إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
محاضرة بعنوان من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
12247 مشاهدة
فضل الصلاة

ووصية ثانية: وهي داخلة في الوصية الأولى، ألا وهي: الاجتهاد في عبادة الله عز وجل، وذلك لأن الإنسان مخلوق ليعبد الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فإذا علم بأنه خلق للعبادة، وأن وقت العبادة هو وقت هذه الحياة الدنيا؛ فإن عليه أن يجتهد في هذه العبادة التي خلق لها، والتي أمر بها، فإذا اجتهد في ذلك فإنه يكون أهلا للسعادة، وحريا أن يقبل الله منه، وأن يساعده ويعينه، وأن يعظم له الأجر والمثوبة، وأن ييسر له اليسرى، ويجنبه العسرى.
وأقف قليلا عند العبادة فأقول: إن عبادة الله تعالى هي فعل الأوامر وترك النواهي، وإن ربنا سبحانه وعد بالثواب والأجر على من أطاعه بفعل الأوامر، وعلى من أطاعه بترك الزواجر، وأنه يثيب على ذلك، يثيب على الترك كما يثيب على الفعل، فيجتهد المسلم في ذلك كله.
فمن العبادات المحافظة على الصلوات؛ فرضها ونفلها، فإنها عبادة بدنية محضة، وهي من أهم القربات؛ فإذا واظب المسلم على أدائها في مواقيتها، وحرص على أن لا يفوته منها شيء، ثم تقرب إلى الله -عز وجل- أيضا بما يتيسر له من نوافل العبادة؛ تقرب بالرواتب والسنن التي قبل الفرائض وما بعدها، وتقرب بما يتيسر له من قيام الليل التهجد الذي رغب الله تعالى فيه ومدح أهله، وتقرب أيضا بما يتيسر له من صلاة في وسط الضحى وما أشبه ذلك؛ فإنه يعتبر قد أخذ حظا من هذه العبادة التي هي قرة العين للمؤمنين ولنبيهم -صلى الله عليه وسلم- وبذلك يكون قد أخذ حظا من العبادة التي يحبها الله تعالى، والتي تعبد عباده بها.
هذه العبادة فيها عبادة أقوال وعبادة أفعال؛ ففيها عبادة أقوال كالتكبيرات، والتسبيح والقراءة والدعاء، وسائر الأذكار، هذه عبادة أقوال يقولها العبد، ويرجو بقولها ثواب الله سبحانه وتعالى؛ تسبيحه في الركوع والسجود، وثناؤه على الله بعد الرفع من الركوع، ودعاؤه بالمغفرة بين السجدتين، وتكبيراته في التنقل، وقراءته؛ كلها أذكار، وكلها أدعية، وكلها عبادة قولية يثيبه الله تعالى عليها، ويعظم له الأجر.
كذلك العبادات الفعلية التي هي الركوع والسجود، والقيام والقعود، والخضوع فيها والخشوع، وحركات اليدين الذي أمر بهما، وكذلك انشغال بقية البدن؛ لا شك أن هذا كله من العبادات التي يحبها الله تعالى، وجعلها مظهرا لعباده، مظهرا من مظاهر العبادة، فإذا واظب العبد عليها اعتبر قد فعل فعلا يحبه الله تعالى.