شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
تفسير آيات النكاح من سورة النور
22028 مشاهدة
معوقات الزواج


لم يذكر في الآية المال..ولم يقل: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ بل ذكر الله أنهم قد يكونون فقراء: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ولم يذكر في الحديث المال أيضا لم يقل: إذا أتاكم من معه مال، أو من له دخل كبير أو صغير، بل أمر بأن يزوج إذا كان مرضيا في خلقه وفي دينه وفي أمانته، ولو كان فقيرا.
وأخبر بأنهم قد يغنيهم الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعد من الله سبحانه أن يغنيه إذا كان فقيرا، وتزوج لأجل أن يعف نفسه، وقد ورد في حديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المتزوج يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء .. إلى آخر الحديث.
فالحاصل أن من كان راغبا في النكاح محبا له، وليس معه من المال السعة الذي يدفعها مهرا للصداق، ولكن الله تعالى قد وعده بأن يغنيه؛ فإن على الولي أن يزوجه، وعليه أيضا أن يتقدم للطلب أي للنكاح.
كثير من الشباب يتأخر في الزواج، ويقول: لا أتزوج حتى أكون نفسي، هكذا يعبرون أو نحو ذلك. كيف تكون نفسك؟ يقول: حتى أجمع مالا أدفعه كمهر، وحتى أؤمن لي سكنا، وأؤمن لي دخلا، وأؤمن لي وسيلة نقل وما أشبه ذلك؛ فيبقى يتم عمره عشرين وثلاثين وفوق الثلاثين وربما إلى الأربعين، وهو يجمع نفسه.
وهذا يتعرض بلا شك للأخطار؛ وذلك لأنه يرى أسباب الفتن ودواعيه، فعنده الغلمة وقوة الشهوة -غالبا تكون في الشباب، وهي مما تدفع إلى فعل الفواحش، وهناك المغريات إذا دخل الأسواق رأى النساء، فقد يراهن متجملات بلباس ظاهره الفتنة، فقد يبدين شيئا من زينتهن كأيديهن وأسورتهن وأعينهن ونحو ذلك، وهذا أيضًا من الدوافع إلى فعل المنكر، ومن الدوافع إلى الفواحش.
وكذلك أيضا هناك المغريات الأخرى إذا نظر مثلا في الصور الفاتنة التي مرسومة في الصحف وفي المجلات، أو نظر إليها مثلا في الأفلام أو في الشاشات؛ فإن هذه دوافع، فكيف مع ذلك يبقى على هذا الفعل؟ كيف يبقى على هذا التأخر وهو يشاهد هذه المغريات؟
فبلا شك أن عليه أن يبحث عن أسباب النكاح، ولعل الله تعالى أن يرزقه كما وعده بذلك: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وهذا وعد من الله تعالى: أنه إذا تزوج فإن الله تعالى يغنيه من فضله إذا كان قصده أن يعف نفسه، وأن الله يفتح عليه ويوسع له، وهذا واقع ومشاهد أن الكثير الذين تزوجوا وهم فقراء أغناهم الله عز وجل ورزقهم ووفقهم.
كذلك أيضًا الكثير من الذين يتزوجون في سن مبكرة أي في سن العشرين ونحوها، إذا تزوج وهو ليس له دخل ثابت أو دخله قليل، فإنه أيضًا لا يريد الأولاد، بل يعالج حتى لا يولد له، لماذا؟ يقول: دخلي لا يكفي أولادًا إنما يكفيني ويكفي امرأتي، فلا أريد أولادًا؛ فيتعاطى موانع من الحمل أو نحوه، وهذا أيضًا من الخطأ، الله تعالى يقول وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ فالله تعالى هو الذي تكفل برزق الأولاد وهو لا يخلف الميعاد.
وقد تكفل الله سبحانه برزق الجميع حتى الدواب قال الله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ أخبر بأنه هو الذي يرزق الجميع.
