شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
المناولة والكتابة والتحديث
قال الإمام البخاري اسم> -رحمه الله تعالى- باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان.
وقال أنس اسم> نسخ عثمان اسم> المصاحف فبعث بها إلى الآفاق. ورأى عبد الله بن عمر اسم> و يحيى بن سعيد اسم> و مالك اسم> ذلك جائزا، واحتج بعض أهل الحجاز اسم> بالمناولة بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كتب لأمير السرية كتابا، وقال: رسم> لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا. فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> .
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا إسماعيل بن عبد الله اسم> قال: حدثني إبراهيم بن سعد اسم> عن صالح اسم> عن ابن شهاب اسم> عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود اسم> -رضي الله عنه- أن عبد الله بن عباس اسم> -رضي الله عنهما- أخبره رسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه رجلا، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين اسم> فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى اسم> فلما قرأه مزقه فحسبت أن ابن المسيب اسم> قال: فدعا عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمزقوا كل ممزق متن_ح> رسم> .
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن اسم> أخبرنا عبد الله اسم> قال: أخبرنا شعبة اسم> عن قتادة اسم> عن أنس بن مالك اسم> -رضي الله عنه- أنه قال: رسم> كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابا أو أراد أن يكتب فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة نقشه محمد اسم> رسول الله كأني أنظر إلى بياضه في يده متن_ح> رسم> فقلت لقتادة: اسم> من قال نقشه محمد اسم> رسول الله؟ قال: أنس اسم> .
هذا فيه دليل على أن من التعليم الكتابة؛ وذلك لأنها تقوم مقام التحديث، ولأنه قد لا يتيسر لكل أحد أن يحضر عند العالم حتى يسمع من كلامه مباشرة، فلذلك يكتب بعضهم إلى بعض ثم يستفيدون من تلك الكتب، ويستدلون بفعل النبي-صلى الله عليه وسلم- وكذلك بفعل من بعده من الذين يقتصرون على الكتابة ويقرءونها وتقوم مقام القراءة أو مقام السماع، كان بعضهم بينه وبين الآخرين مسافات طويلة لا تقطع إلا بمشقة، فإذا كان عند أحد المشائخ حديث وهو مثلا في مصر اسم> - فمن المشقة أن يسافر من المدينة اسم> أو من مكة اسم> إلى مصر اسم> لأجل سماع ذلك.
فيكتب إليه أن اكتب لنا بما عندك من الأحاديث التي رويتها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رويتها عن الصحابة، فذلك العالم المصري يكتبها فيقول: حدثني جابر اسم> بكذا وكذا، وحدثني ابن عباس اسم> بكذا، وحدثني أنس اسم> بكذا وكذا فيختم هذه الكتب –مثلا- أو يطويها أو يقرؤها على الذين حضروا ويقول: اشهدوا أن هذه أحاديثي التي أرويها عن فلان فبلغوها إلى تلميذي –مثلا- قتادة اسم> أو مجاهد اسم> أو عكرمة اسم> أو نحو ذلك، فهذا الذي سمعها الذي هو –مثلا- قتادة اسم> ما سمعها من كلام الشيخ ولكن قرئت عليه من هذه الورقة.
ففي هذه الحال له أن يقول: أخبرني، أو له أن يقول: كتب إلي –مثلا- الأشعث بن قيس اسم> أو أخبرني أو روى أو نحو ذلك، فتكون هذه من تيسير نيل العلم.
بعض العلماء قالوا: إن هذا أقل حالة من التحديث إذا سمعه –مثلا- من شيخ وبعضهم قال: كلها سواء يختار ذلك البخاري اسم> وبعضهم يقول: الكتابة أقوى وذلك إذا تحقق أن هذا كتاب شيخه وأنه كتبه بيده فإنه أقوى؛ وذلك لأن الكتابة لا يكون فيها رواية بالمعنى يرويه وينقله من هذه الورقة من هذه الصحيفة كما هو ولا يحدث من حفظه؛ وذلك لأنه إذا حدث من حفظه فقد يزيد وقد ينقص وقد يغير، فلذلك كان الرواية من الورقة أولى.
