(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
تفسير آيات النكاح من سورة النور
26766 مشاهدة
محبة الله ورسوله

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن .. أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وقوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ .
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين أخرجاه.
ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار وفي رواية: لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى إلى آخره .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا. رواه ابن جرير .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ قال: المودة.


هذا الباب يتعلق بالشرك في المحبة، وبيان أن المحبة عبادة، ويراد بها المحبة القلبية، وأنها لا يجوز أن يشرك فيها مع الله غيره.
جعل الباب على هذه الآية الكريمة في سورة البقرة، وقد ذكر الآية أيضًا كدليل على تفسير التوحيد في الأبواب المتقدمة في أول الكتاب.
فقول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يقول المؤلف في المسائل في أول الكتاب: فدل على أنهم يحبون الله حبًا شديدًا ولم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحبهم أقوى أو أكثر من حب الله؟! فكيف بمن أحب الند وحده ولم يحب الله؟!
أخبر تعالى عن هؤلاء أنهم يحبون أندادهم كحبهم لله يحبون أندادًا: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ؛ أي يحبونهم كحبهم لله أي حبهم لله وحبهم للأنداد على حد سواء.
فجعلهم الله تعالى مشركين، وسماهم أندادًا، والأنداد هو الشرك، قال الله تعالى في أول سورة البقرة: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي لا تجعلوا له ندًا. الند هو الشبيه والمثيل.
فإذا اتخذوا أندادًا في المحبة فقد أشركوا، وإذا اتخذوا أندادًا في التعظيم فقد أشركوا، وإذا اتخذوا أندادًا في التقرب إليهم فقد أشركوا، ولكن هذه الآية فيها التنديد في المحبة: أي لا تجعلوا لله ندًا في المحبة، بل اجعلوا محبتكم لله تعالى وحده؛ أي المحبة القلبية، ولا تصرفوا منها شيئًا لمخلوق فتعظمونه كما تعظمون الله، وذلك بلا شك مما يجعلكم مشركين قد جعلتم لله أندادًا في المحبة.
ثم قوله تعالى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه قيل المراد: يحبونهم كحبهم لله؛ أي حبهم لله وحبهم للأنداد على حد سواء، وقيل: يحبون الأنداد كالحب الذي يجب لله؛ أي يصرفون المحبة للأنداد وهي حق الله، فالواجب عليهم أن يحبوا الله تعالى ولكن صرفوا محبتهم لتلك الأنداد؛ أي كالحب الذي يجب أن يصرفوه ويجعلوه لله تعالى.
قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ؛ أي أن المؤمنين أشد حبًا لله من هؤلاء، قيل: المراد أشد حبًا لله من المنددين لأندادهم؛ وذلك لأن المؤمنين يحبون الله تعالى لأنه معبودهم وربهم، وهؤلاء يحبون الأنداد لأنها في زعمهم تنفعهم، ولاشك أن محبة الله الذي هو ربنا وخالقنا والذي هو المعطي والمانع أقوى عند أهل الإيمان الصادق من محبة هؤلاء لأندادهم.
وقيل: إن المراد أشد حبًا لله من هؤلاء لله؛ لأنهم يحبون الله، ومحبة المؤمنين لله أقوى من محبتهم لله؛ وذلك لأن محبة المؤمنين خالصة ليس معها شيء يخالطها، وأما محبة أهل الأنداد فإنها مشتركة؛ لأن أندادهم قد أخذت جزءا منها، والمحبة الخالصة أقوى من المحبة المشتركة.
فالحاصل أن في هذا دليل على أن الله تعالى هو الذي يجب على المؤمنين أن يحبوه بكل قلوبهم، وألا يصرفوا شيئًا من المحبة لغيره المحبة القلبية المحبة السرية.
معلوم أن الإنسان قد يحب من أحسن إليه ولكن لا يصل به ذلك الحب إلى أن يصرف له حق الله تعالى من التعظيم والاحترام والعبادة والتذلل وما أشبه ذلك.