شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
باب رفع العلم وظهور الجهل
باب رفع العلم وظهور الجهل .
وقال ربيعة اسم> لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه.
قال: حدثنا عمران بن ميسرة اسم> قال: حدثنا عبد الوارث اسم> عن أبي التياح اسم> عن أنس بن مالك اسم> قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا متن_ح> رسم> .
رفع العلم قد يكون بالإعراض عن تعلمه، وبالانشغال بأمور لا فائدة فيها أو علوم جديدة لا أهمية لها فيغفلون عن العلم الشرعي الذي هو العلم بالكتاب والسنة، ويشتغلون بغيره من العلوم الجديدة أو الشاغلة أو نحو ذلك.
ذكر في هذا الحديث أشراط الساعة أن هذه من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، وأن يقع الجهل يوضع ويحصل ويكثر، وهما ضدان، العلم والجهل لا يجتمعان ولا يرتفعان، إذا كان هناك جهل ارتفع العلم، وإذا كان هناك علم ارتفع الجهل، فلا يقال: هذا جاهل عالم -يعني العلم الشرعي- وقد ذكرنا بالأمس ما نقل عن الخليل بن أحمد اسم> في قوله: الناس أربعة: عالم ويدري أنه عالم فهذا كامل فسودوه، والثاني: عالم ولا يدري أنه عالم فهذا غافل فنبهوه. والثالث جاهل ويدري أنه جاهل فهذا مسترشد فأرشدوه، والرابع جاهل ولا يدري أنه جاهل فهذا مائق فاتركوه.
والحاصل أنه أخبر في هذا الحديث أن من أشراط الساعة العلامات التي تدل على قرب الساعة ...... الشريعة، علم الديانة؛ فإنه الأولى بأن يكون هو العلم الصحيح، وما سواه من العلوم لا يصدق عليها أنها علم، وإن سمي أهلها بمخترعين وبأذكياء وبمستنبطين ونحو ذلك، العلماء المفكرون الجدد هؤلاء علماء دنيا بمعنى أنهم فكروا وصنعوا واخترعوا وأنشئوا هذه الأفكار الجديدة؛ الذي من آثارها هذه المخترعات الجديدة الكهربائية -صناعية أو اختراعات- أو أفكار ونحوها، ولكن هؤلاء -وإن كانوا أذكياء- فقد استعملوا ذكاءهم في أمور دنية ليست هي العلوم الشرعية. هكذا ذكر العلماء أن العلم الحقيقي هو ما ورث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته، في قول بعض الشعراء:
الـعـلم قال الله قال رسـوله | قــال الصحابة ليس خلف فيه |
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة | بين النصوص وبين رأي فقيه |
كــل العلوم سوى القرآن زندقة | .......................... |
كل العلوم سوى القرآن مشغلة | إلا الحديث وإلا الفقه في الدين |
الــعلم ما كان فيه قال حدثنا | وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
وإذا طلبت من العلوم أهمـهـا | فأهمها منهـا مقيم الألسـن |
هذا الصحيح ولا مقـالة جاهل | فأهمهـا منهـا مقيم الألسن |
لــو كان ذا فقه لكان مجاوبا | فــأهمها منها مقيـم الأتلد |
وبكل حال ذكر أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويوضع الجهل، ويراد به الجهل بالله تعالى، والجهل بأحكامه يعني يثبت ويتمكن الجهل، وأما البقية التي ذكرت فهي من أشراط الساعة ولها محل آخر.
قال: حدثنا مسدد اسم> قال: حدثنا شعبة اسم> عن قتادة اسم> عن أنس بن مالك اسم> قال: لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: رسم> من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد متن_ح> رسم> .
هذا مثل الحديث الذي قبله، والشاهد منه أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، وأن يثبت الجهل، وأن يكثر الزنى، وأن يقل الرجال، ويكثر النساء إلى آخره.
قد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يرفع العلم؟ ! في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو اسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا؛ فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا متن_ح> رسم> يعني قبض العلم بقبض العلماء، العلماء الذين حملوا العلم إذا ماتوا ولم يخلفوا من يخلفهم؛ فإنه يقل من يقوم مقامهم، العلم يقل في بعض الأزمنة، ثم يوجد في بعضها أيضا في منظومة لابن مشرف اسم> يرثي فيها العلم، يقول في مطلعها:
على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم | ولم يبق فينا منه روح ولا جسم |
ولكــن بقي رسم من العلم داثر | وعمـا قليل سوف ينطمس الرسم |
ولــيـس يفيد العلم كثرة كتبه | فـمـاذا تفيد الكتب إن فقد الفهم |
فعار علـى المرء الذي تم عقله | وقــد أملت فيه المروءة والحزم |
إذا قــيل ماذا أوجب الله يا فتى | أجاب بلا أدري وأنى لي العلم |
وأقــبح من ذا لو أجاب سؤاله | بجهـل فإن الجهل مورده وخم |
فكيف إذا ما البحر من بين أهله | جرى هو وبين القوم ليس له سهم |
تدور بهم عــيناه ليس بناطق | فغير حري أن يرى فاضل فـدم |
لــيس يفيـد العلم كثرة كتبه | فماذا تفيد الكتب إن فقد الفهم |
مسألة>