مشاهد أنهم لما كانوا يعتمدون على الحفظ كثرت رواياتهم بالمعنى وكثر تبديل كلمة مكان كلمة وتقديم جملة على جملة، فالذين فيما بعد ينقلون الأحاديث من الأوراق اتفقت روايتهم ولم يبق فيها شيء من التغيير ولا من الرواية بالمعنى؛ فنجد –مثلا- الذين يحدثون عن الدارمي اسم> يحدث هذا –مثلا- يروي عنه مسلم اسم> حديثا ثم يرويه عنه البخاري اسم> ويرويه عنه أبو داود اسم> وتتفق روايتهم إذا رووه عن الدارمي اسم> ؛ لأنهم ينقلونه من كتابه، وكذلك الذين يحدثون –مثلا- عن سعيد بن منصور اسم> ينقلون من كتابه الذي ألفه، وكذلك إذا حدث مسلم اسم> عن ابن أبي شيبة اسم> وحدث عنه أيضا ابن ماجة اسم> عن ابن أبي شيبة اسم> حديثا واحدا لم يكن فيه اختلاف، وهكذا مثلا إذا حدث الإمام أحمد اسم> عن عبد الرزاق اسم> وحدث عنه محمد بن رافع اسم> لم يكن فيها اختلاف لماذا؟ لأنهم ينقلونه منه نصا يعني من الكتاب بدون زيادة وبدون تغيير أو نقص أو نحو ذلك؛ فهذا يرجح أن رواية الحديث مكاتبة أنها أقوى.
ومع ذلك فكثير من المحدثين لا يقبلون الحديث الذي يكون كتابة؛ من ذلك ما رواه الحسن البصري اسم> عن سمرة بن جندب اسم> -يكثر تحديث الحسن اسم> عن سمرة اسم> - ثم يطعن بعضهم فيه ويقولون: الحسن اسم> ما سمع من سمرة اسم> قد يكون ما سمع منه إلا مرة أو مرتين؛ ولكن كان يكاتبه يرسل إليه أحاديث مكتوبة يكتبها له فيرويها الحسن اسم> عن سمرة اسم> و الحسن اسم> ليس بمتهم لأنه من ثقات التابعين ومن علماء الأمة.
فلا يقول: قال سمرة اسم> أو عن سمرة اسم> إلا ما تحققه، فيحكم بأن روايته عنه ثابتة، وكذلك رواية الحسن اسم> عن أبي هريرة اسم> يقولون: إنه ما لقي أبا هريرة اسم> مع أنه ولد في عهد أو في آخر خلافة علي بن أبي طالب اسم> أو في آخر خلافة عثمان اسم> ونشأ في المدينة اسم> و أبو هريرة اسم> في المدينة اسم> ولكن أكثر روايته عنه مكاتبة، فعلى كل حال الصحيح أن رواية الكتابة مقبولة ولا عبرة بمن طعن في رواية الراوي بأنه ما لقيه إذا كان يكاتبه، أو يروي عنه بواسطة ويحذف تلك الواسطة إذا كان ذلك الحاذف لها من ثقات التابعين ومن علماء الأمة.
الكتب الآن أصبحت متوفرة وأصبح الناس ينقلون عنها ويعتمد على نقولهم، وفي القرن الثاني عشر أو في الثالث عشر كان هناك عالم تصدر للفتوى ولكن لم يكن عنده مراجع اسمه جمعان بن ناصر اسم> في الوادي اسم> وادي الدواسر اسم> أو ما حوله فلم يكن عنده كتب فكان يكتب إلى المشائخ الذين في الرياض اسم> يكتب إلى حمد بن ناصر بن معمر اسم> ويكتب إلى عبد الرحمن بن حسن اسم> وتجدون كتبهم له في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية فيقول: من حمد بن ناصر اسم> إلى جمعان بن ناصر اسم> سؤالك الأول عن كذا وسؤالك الثاني عن كذا وسؤالك الثاني جوابه كذا، وهكذا أيضا يكتب له فحصل على علم وهو ما وصل إليهم لبعد المشقة؛ لأنه لا يستطيع فيقتصر على هذه الأسئلة وتأتيه مكتوبة فلا شك أن هذا وسيلة من وسائل تحصيل العلم.
مسألة>