يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
فتاوى في المسح
40986 مشاهدة
مقدمة الطبعة الأولى

الحمد لله الذي سهل طريق العبادة، ورفع الحرج عن أهل الأعذار للوصول إلى طريق السعادة، ووفق الصالحين من الخلق لامتثال ما أحبه وأراده. أحمده وأشكره، وأرجو على شكره الزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأؤمل الوفاة على هذه الشهادة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد:
فقد رغب إلي بعض الأخوة الصالحين -ولا نزكي على الله أحدا - أن أجيب على أسئلة مهمة تتعلق بالمسح على الخفاف والجوارب وما يلحق بها، فأجبته إلى ذلك رجاء أن ينفع الله بها؛ وذلك لكثرة الخطأ فيها ووقوع التساهل من كثير من الناس فيما يتعلق بالمسح، مع أن العلماء -رحمهم الله تعالى- قد كفوا غيرهم، وأولوا هذا الموضوع اهتماما كبيرا ، ولكن كلامهم في أثناء كتب الفقه، وهو بأسلوب علمي قد لا يفهمه العامة، فكان من الأولى إفراد الموضوع بكتابة تطبع في رسالة مفردة يسهل حملها مع الراكب والنازل وتوزع على العاملين في مكاتبهم وأماكن تجمعهم؛ رجاء أن يتنبهوا إلى ما يقعون فيه من الخطأ الذي قد يوقع في إبطال الطهارة ثم إبطال الصلاة، وحيث إن الكثير من هذه المسائل يوجد فيها اختلاف قديم وحديث بين المشايخ والفقهاء، فإني أختار ما ترجح عندي بالدليل أو النظر، مستشهدا بكلام العلماء الذين قد أولوا هذا الموضوع عناية واهتماما؛ فإنهم قدوة لمن بعدهم، فقد شهد لهم من بعدهم بالعلم والإدراك وقوة الفهم، وسعة الاطلاع، بحيث بذلوا وسعهم في البحث عن المسائل والوقائع والأدلة، واستنبطوا من النصوص الفوائد، وطبقوا عليها الوقائع فجزاهم الله أحسن الجزاء، وأعظم أجرهم.
ثم إن الإخوة قد صاغوا أسئلة تتعلق بالمسح على الحوائل من الخفاف والجوارب والعمامة والجبيرة ونحوها وقد أجبت على تلك الأسئلة، وأحيانا أعدت صياغتها ورتبتها حسب ترتيب الفقهاء مسائل هذا الباب في كتب الفقه، وأشهرها عند فقهاء هذه البلاد كتاب ( المقنع ) لابن قدامة -رحمه الله- فقد سار من بعده من الحنابلة على ترتيبه غالبا ، واشتهر من الشروح كتاب ( الروض المربع )، شرح مختصر المقنع، وهو أكثر الشروح تداولا بين الطلاب والعلماء، فحرصت على السير على ترتيب مسائله حسب القدرة، وهذا ما وصل إليه الاجتهاد، ولكل مجتهد نصيب.
والله المسؤول أن يعم بنفعه المسلمين وأن يتقبله وأن يرزقنا الاحتساب لما عنده من الثواب، وأن يجزل الأجر لعلماء الأمة الإسلامية إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين