إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
درس الآداب والأخلاق الشرعية
8199 مشاهدة print word pdf
line-top
الإيثار

صحابته -رضي الله عنهم- كانوا مجتمعين في عهده لم يكونوا متفرقين؛ بل كانوا يؤثر بعضهم بعضا ويحب بعضهم بعضا، قال الله تعالى في الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ يحبون المهاجرين لماذا؟ مع أن هؤلاء من قحطان وهؤلاء من عدنان، هؤلاء من مكة وهؤلاء من المدينة لماذا أحبوهم وقدموهم على أهليهم؟ لأنهم مؤمنون، يحبونهم لأجل الإيمان وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ من آدابهم التي تأدبوا بها: أنهم يؤثرون على أنفسهم، في قصة نزول هذه الآية: أن صحابيا استضافه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يجد عند أهله إلا الماء. فقال رجل من الأنصار: أنا أكرم ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فذهب به إلى بيته، وقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: ما عندي إلا عشاء صبيتي. فقدمت العشاء لذلك الضيف، وبات هو وصبيته جياعا تلك الليلة، فأنزل الله هذه الآية: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ هذه من آدابهم أنهم يؤثرون على أنفسهم، يؤثرون حتى في المصالح.
سمعت بعض الإخوة، أو ينقل أن كثيرا من المهاجرين الذين هاجروا من الحجاز ومن العراق هاجروا مثلا إلى خراسان لما استوطنوا في تلك البلاد -وكان أهلها من المجوس- وصاروا تجارا فيها يعني: تولوا التجارة. إذا أصبحوا وجاء أحد يشتري منك وأنت قد بعت شيئا دللته على أخيك الذي لم يبع، وقلت: اذهب إلى ذلك الأخ فإنه لم يبع ولم يأته أحد من الزبائن، أما أنا فقد أتاني قبلك اثنان أو واحد. فيؤثره بالزبائن على نفسه.
وهكذا يعنى: هذا من الإيثار. ماذا كانت نتيجة هذا الإيثار؟ كونه فقط لا يبيعك، مع أنك لو اشتريت منه ما زاد عليك وإنما يبيعك بالسعر المعتاد؛ ولكن يحب أن يكون الربح لأخيه مثل ما أنه قد ربح على غيرك، يعني: قد باع سلعة وربح فيها شيئا يكفيه، يحب أن يكون لأخيه الثاني والثالث شيء من الربح يواسي به.
فكان هذا الإيثار مما أثر في نفوس المواطنين هناك من الفرس، فتأثروا بذلك ودعاهم ذلك إلى الإسلام، وقالوا: هذا هو الدين الذي حث أهله وأربابه على أن تخلقوا بهذه الأخلاق، وتأدبوا بهذه الآداب. لا شك أنه دين قوي، دفعهم إلى هذه الأخلاق والآداب. ما هذا؟ لا شك أنه دين متين. اعتنقوه في أقرب وقت، وتركوا ديانتهم المجوسية والمسيحية وغيرها.
إذا تأدب المسلمون بهذه الآداب التي منها: أدب الإيثار، وأدب المحبة، وأدب المواساة، وأدب الإنصاف ونحوها، إذا تأدبوا بذلك أحب بعضهم بعضا وكذلك أحبهم الآخرون ودخلوا في الإسلام وتمكنوا منه، من كان منهم مسلما غير متمكن تمكن الإسلام من قلبه، ومن لم يكن مسلما دخل في الإسلام؛ لما يرى من آدابه وأخلاق أهله التي إذا تخلقوا بها كلهم أصبحوا بذلك أمة لها قوتها، ولها معنويتها، ولها مكانتها في الأمم السابقة واللاحقة.
هكذا يريد منا الإسلام: أن نكون أمة متماسكة بالحق عاملين به لا نتوانى في العمل به أبدا. أما إذا ظهر فينا الفشل وظهر فينا التخاذل والتحزب الذي ذمه الله تعالى في قوله: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ صار هؤلاء الحزب ينددون بأضدادهم ويتتبعون عثراتهم، ويدعون أن الكمال في حقهم، ويدعون غيرهم إلى أن ينضموا معهم، ويحذرونهم ويقولون: لا تكونوا في حزب فلان ولا تكونوا مع فلان؛ فإنهم على ضلال وعلى خطأ. ويلتمسون العثرات، ويجعلون الحبة قبة ويجعلون الخطأ عمدا، ويسيئون الظن بإخوتهم؛ فإن ذلك من أسباب الضعف ومن أسباب الفشل.

line-bottom