تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
110077 مشاهدة
ملائكة الله تعالى لا يحصي عددهم إلا الله

...............................................................................


لا شك أيضا أن ملائكة الله تعالى لا يحصي عددهم إلا الله، قال الله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ لما نزل عدد خزنة جهنم عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ انتقد ذلك المشركون، وقالوا: يزعم محمد أن أهل النار الذين يعذبونكم تسعة عشر، وأنتم أكثر القوم, أفلا تنتصرون منهم؟! فيقول: ألا يعجز كل مائة منكم عن واحد؟ حتى قال واحد منهم: أنا أكفيكم عشرة, واكفوني تسعة!! استهزاء.. وقال آخر: أنا أكفيكم سبعة عشر, واكفوني اثنين! كل ذلك استهزاء. ما علموا أن الواحد من خزنة النار يقبض الألوف ويلقيهم في النار، وأنه لا يعرف قدرهم وعظمتهم إلا الله تعالى، ولذلك قال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا .
ذكر عدتهم التسعة عشر فتنة للذين كفروا؛ ليظهر مَنْ يصدق ومَنْ يكذب، ثم قال تعالى في آخر الآية: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ جنود ربك من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله, فهو سبحانه الذي خلقهم وهو الذي سخرهم، ولا يحصي عددهم إلا هو، عددهم كثير.. مر بنا قوله صلى الله عليه وسلم: أطت السماء وحق لها أن تئط, ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم, أو راكع أو ساجد الأطيط هو: صوت الرحل إذا كان عليه حمل ثقيل. الرَّحْلُ هو: الأعواد التي تجعل على ظهر البعير, أشدة أو مسام, أو نحوها.. إذا كان الحمل ثقيلا على البعير فإنه يسمع له أطيط وأزيز من ثقل ذلك الحمل، فشبه صلى الله عليه وسلم ثقل السماء بالملائكة بهذا الأطيط أطت السماء وحق لها أن تئط أي: لكثرة مَنْ عليها من الملائكة مِمَّنْ لا يحصي عددهم إلا الله؛ ما بين راكع أو ساجد أو قائم أو قاعد يعبدون الله تعالى, ويسبحونه, ويحمدونه, ويكبرونه, هذا مصداق قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ .
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل البيت المعمور في السماء السابعة, وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك, يتعبدون فيه, ثم لا يعودون إليه إلى آخر الدنيا أي: في اليوم الثاني يدخله مثلهم، وهكذا في كل يوم يدخله هذا العدد.
قيل: إن هذا من سماء واحدة، وأن في كل سماء بيتا مثل ذلك, والله أعلم. ولكن هذا دليل على كثرة خلق الله تعالى من هؤلاء الملائكة؛ ولذلك سمعنا أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا, ولبكيتم كثيرا, ولما تلذذتم بالنساء على الفرش, ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله .
وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله تعالى على أهوال الآخرة, وكذلك على أحوال الملائكة, وعددهم, وكثرة عباداتهم, وخوفهم من الله, وتعظيمهم له, وتسبيحهم وتكبيرهم, وتهليلهم, وما يتقربون به. فأخبر بأنكم تحتقرون أعمالكم، ولو عملتم ما عملتم، إذا رأيتم عبادة الملائكة ودعاءهم وتسبيحهم وتكبيرهم, فإنكم تحتقرون أعمالكم، وتتصفون بهذه الصفات؛ لا تضحكون إلا قليلا لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا من شدة الهول, ومن عظم الفزع, ومما يتصوره الرائي والعالم من الأهوال في الدار الآخرة أو ما بعد الموت. ولما تلذذتم بالنساء على الفرش لن تتلذذوا بهم. ولخرجتم إلى الصعدات إلى أطراف الأرض وإلى أطراف البلاد تجأرون إلى الله أي: تدعون الله تعالى, وتحمدونه, وتخشونه, وتعملون كما تعمل الملائكة. إذا عرفت أن الملائكة يعبدون الله تعالى في كل الأحوال، وأن هذه عباداتهم.
هذه بعض أوصاف الملائكة, وبيان عددهم, وأنهم لا يحصي عددهم إلا الله، حتى قال بعض العلماء: إن كل قطرة من المطر ينزل معها ملك حتى يضعها في المكان الذي أُمِرَ بأن تقع فيه، ذلك -بلا شك- دليل على كثرتهم. وذلك لا تصل إليه أفهام البشر! تقصر علومنا, وتقصر أفهامنا عن أن نتصور ما هم عليه، وعن أن نتصور كيفيتهم, ومن أي شيء ماهيتهم.
ولكن نتحقق أنهم مخلوقون, وأن الله تعالى أعطاهم القدرة على التشكل؛ ولذلك فإن الملك -ملك الوحي- يتشكل، ينزل تارة في صورة بشر في صورة دحية الكلبي ونحوه وتارة يتمثل في صورة أعرابي, أو ما أشبه ذلك. ومع ذلك فإنه لا يمكن رؤيتنا له على هيئته التي خلق عليها، ولذلك لما أن المشركين تشددوا وطلبوا أن ينزل مَلَكٌ، قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ثم قال: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ فهم تكلفوا: لماذا لَمْ ينزل ملك من السماء علينا؟ أخبر تعالى بأن الله تعالى لو أنزل ملكا لقضي الأمر, ثم لا يؤخرون, بل يعاجلون بالأمر, يعاجلون بالعقوبة. ثم أخبر بأنهم لا يقدرون على أن ينظروا إلى الملك, فلا بد أن الله تعالى يجعله في صورة بشر. يقول الله تعالى أيضا عنهم: قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ثم قال: قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا أي: أن الملك يصير مرسلا إلى الملائكة، وأما البشر فإن الله يرسل إليهم بشرا مثلهم, يتمكنون من مخاطبته, ومن رؤيته, ومن معرفته, ومعرفة ما يبلغه حتى يتم التمكن. هذه سنة الله تعالى في خلقه، فهذا مما يؤمن به المسلم. يتحقق أن ما أخبر الله به, وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الملائكة أنه من الأمور الغيبية التي يؤمن بها, وإن لم يصل إلى تصورها قلبه وفهمه. والآن نستمع إلى القراءة.