جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
38954 مشاهدة
باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل


أما الباب بعده ففيه كيفية التعليم أو كيفية إجابة السائل؛ هذا الرجل أعرابي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: متى الساعة؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- مشتغل بمسألة يعلمها أصحابه، كان يقص على أصحابه ويحدثهم ويتكلم معهم في مسألة علمية فكره أن يقطعها بإجابة هذا الأعرابي الذي سأل بقوله: أخبرني متى الساعة؟ أو أخبرني عن الساعة ؟ الصحابة لما رأوه لم يجبه لأول مرة، قال بعضهم: يمكن أنه لم يسمع كلامه -مع أنه قد سمعه لأنه صوت به- قال آخرون: يمكن أنه سمعه ولكن كره السؤال؛ لأنه سؤال عن أمر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وقال آخرون: يمكن أنه أخر الجواب.
لا شك أنه كان يكره السؤال على الأشياء الغيبية التي لا يعلمها إلا الله ولهذا لما سأله جبريل في الحديث المشهور: أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل أي لست أعلم منك أي أنا وأنت في علمها سواء أي في العلم بها متى تقع، كذلك في هذا أنه لما انتهى من حديثه الذي كان يحدث به أصحابه؛ أجاب السائل بعد ذلك فأخبره بقوله: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة، معلوم أن علم الساعة عند الله قال تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا .
وقال -تعالى- يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا يكثر سؤالهم متى الساعة؟ متى تقوم الساعة؟ علمها عند الله قال -تعالى- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي لا يعلمها إلا هو وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله في قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ أولها علم الساعة ومع ذلك فقد أخبر ببعض أشراطها؛ إذا وسد الأمر إلى غير أهله؛ فإن ذلك من إضاعة الأمانة، إذا ولي على المسلمين من ليس بأهل، وكان الولاة كلهم في جميع البلاد غير أكفاء للولاية وغير أهل لها فعند ذلك يقرب أن تأتي الساعة بغتة.نستمع إلى كلام البخاري.