لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
31889 مشاهدة
باب رفع العلم وظهور الجهل


باب رفع العلم وظهور الجهل .
وقال ربيعة لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه.
قال: حدثنا عمران بن ميسرة قال: حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا .


رفع العلم قد يكون بالإعراض عن تعلمه، وبالانشغال بأمور لا فائدة فيها أو علوم جديدة لا أهمية لها فيغفلون عن العلم الشرعي الذي هو العلم بالكتاب والسنة، ويشتغلون بغيره من العلوم الجديدة أو الشاغلة أو نحو ذلك.
ذكر في هذا الحديث أشراط الساعة أن هذه من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، وأن يقع الجهل يوضع ويحصل ويكثر، وهما ضدان، العلم والجهل لا يجتمعان ولا يرتفعان، إذا كان هناك جهل ارتفع العلم، وإذا كان هناك علم ارتفع الجهل، فلا يقال: هذا جاهل عالم -يعني العلم الشرعي- وقد ذكرنا بالأمس ما نقل عن الخليل بن أحمد في قوله: الناس أربعة: عالم ويدري أنه عالم فهذا كامل فسودوه، والثاني: عالم ولا يدري أنه عالم فهذا غافل فنبهوه. والثالث جاهل ويدري أنه جاهل فهذا مسترشد فأرشدوه، والرابع جاهل ولا يدري أنه جاهل فهذا مائق فاتركوه.
والحاصل أنه أخبر في هذا الحديث أن من أشراط الساعة العلامات التي تدل على قرب الساعة ...... الشريعة، علم الديانة؛ فإنه الأولى بأن يكون هو العلم الصحيح، وما سواه من العلوم لا يصدق عليها أنها علم، وإن سمي أهلها بمخترعين وبأذكياء وبمستنبطين ونحو ذلك، العلماء المفكرون الجدد هؤلاء علماء دنيا بمعنى أنهم فكروا وصنعوا واخترعوا وأنشئوا هذه الأفكار الجديدة؛ الذي من آثارها هذه المخترعات الجديدة الكهربائية -صناعية أو اختراعات- أو أفكار ونحوها، ولكن هؤلاء -وإن كانوا أذكياء- فقد استعملوا ذكاءهم في أمور دنية ليست هي العلوم الشرعية. هكذا ذكر العلماء أن العلم الحقيقي هو ما ورث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته، في قول بعض الشعراء:
الـعـلم قال الله قال رسـوله
قــال الصحابة ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
بين النصوص وبين رأي فقيه
إن العلم الصحيح هو علم الكتاب والسنة ، هذا هو الذي يرفع في آخر الزمان، وهو ميراث الأنبياء؛ ولهذا قال بعض الشعراء أيضا:
كــل العلوم سوى القرآن زندقة
..........................
أنكر بعضهم كلمة زندقة وعبر بعبارة أسهل:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة
إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
الــعلم ما كان فيه قال حدثنا
وما سوى ذاك وسواس الشياطين
فهذا هو العلم الذي يرفع علم الشريعة، وهو أهم العلوم الدينية، والذين فضلوا غيره إنما فضلوا ما كان وسيلة إليه، أنكر بعض العلماء على الشاعر الذي يقول في علم النحو:
وإذا طلبت من العلوم أهمـهـا
فأهمها منهـا مقيم الألسـن
فقال: لقد أخفق يقول:
هذا الصحيح ولا مقـالة جاهل
فأهمهـا منهـا مقيم الألسن
لــو كان ذا فقه لكان مجاوبا
فــأهمها منها مقيـم الأتلد
يعني مقيم الدين، والعلم الصحيح الذي يكون أهم العلوم.
وبكل حال ذكر أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويوضع الجهل، ويراد به الجهل بالله تعالى، والجهل بأحكامه يعني يثبت ويتمكن الجهل، وأما البقية التي ذكرت فهي من أشراط الساعة ولها محل آخر.
قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد .


هذا مثل الحديث الذي قبله، والشاهد منه أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، وأن يثبت الجهل، وأن يكثر الزنى، وأن يقل الرجال، ويكثر النساء إلى آخره.
قد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يرفع العلم؟ ! في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا؛ فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا يعني قبض العلم بقبض العلماء، العلماء الذين حملوا العلم إذا ماتوا ولم يخلفوا من يخلفهم؛ فإنه يقل من يقوم مقامهم، العلم يقل في بعض الأزمنة، ثم يوجد في بعضها أيضا في منظومة لابن مشرف يرثي فيها العلم، يقول في مطلعها:
على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم
ولم يبق فينا منه روح ولا جسم
ولكــن بقي رسم من العلم داثر
وعمـا قليل سوف ينطمس الرسم
ولــيـس يفيد العلم كثرة كتبه
فـمـاذا تفيد الكتب إن فقد الفهم
فعار علـى المرء الذي تم عقله
وقــد أملت فيه المروءة والحزم
إذا قــيل ماذا أوجب الله يا فتى
أجاب بلا أدري وأنى لي العلم
وأقــبح من ذا لو أجاب سؤاله
بجهـل فإن الجهل مورده وخم
فكيف إذا ما البحر من بين أهله
جرى هو وبين القوم ليس له سهم
تدور بهم عــيناه ليس بناطق
فغير حري أن يرى فاضل فـدم
إلى آخرها هذا في زمن ابن مشرف الذي كان في عهد الإمام فيصل بن تركي -رحمه الله- يقول: إن العلم قد قل في زمانه وكاد أن يتلاشى مع كثرة الكتب، الكتب متوفرة وإن كانت الكتب تؤخذ وراثة ولكن يقولون:
لــيس يفيـد العلم كثرة كتبه
فماذا تفيد الكتب إن فقد الفهم
فما نراه من قلة الرغبة في العلوم الشرعية، ومن الاهتمام بالعلوم الجديدة، ومن كثرة الاشتغال بعلوم الآلات وبعلوم الصناعات وما أشبهها، وعدم الرغبة في العلم الشرعي إلا القليل يخاف أن هذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه من أشراط الساعة أن يقبض العلم وأن يثبت الجهل، أما البقية فهي من أشراط الساعة.