أهل الحسبة
غربة الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلام عليكم أيها الإخوة ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، وحياكم الله بهذا المكان المبارك، وفي هذا الاجتماع الطيب، وحيا الله هذه الوجوه الطيبة، التي جمعها التحابّ في ذات الله، وجمعها التآلف الذي ربط الله به بين المسلمين، الأخوة الإيمانية الدينية رسم> فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا قرآن> رسم> .
أيها الإخوة! نحن في زمان الغربة، تحقق ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: رسم> بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء متن_ح> رسم> وسئل عن الغرباء فقال: رسم> هم النزاع من القبائل متن_ح> رسم> أو رسم> الذين يصلحون عند فساد الناس متن_ح> رسم> أو رسم> الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي متن_ح> رسم> أو رسم> الذين يفرون بدينهم من الفتن رسم> .
إنما النزاع من القبائل أي: أن من كل قبيلة فردا أو فردين، وبقية القبيلة ليسوا من هؤلاء الغرباء، وسموا غرباء؛ لأن أحدهم غريب بين الناس، يرى كأنه ليس من الناس، الناس في واد وهو في واد، جمهور الناس وأكثريتهم متوسعون في أمور دنياهم، ومنهمكون في شهواتهم وفي شغلهم ولهوهم.
والصالح منهم والمتمسك يرى مثل الشعرة في جلد البعير، الأكثرية من الناس هم الذين قد تغيروا عن ما كان عليه أسلافهم وآباؤهم وأجدادهم إلا من شاء الله.
ومعنى قوله: رسم> وسيعود غريبا متن_ح> رسم> أنه سيصبح الإسلام غريبا، وسيصبح أهله غرباء.
وقد تحققت هذه الغربة منذ زمان؛ قد روي عن الإمام أحمد اسم> -رحمه الله- أنه قال: ما أغرب السنة! وأغرب منها من يعرفها!
فهذا في زمن الإمام أحمد اسم> الذي هو في أحد القرون الثلاثة المفضلة، فكيف بما بعده؟
وقد ذكروا أن بعض التابعين دخلوا على أنس اسم> -رضي الله عنه- واشتكوا إليه ما يلقون من الحجاج بن يوسف اسم> من الأذى، فقال: رسم> اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم- متن_ح> رسم> .
وقد تحكم الغربة وتشتد في زمان، ثم تنحل بإذن الله ويتسع الأمر، ولكن الغالب والأكثر هو استحكامها إلا من شاء الله؛ ففي زمن أول القرن الرابع عشر الماضي حدث مثل هذه الغربة أو أشد؛ حيث ذكر الشيخ سليمان بن سحمان اسم> -رحمه الله- أنهم لما كانوا في ولاية آل رشيد منعوا من إظهار الخير، ومنعوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر كل أحد منهم أن يقتصر على نفسه، وفي ذلك أنشأ قصيدة ميمية منشورة في ديوانه، وذكر فيها ما يلاقيه أهل ذلك الزمان من غربة الدين فيقول فيها:
على الدين فليبك ذوو العلم والهدى | فقـد طمست أعلامه في المعـالم |
وقد صار إقبـال الورى واحتيالهم | على هذه الدنيا وجـمع الدراهم |
يعادون فيها بل يوالون أهلهـا | سواء لديهم ذو التقى والجـرائم |
إذا انتقص الإنسان منها بما عسى | ...... ذخـرا أتــى بالعظـائم |
وأبدى تعاجيبا من الحزن والأسى | على قلة الأنصار من كـل فاهم |
فأني على الدين الحنيفي والهـدى | وملة إبـراهيم ذات الدعـــائم |
فليس عليهـا بعد أنتم معارفـها | من الناس من باك وآس ونـادم |
وهكذا أيضا في زمن الشيخ الحافظ الحكمي اسم> -رحمه الله- أظن أنه مات سنة سبع وسبعين من القرن الرابع عشر، أي بعد الثلاثين والألف ومع ذلك ظهرت في زمنه أيضا الغربة، يعني: استغرب ما وقع فيه الناس في زمانه، وأين هو من زماننا!
فله قصيدة دالية يقول فيها:
ولا نصيح لعصري مـن يفوه بنا | يناقض الشـرائع إيــاه يعتمـد |
ورتبـوا هنـاك فـي الأفهام.. | أين الطبيعة يا مخبول إذ وجدوا |
وما لزلاتهـم ورد على صدري | وما لمعتنقيها في الفلاح يـد |
قد يدخلون بها عاداتهم وسجاياهم | وحكم طواغيت لهـم فرضـوا |
محسنين لها كيما تروج علـى | عمي البصائر ممن فاتـه الرشد |
من أجل ذلك قـد أضحى زنادقة | كثيرهم لسبيل الغي قد قصـدوا |
يرون أن تضرب الأنثى بزينتها | وبيعهـا البضع تأجيل وتنتقـد |
على صحائفهم يا صاح قد عكفوا | ولو قرأت كتاب الله ما سجـدوا |
وعن تدبر حكم الشرع قد صُرفوا | وفي المجلات كل الذوق قد وجدوا |
وللشوارب أعفوا واللحى نتفـوا | تشبها ومجاراة ومـا اتــأدوا |
ثقافة ..... سـاء مـا ألفـوا | حضارة من مروج هم لها قصدوا |
عصرية عصرت خبزا فحاصلهـا | سم نقيع فيـا ................ |
يا غـربة الدين والمستمسكون به | كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد |
يا غـربة الدين والمستمسكون به | كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد |
وذكر أن أحدهم، المتمسك بالسنة كقابض الجمر رسم> كالقابض على الجمر متن_ح> رسم> هذا في زمان الغربة رسم> المستمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد رسم> .
ففي هذه الأزمنة علينا أن نحتسب حتى نكون من هؤلاء الذين وصفوا بأنهم الغرباء، الذين يصلحون عند فساد الناس، أو الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، أو الذين يفرون بدينهم من الفتن.
مسألة>