لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
تفسير آيات النكاح من سورة النور
26744 مشاهدة
شرك المحبة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن .. أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وقوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ .
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين أخرجاه.
ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار وفي رواية: لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى إلى آخره .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا. رواه ابن جرير .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ قال: المودة.


هذا الباب يتعلق بالشرك في المحبة، وبيان أن المحبة عبادة، ويراد بها المحبة القلبية، وأنها لا يجوز أن يشرك فيها مع الله غيره.
جعل الباب على هذه الآية الكريمة في سورة البقرة، وقد ذكر الآية أيضًا كدليل على تفسير التوحيد في الأبواب المتقدمة في أول الكتاب.
فقول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يقول المؤلف في المسائل في أول الكتاب: فدل على أنهم يحبون الله حبًا شديدًا ولم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحبهم أقوى أو أكثر من حب الله؟! فكيف بمن أحب الند وحده ولم يحب الله؟!
أخبر تعالى عن هؤلاء أنهم يحبون أندادهم كحبهم لله يحبون أندادًا: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ؛ أي يحبونهم كحبهم لله أي حبهم لله وحبهم للأنداد على حد سواء.
فجعلهم الله تعالى مشركين، وسماهم أندادًا، والأنداد هو الشرك، قال الله تعالى في أول سورة البقرة: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي لا تجعلوا له ندًا. الند هو الشبيه والمثيل.
فإذا اتخذوا أندادًا في المحبة فقد أشركوا، وإذا اتخذوا أندادًا في التعظيم فقد أشركوا، وإذا اتخذوا أندادًا في التقرب إليهم فقد أشركوا، ولكن هذه الآية فيها التنديد في المحبة: أي لا تجعلوا لله ندًا في المحبة، بل اجعلوا محبتكم لله تعالى وحده؛ أي المحبة القلبية، ولا تصرفوا منها شيئًا لمخلوق فتعظمونه كما تعظمون الله، وذلك بلا شك مما يجعلكم مشركين قد جعلتم لله أندادًا في المحبة.
ثم قوله تعالى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه قيل المراد: يحبونهم كحبهم لله؛ أي حبهم لله وحبهم للأنداد على حد سواء، وقيل: يحبون الأنداد كالحب الذي يجب لله؛ أي يصرفون المحبة للأنداد وهي حق الله، فالواجب عليهم أن يحبوا الله تعالى ولكن صرفوا محبتهم لتلك الأنداد؛ أي كالحب الذي يجب أن يصرفوه ويجعلوه لله تعالى.
قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ؛ أي أن المؤمنين أشد حبًا لله من هؤلاء، قيل: المراد أشد حبًا لله من المنددين لأندادهم؛ وذلك لأن المؤمنين يحبون الله تعالى لأنه معبودهم وربهم، وهؤلاء يحبون الأنداد لأنها في زعمهم تنفعهم، ولاشك أن محبة الله الذي هو ربنا وخالقنا والذي هو المعطي والمانع أقوى عند أهل الإيمان الصادق من محبة هؤلاء لأندادهم.
وقيل: إن المراد أشد حبًا لله من هؤلاء لله؛ لأنهم يحبون الله، ومحبة المؤمنين لله أقوى من محبتهم لله؛ وذلك لأن محبة المؤمنين خالصة ليس معها شيء يخالطها، وأما محبة أهل الأنداد فإنها مشتركة؛ لأن أندادهم قد أخذت جزءا منها، والمحبة الخالصة أقوى من المحبة المشتركة.
فالحاصل أن في هذا دليل على أن الله تعالى هو الذي يجب على المؤمنين أن يحبوه بكل قلوبهم، وألا يصرفوا شيئًا من المحبة لغيره المحبة القلبية المحبة السرية.
معلوم أن الإنسان قد يحب من أحسن إليه ولكن لا يصل به ذلك الحب إلى أن يصرف له حق الله تعالى من التعظيم والاحترام والعبادة والتذلل وما أشبه ذلك.