جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
الفتاوى الرمضانية
36024 مشاهدة print word pdf
line-top
ترديد آيات الرحمة وآيات العذاب للتدبر

السؤال:-
   بعض أئمة المساجد يرددون آيات الرحمة وآيات العذاب ثلاث مرات، أو أربع مرات، أو أكثر بقصد الخشوع، وإبكاء المصلين فما مدى موافقة ذلك للسنة؟ وهل أثر عن السلف ؟ وهل كانوا يقتصرون على البكاء في آيات الجنة والنار أم الدليل يفيد ما هو أعم من ذلك ؟ وما هي نصيحتكم للأشخاص الذين يبكون عند الدعاء ولا يبكون عند سماعهم الآيات؟
الجواب:-
     يجوز ترديد الآية للتدبر، قال النووي في التبيان: (عن أبي ذر ) قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم، بآية يرددها حتى أصبح ، والآية: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ رواه النسائي وابن ماجه وعن تميم الداري ) أنه كرّر هذه الآية حتى أصبح: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وذكر أن أسماء -رضي الله عنها- كرّرت قوله تعالى: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ طويلا ، وردّد ابن مسعود رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا وردد سعيد بن جبير وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ وردد -أيضا - فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وردد أيضا : مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ      وكان الضحاك إذا تلا قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ رددها إلى السحر. اهـ.
 ومن هذه الآثار يعلم أن القارئ يردد هذه الآيات الوعظية لتأثره بها. وليس لتأثيرها في غيره، ولكن لا مانع من الأمرين.
     وأما البكاء عند سماع القرآن فهو صفة العارفين، وشعار الصالحين، كما قال تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (الإسراء:109) .
    وقد ورد في الحديث: اقرأوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وكان عمر إذا قرأ في الصلاة يبكي، حتى تسيل دموعه على ترقوته، وحتى يسمع بكاؤه من وراء الصفوف .
     وثبت في الصحيح أن ابن مسعود قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، من أول سورة النساء إلى قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال: حسبك الآن. قال: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .
     وكان عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- كثير البكاء، وكان في خديه خطّان من البكاء، وقال أبو رجاء رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع، والآثار في هذا كثيرة، يعلم منها أن بكاء السلف كان عند سماع القرآن، ولكن كانوا -أيضا - يبكون عند سماع المواعظ، ففي حديث العرباض قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون الحديث.
     فينبغي الخشوع والبكاء أو التباكي، عند سماع آيات التخويف، وآيات العذاب، وكذا عند المواعظ التي تشتمل على تذكير وتنبيه، سواءً كانت من الأدعية أو الأدلة، وينبغي أن يُعلم أن البكاء هو أثر الخشوع، وحضور القلب، وأثر التفكر والتأمل لما يسمعه من الآيات التي تتعلق بالآخرة، سواء في ذكر الجنة والنار، أو ذكر الموت وما بعده، أو ذكر العقوبات والمثلات الدنيوية، وكذا ما تشتمل عليه الأدعية في القنوت أو غيره من ذكر الرغبة والرهبة، والإلحاح في الطلب، فمتى أحضر السامع قلبه، وتدبر معاني ذلك، رق قلبه ودمعت عيناه، وليس ذلك خاصا بدعاء القنوت؛ بل يعم كل ما اشتمل على الوعظ والتخويف من المسموعات والمرئيات، والله المستعان.

line-bottom