شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
اللقاء المفتوح
6975 مشاهدة
التوبة إلى الله تعالى

كذلك أيضا من الأعمال الصالحة في هذه الأيام، التي يرجى مضاعفتها: التوبة إلى الله تعالى، التوبة من السيئات، والإقلاع عن الخطايا والْمُحَرَّمات؛ وذلك لأنها في هذه الأيام يكون الذنب فيها أعظم؛ الذي يُذْنِبُ في هذه الأيام ذنبه أكبر؛ أكبر مما لو كان في غيرها؛ وذلك لأنه تَهَاوَنَ بمحارم الله، وتهاون بالأيام الفاضلة، وبَدَل ما يجعلها في الطاعات جعلها في المحرمات؛ جعلها في المعاصي والمخالفات؛ فكان ذلك سببا في أنها تعظم العقوبة عليها؛ فلأجل ذلك نتواصى بالتوبة؛ التوبة من كل السيئات. كل مَنْ كان يعمل عملا سيئا؛ فإن عليه أن يُقْلِعَ عنه، وأن يتوب. فمن كان يتكاسل عن صلاة الجماعة عليه أن يتوب؛ عليك أن تتوب وأن تحافظ عليها، وأن تُعَاهِدَ ربك على ألا تتخلف عنها في بقية حياتك؛ فالتوبة معناها التزام الطاعة، والاستمرار عليها، وعدم التفريط، وعدم التلاهي، وعدم الإهمال؛ هذا هو حقيقة التوبة.
كذلك أيضا الذي يُفَرِّطُ في عمره؛ عليه أن يتوب، إذا كان مثلا يُضَيِّعُ أوقاته في القيل والقال، وفي اللهو واللعب؛ فإنَّ عليه أن يتوب توبةً صادقةً حتى يَقْبَلَ اللَّهُ تعالى منه، وحتى يضاعف له حسناته.
وهكذا أيضا بقية المعاصي يتوب منها توبة صادقة؛ فإن كان يشرب الدخان عليه أن يتوب، ويُقْلِعَ عنه؛ وذلك لأنه ذنب كبير الإصرار عليه؛ لأنه مُضِرٌّ بالصحة، ومُضِرٌّ ومتعب بالبدن وبالمال.
كذلك أيضا الذي يتعاطى المخدرات؛ هي أيضا من المصائب، ومن البلايا التي ابتليت بها هذه الأمة، والتي هي من كَيْدِ العدو؛ أعداء المسلمين أرسلوا إليهم هذه الأسلحة الفتاكة التي تقضي على معنوياتهم؛ فيتوب المسلم الذي يتعاطاها، ويحفظ بدنه، ويحفظ عقله، ويحفظ ماله، ويترك ما حَرَّمَ الله عليه.
وهكذا أيضا الذي يتعاطى شيئا من المحرمات؛ كالمسكرات؛ الخمور وما أشبهها، وكذلك الأفيون، والقات، وما أشبهها؛ كل هذه من المحرمات، بل من المهلكات التي تقضي على المعنويات؛ إذا تاب منها العبد قَبِلَ الله تعالى توبته، وغفر له.
كذلك أيضا يتوب من المعاملات المحرمة، المعاملات المحرمة؛ أخذ رشوة على أمر من الأمور. إذا كان الإنسان في عمل، فلا يأخذ الرشوة: لعن الله الراشي والمرتشي كذلك المعاملات الربوية: لعن الله آكل الربا وموكله كذلك أيضا: النكاح الْمُحَرَّم؛ يعني: النكاح المحرم مثل الزنا- والعياذ بالله- ومقدماته وما أشبهه؛ كفاحشة اللواط، وكذلك أيضا من المحرمات في هذا النظر إلى العورات؛ النظر إلى النساء المتبرجات، وكذلك تبرج النساء، ونظرهن إلى الرجال نَظَرَ فتنةٍ؛ فإن هذا أيضا من المحرمات، وقد أمر الله تعالى بغض البصر في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ يغضوا من أبصارهم وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وذلك لأن إطلاق النظر في العورات سبب في الفتنة، وسبب في الوقوع في المحرمات؛ فعلى الإنسان أن يتوب من هذا النظر المحرم، وكذلك يتوب من تعاطي الأنكحة المحرمة، وهي كثيرة؛ كنكاح المتعة؛ أن يتزوجها إلى أجل، وكذلك نكاح الشغار؛ أن يتزوج بقول..: زَوِّجْنِي وأُزَوِّجُكَ؛ لا أُزَوِّجُكَ حتى تُزَوِّجَنِي! هذا الشغار، وكذلك نكاح التحليل، وهو أن يتزوجها حتى يُحَلِّلَهَا لزوجها الذي طلقها، ثم بعد ذلك يفارقها، ويُسَمَّى التيس المستعار!. إذا قال له صاحبه: إني أسفت على طلاق امرأتي ولا تحل لي إلا بعد زوج؛ فَتَزَوَّجْهَا وإذا دخلت بها ووطئتها فطلقها. نقول: إن هذا من المحرم.
كذلك أيضا الأموال الْمُحَرَّمة كأكل الربا الذي لُعِنَ فاعله: لعن الله آكل الربا ومُوكِلَهُ كذلك السرقة. جاء في الحديث: لعن الله السارق يسرق الحبل فَتُقْطَعُ يده، ويسرق البيضة فَتُقْطَعُ يده ؛ فيدل على أنه فعل جُرْمًا، وعمل عملا مُحَرَّمًا؛ فيتوب الإنسان من ذلك كُلِّهِ.
ويحافظ أيضا على الأعمال المتعدية، فَيَبَرُّ أَبَوَيْهِ، يحسن صحبتهما؛ كما في قول الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ويترحم أيضا على أقاربه؛ يصل أقاربه الذين هم ذوو الرحم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يُبْسَطَ له في رزقه، ويُنْسَأَ له في أجله؛ فَلْيَصِلْ رحمه ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القطيعة ؛ قطيعةِ الرحم، وقال: لا يدخل الجنة قاطعُ رَحِمٍ وقال: لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطِعُ رَحِمٍ يعني: الذي يَهْجُرُ أقاربه ويقاطعهم، ولما سمع رجل من التابعين هذا الحديث قام مسرعا، وكانت له خالة قد هجرها؛ فجاء إليها وصالحها، وذلك دليل على أن السلف رحمهم الله كانوا حريصين على أن يعملوا الطاعات، وعلى أن يتركوا المحرمات.
فنتواصى بأن نعمل هذه الأعمال الصالحة؛ حتى تضاعف لنا أعمالنا في هذه الأيام العشر. من تاب إلى الله تعالى قَبِلَ الله تعالى توبته، وَوَفَّقَهُ في بقية حياته إلى الأعمال الصالحة؛ فيبادر المسلم على اغتنام هذه الأيام التي ما بقي منها إلا أربعة أيام أو نحوها، وكذلك ما بعدها من الأيام. فإذا حفظ أوقاته، وحافظ على عمره، وعَمَرَهُ بالطاعة رُجِيَ أن الله يغفر له ويتقبل عمله، ورجي أن أعماله الصالحة تكون مضاعفة؛ يحصل من آثارها مغفرة الذنوب، ورفع الدرجات، وتكفير الخطايا.