اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
shape
جمل رفيعة حول كمال الشريعة
12940 مشاهدة print word pdf
line-top
حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات

وهكذا جاء الشرع الشريف مرغِّبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفّر من قرناء السوء، ورغّب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر، كما أن القصد الأعلى من هذا الاختلاط نصحهم عموما، وهدايتهم إلى سبل السلام، ودلالتهم على كل ما يعود عليهم بمصلحة في دينهم ودنياهم، وإعانتهم على البر والتقوى، وأمرهم بكل معروف ونهيهم عن المنكرات شرعًا وعرفًا.
وهكذا جاءت الشريعة بالشفقة على الخلق ورحمتهم؛ وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله، وشُبِّهُوا بالبنيان يشد بعضه بعضا، وكان من آثار ذلك قضاء حوائجهم، وتفريج كرباتهم، وكل ما فيه جلب الراحة والطمأنينة لهم، مع الحرص على إزالة الوهن، والتقاطع الذي يحصل بينهم؛ لتصفو القلوب وتحصل لهم راحة النفس في هذه الحياة.
وكذا على بِرّ مَن له زيادة حق لقرابة أو جوار، فأمر ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وصدق المؤاخاة، والشفقة على الأولاد، وما يتبع هذا البر والإحسان من نفقة ومواساة، وإيثار وطاعة وخدمة بقدر المستطاع.
كما حذر أشد التحذير من الإساءة إلى الوالدين وعصيانهما، وقطيعة الرحم، بل أخبر بأن من وصل الرحم وصله الله، ومن قطعها قطعه الله.
كما أمر الإنسان بالصبر على ما يناله من جفوة أقاربه وإساءتهم، وأخبر بأن حق الأبوين لا يسقط ببقائهما على الكفر، فأمر بصحبتهما بالمعروف، ولكنه نهى عن التنزل على رغبتهما في الرجوع إلى الشرك؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وجعل العقوق في المرتبة التي تلي الشرك بالله، وألحق به من يتسبب إلى جلب الشتم والمسبة لأبويه، وأخبر بأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم، وحذر من التهاجر بين المسلمين لأجل الحظوظ الدنيوية؛ لما ينتج عنه من تفرق الكلمة واختلال الأمن وفقدان الثقة بين المسلمين.
ولما كان هناك -غالبا- أفراد في المجتمع يستحقون زيادة عطف وإحسان لأسباب خاصة، فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على برهم ورحمتهم والشفقة عليهم، وحثِّهم أنفُسَهم على الرضا والاستسلام بما قدره الله لهم، وما أصابهم من نقص وعاهة، كما ورد في الحديث: إن أهل الجنة كل ضعيف متضعف وأن عامة من دخل الجنة هم المساكين، وقال -صلى الله عليه وسلم- رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره .
وحث على كفالة اليتيم ورعايته والرفق به، وعلى مراعاة المساكين والمستضعفين، والتفطن لأحوالهم والصدقة عليهم، وتخفيف ما يجدونه من ضيق وشدة وهم وحزن، وجعل الجزاء من جنس العمل في ذلك، ففي الحديث: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ونهى الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن طرد المستضعفين من مجلسه، وأمره بالصبر معهم في قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ولما رأى بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- أن له فضلا على من دونه قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم وكل هذه الخصال من شعائر الإسلام.

line-bottom