيعه فنؤمن بما أمرنا به، أمرنا بالصيام والصلاة والزكاة والحج والجهاد، وأحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وحرم علينا الاعتداء والعدوان والكبر والظلم والبغي بغير الحق، وأخبرنا أيضا بالجزاء على الأعمال في الدار الآخرة، وأخبرنا بأننا مبعوثون بعد الموت، ومحاسبون ومجزيون بأعمالنا، فمن آمن بالله تعالى وآمن بخبره وآمن بأمره ونهيه ظهرت عليه آثار هذا الإيمان، ومن ضعف إيمانه ضعف عمله.
فبذلك بدأ بالإيمان بالله، فأولا العقد بالقلب، الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان أن الله تعالى إله واحد لا إله غيره، لا يكفي النطق باللسان، لا يكفي أن يقول بلسانه: لا إله إلا الله، أو الله لا إله إلا هو، أو لا إله غيرك. فإن كثيرا ينطقون بلا إله إلا الله ولا تنفعهم؛ وذلك لأنهم يألهون غير الله، يجعلون مع الله آلهة أخرى، فيكونون بذلك قد اتخذوا مع الله إلها آخر فلا ينفعهم قول لا إله إلا الله، ولكنهم -وبالأخص من المتأخرين- لا يسمون ذلك المعبود إلها، يعبدون غير الله من الأموات والأحياء والأشكال والأحجار والبقاع والقباب.
ولكنهم مع ذلك لا يسمونه إلها، يعتقدون أن الإله هو الخالق، وأنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله أي: لا خالق إلا الله كفاهم ذلك، وهذا ناقص، فلذلك يتخذون آلهة مع الله، ويسمونهم شفعاء وشهداء وأولياء وسادة، ويسمون فعلهم توسلا وتقربا وتبركا واستشفاء هكذا؛ فيقعون في الشرك وهم لا يعلمون.
فإذًا لا بد أن المسلم يقول: لا إله إلا الله بلسانه، ويؤمن بمعناها بقلبه، الإيمان بالقلب هو اعتقاد أن الله تعالى هو الإله الحق، وأن كل من أُلِهَ غيره فإلهيته باطلة، وأن الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وتعظيما وإجلالا وتكبيرا واحتراما، هذا هو الإله الحق.
فهناك من يعظمون الأموات، فيقول أحدهم: يا سيدي عبد القادر انصرني، يا سيدي البدوي أنجني وأعطني وارزقني، وهب لي ولدا، وهب لي مالا. وإذا قيل إنك قد اتخذته إلها ينكر ذلك، ويعتقد أن الإله هو الخالق، لا إله يعني: لا خالق إلا الله، ونسي أن العرب المشركين يعترفون بأنه لا خالق إلا الله، قال تعالى في آخر سورة الزخرف: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وقال في آخر العنكبوت: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .
فلو كان الإله هو الخالق لقالوا: لا إله إلا الله؛ لأنهم يعترفون أنه لا خالق إلا الله، ولكن يعرفون أن الإله هو المعبود الذي تألهه القلوب؛ ولأجل ذلك قال الله عنهم: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ فيدل على أن لهم آلهة غير الله، مع أنهم يقولون: الله خالقنا، لا خالق إلا الله.
فعلى هذا لا إله غيره أي: لا إله تألهه القلوب، وتعظمه وتجله، وتبجله وتحترمه، وتخضع له وتخشع، وترجوه وتخافه، وتتوكل عليه، وتنيب إليه وتتوب إليه وحده، وتنيب إليه وتستعيذ به وتستعين به، هذا حقيقة الإله، لا إله إلا الله أي: لا أحد تألهه القلوب غير الله، هذا أول واجب على العبيد: أن يعرفوا بأنه لا إله إلا الله.
هناك طائفة من الفلاسفة أو الصوفية يقولون: لا إله إلا الله أي: لا خالق إلا الله. ثم يقولون: إن الأولياء يطلعون على الغيب؛ ولهذا يعتمدون عليهم ويطلبون منهم، فمثل هؤلاء ما قالوا لا إله إلا الله حقا، الإله عندهم هو الخالق، المشركون يقولون: نعم لا خالق إلا الله. وامتنعوا من قول لا إله إلا الله وقالوا.. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ وكذبوا نبي الله، وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا .
فعندهم آلهة كثيرة، معبوداتهم من الأشجار والأحجار والأموات والصور ونحوها، يسمونها آلهة ينحتونها على صور بعض الأولياء والصالحين، ولهذا قال قوم نوح لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا فسموا هذه آلهة، وهي أسماء رجال صالحين في قوم نوح لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
هذا سبب تقديم المؤلف لكلمة لا إله غيره أي: إله واحد، ويدل على ذلك -يدل على توحده بالإلهية- مخلوقاته التي خلقها، ذكر بعض المفسرين أنه لما نزل قول الله تعالى في سورة البقرة: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ فقال المشركون: ما الدليل على أنه إله واحد لا إله إلا هو؟ فنزل بعدها قول الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فجعل هذه آيات دالة على أنه هو الإله وحده، أنه هو الإله، وأن إلهية ما سواه باطلة، فلا إله غيره.
يقول بعد ذلك: ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له ولا والد، ولا صاحبة له، ولا شريك له.