الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
محاضرة بعنوان من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
12270 مشاهدة
فضل مجاهدة النفس

لا شك أن مجاهدة النفس قد تعتبر جهادا كبيرا، كما ورد أن أقوى الجهاد جهاد النفس، فمثلا نفس الإنسان تنازعه إلى فعل الحرام؛ سيما إذا رأى المحرمات منتشرة أو رأى وسائلها فإن نفسه تنازعه، سيما إذا كان شابا ،وكان عنده قوة وعنده فراغ، وهناك دوافع كثيرة؛ فإنه بلا شك تندفع نفسه إلى فعل الفاحشة.
إذا شاهد النساء مثلا متكشفات، أو شاهد صور النساء في الصحف وفي المجلات متبرجات، أو شاهد صورهن أيضا في الأفلام أو في الأجهزة التي تبث الشرور بواسطة قنوات فضائية والدشوش ونحوها؛ لا شك أنه إذا شاهد هذه المنكرات والدوافع اندفعت نفسه إلى فعل الفاحشة؛ إلى الوطء بأية وسيلة، فإذا جاهد نفسه وقوي عليها فإن ربه سبحانه يثيبه على هذه المدافعة، لأنه يمسك زمام نفسه ويقهرها، ويقوى على مقاومتها؛ فيعطيه الله أجرا على هذه المجاهدة، فلذلك إذا وضعها في حرام يعني زنا كان عليه وزر، وإذا وضعها في حلال كان له أجر، إذا وضعها في حرام كان عليه وزر، وإذا فطم نفسه عن الحرام كان له أجر.
كذلك أيضا حرم الله تعالى الغناء، وأمر باستماع القرآن، فالذين يستمعون القرآن ويتلذذون بسماعه لهم أجر، والذين يستمعون الغناء ويتلذذون بسماعه عليهم وزر، والذين تندفع أنفسهم إلى سماع الغناء واللهو والسهو ونحوهم، وتحب نفوسهم ذلك وتتمناه؛ فإذا جاهدوا أنفسهم وقدروا على قمعها كان لهم أجر على هذا الأمر، الذي هو جهاد الأنفس؛ النفس إذا أقمعت تاقت، فإن النفس كالطفل، يقولون إنها: فإن أقمعت تاقت وإلا تسلت:
وما النفس إلا حيث يجعلها الفـتى
فـإن أقمعـت تـاقت وإلا تسـلت
فإذا قطع طمع نفسه عن هذا السماع، وقال إن هذا مما حرمه الله، فكيف مع ذلك أقدم على فعل شيء محرم. فإن الله تعالى يثيبه على هذا الفعل الذي هو حماية نفسه.
ونجمل بقية المحرمات لأنها ظاهرة فنقول: يثاب الإنسان على ترك النظر في الأفلام الخليعة، ويثاب على ترك شرب المسكرات، وعلى ترك شرب الخمور ونحوها؛ يثيبه الله على ترك شرب الدخان، يثيبه على ترك الغيبة والنميمة، يثيبه على ترك السخرية والاستهزاء؛ إذا ترك ذلك احتسابا وخوفا من العذاب، كذلك يثيبه على ترك اللهو واللعب، وعلى ترك قتال المسلمين وإيذائهم، إذا ترك ذلك كله خوفا من عذاب الله تعالى ورجاء لثوابه؛ فننتبه لهذه الوصية؛ التي هي الوصية بكثرة عبادة الله عز وجل، والإتيان بما يستطيعه.