إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
لقاء مفتوح مع الشيخ
6779 مشاهدة print word pdf
line-top
تحصيل العلم والرحلة إليه

ثم نقول بعد ذلك: إن طلب العلم يحتاج إلى جهد، ويحتاج إلى مواصلة؛ مواصلة تعلم، ولا يكفي أن يتعلم وقتا قصيرا ثم ينقطع عن الطلب؛ فيكون بذلك معرضا علمه للنسيان؛ يذهب علمه من ذاكرته بدل ما تعب عليه؛ بل لا بد من ملازمة العلم زمنا طويلا.
لقد كان السلف -رحمهم الله تعالى- يلازمون العلم حتى يقول بعضهم: اطلب العلم من المهد إلى اللحد؛ أي: لا تنقطع عنه وقتا من الأوقات؛ بل عليك أن تواصل الطلب إلى أن يأتيك أجلك، ويقول بعضهم: من المحبرة إلى المقبرة. المحبرة الدواة التي يكتب بها الفوائد. لا شك أن هذا دليل على اهتمامهم -رحمهم الله– بالعلم؛ حيث يقولون: إن العلم ليس له منتهى، وإن طالب العلم لا يقف عند حد؛ بل يواصل الطلب، فكلما تزود علما انفتحت عليه أبواب أخرى تحتاج إلى أن يتعلمها؛ هكذا يكون طالب العلم لا ينتهي عند حد.
وأُثِرَ عن الإمام الشافعي -رحمه الله- فائدة في طلب العلم؛ رأيتها مكتوبة؛ لا أدري من أي كتاب نقلت، وسمعتها من عدد من المشائخ؛ يقول: (العلم بقي اللزام، بعيد المرام، لا يدرك بالسهام، ولا يرى في المنام، ولا يورث عن الآباء والأعمام؛ إنما هو شجرة لا تصلح إلا بالغرس، ولا تغرس إلا في النفس، ولا تسقى إلا بالدرس، ولا يحصل إلا لمن أنفق العينين، وجثا على الركبتين، ولا يحصل إلا بالاستناد إلى الحجر، وافتراش المدر وقلة النوم، وصلة الليل باليوم. انظر إلى من شغل نهاره بالجمع وليله بالجماع؛ أيخرج من ذلك فقيها؛ كلا -والله- حتى يعتضد الدفاتر، ويستحصل المحابر، ويقطع القفار، ولا يفصل في طلبه بين الليل والنهار).
هكذا أثرت هذه الفائدة عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يمثل بها العلم الذي قام به، والعلم الذي أوصى به تلامذته، وهو أنهم كانوا يجتهدون في التعلم؛ فيقطعون القفار؛ أي: المسافات الطويلة؛ حتى يغيب أحدهم عن أهله أشهرا أو سنوات.
فقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- يسافر مسيرة نحو أربعة أشهر؛ يغيب عن أهله للتزود من العلم، وكذلك كثير منهم غابوا سنوات، وفتح الله تعالى عليهم ورزقهم. لا شك أن هذا دليل على أن العلم ليس سهل التناول؛ لا يتناول بالراحة؛ بل لا بد أن يجد فيه ويجتهد؛ حتى يقطع القفار، ويستحصل المحابر، يعتضد الدفاتر؛ الدفاتر التي يكتب فيها؛ أي: يجعلها تحت عضده، وكذلك المحابر التي فيها الحبر؛ يعني: الدواة التي يكتب منها، وكذلك ينفق العينين؛ ينفق عينيه في القراءة، وينفق العينين يعني: الذهب والفضة؛ ينفقها في طلب العلم؛ بحيث إنه يسافر لطلب العلم، ولو أنفق ما أنفق، وكذلك أيضا يسهر في طلب العلم، ومتى كان كذلك فإن الله تعالى يرزقه علما، ويفتح عليه.
وهكذا كان كثير من العلماء يأخذون العلم عن المشائخ، ولو شق ذلك عليهم، ولو قطعوا مسافات طويلة، ولو غابوا عن أهليهم؛ مذكور ذلك في تراجمهم.
انظروا في ترجمة البخاري كم مرة سافر لأجل أن يتحمل العلم؟! وهكذا أيضا أبو حاتم الرازي كم سافر في طلب العلم، وفي تلقيه! وهكذا أبو زرعة الرازي ونحوهم من طلبة العلم؛ سافروا، وقطعوا مسافات؛ لأجل أن يحصلوا على العلم.

line-bottom