ويقول تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ؛ يعني جميع الدواب أي كل ما يدب على الأرض من إنسان أو من حيوان، وإذا ضاق العيش على أحد فإن ذلك لسبب ثم إن الله سبحانه يوسعه.
فعرف بذلك أنه لا يجوز تأخير الزواج لأجل الفقر، فقد وعد الله تعالى بالسعة في قوله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا وعد بهذا الوعد وهو لا يخلف الميعاد أنه يجعل بعد عسر يسرا وبعد الشدة فرجا.
فإذا تقدم خاطب إلى امرأة ولها ولي فلا يقول ذلك الولي أو تقول تلك المرأة: إن هذا فقير وإنه ليس له دخل كيف نتزوجه؟ من أين ينفق ومن أين يكسو ومن أين يسكن ومن أين ومن أين؟
الجواب ثقوا بوعد الله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فإن هذا وعد الله والله صادق الوعد.
كذلك أيضا لاشك أن الخطاب إنما هو فيمن هم أهل أن يزوجوا؛ لقوله: إذا آتاكم من ترضون دينه وأمانته -يعني أنه كفء كريم- فزوجوه ولم يشترط فيه شرطا.
فالكثير من الناس يقعون في إضرار الموليات وإضرار الإناث بأشياء عادات ليس لها أصل في الشرع، فبعضهم يقول: لا أزوج الأباعد. ابنتي أو بناتي أوقفهن أو أحبسهن على أقاربي على بني إخوتي وعلى بني أعمامي وعلى أسرتي وقبيلتي، ولا أزوج غيرهم؛ حتى لا تذهب ابتني ومنفعتها -لغيرها- لغير أقاربي أو نحو ذلك.
وهذا أيضًا من الخطأ يسبب ترمل وتأيم كثير من الإناث وبلوغهن العشرين والثلاثين وفوق ذلك لم يتزوجن بسبب هذه الشروط ونحوها بسبب تحجره...
كذلك أيضًا الكثير من الناس إذا علم ابنته وتعلمت ثم حصلت على وظيفة كتدريس أو غيره من الوظائف وكان لها دخل شهري ومرتب، يمنعها أيضًا من الزواج، ويقول: أنا الذي تعبت عليها وأنا الذي علمتها وأدبتها وأنفقت عليها، فإذا زوجتها كان دخلها لغيري كان هذا الزوج الأجنبي هو الذي يأخذ منفعتها ويتمتع بمرتبها وبدخلها وما أشبه ذلك.
أو يشترط عليه شرطًا ثقيلًا وهو أن يكون ليس لك أن تحاسبها على شيء من دخلها أو ما أشبه ذلك مع أنها قد تصلح مع زوجها وتناسبه؛ فلذلك هذا أيضًا من الخطأ، بل إذا صلحت مع زوجها على أن تنفق على نفسها أو تنفق على بيتها وعلى أولادها أو ما أشبه ذلك، فلا يمنعها وليها ولا يمنعها أيضًا زوجها أن تعطي أهلها من دخلها أو ما أشبه ذلك.
كذلك أيضًا من العوائق التي تعوق كثيرًا من الإناث عن الزواج اشتراط أوليائهن شروطًا ثقيلة على من تقدم عليهم.
نحن نقول: الشروط في النكاح جائزة وعليه أن يوفي بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ولكن كونه يشترط عليه صداقًا ثقيلًا كمائة ألف أو مائتين سيما إذا كان من غير أسرته وقبيلته، هذا مما ينفر الناس عن أن يتقدموا إليه ويحملهم على أن يذهبوا إلى غيره.
وكذلك اشتراطه ألا يسافر بها أو ألا يمنعها من كذا وكذا أو ما أشبه ذلك، فإن هذه الشروط مما تعطل النساء ويبقين في المنازل عشرات السنين وقد ييأسن من النكاح، وبكل حال فإن الله سبحانه وتعالى أمر بالتزويج: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ .