القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
لقاء مفتوح مع الشيخ
4749 مشاهدة
خاتمة

نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويرزقنا علما نافعا وعملا صالحا، ونعوذ به من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع. نسأله سبحانه أن يوفق إخواننا الذين يرْغبون في طلب العلم، ويرزقهم ما يكونون به فقهاء وعلماء يَعلَمون، ويعملون، ويعلِّمون، ويبلغون، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، إنه على كل شيء قدير، والله أعلم، وصلى الله على محمد .
الأسئـلة
س: جزى الله فضيلة الشيخ خيرا على ما قدم، وجعله الله في ميزان حسناته، ثم إني أجزم -يا فضيلة الشيخ- أن جل هذه الأسئلة -على كثرتها- قد تقدمتها عبارات الحب في الله؛ حتى قال قائلهم:
أفض أيها النحرير نورا على الملا
وأرسل شعاعك على الشرق أو على المغرب
فإنـك من رواد جــيش محمد
وإنك صـوت الحـق يا نــور كـوكب
ثم ذيل ذلك بسؤال. يقول فيه: أرى ويرى كثير من أهل العلم والالتزام والصلاح قلة المحاضرات،وحلقات طلب العلم في هذه الساحة، وفي هذه الأيام، ولا أقصد بذلك الدروس، وإنما قلة المحاضرات، واللقاءات المفتوحة بين العلماء وطلاب العلم؛ فيا ليتها تكثر في مثل هذه الجلسات، وخاصة في مثل هذه الأيام التي كثرت فيها المحن والإحن؟
لا شك أن الدروس يلقى فيها علم، ولو كان كل درس يختص بباب، فإن فيها فوائد، والذي يواظب عليها يستفيد؛ إذا واظب هذا اليوم استفاد علما، ثم أضاف إليه علم الغد وبعد الغد وهكذا؛ فيكون بذلك يأخذ العلم شيئا فشيئا، فنقول: لا تحتقروا هذه الدروس، ولا تحتقروا هذه الدورات، ولا تقللوا من شأنها.
لا شك أن المحاضرات يحصل فيها علوم عامة، وأجوبة على أسئلة وما أشبهها، ولكن لا ينبغي أن تحتقر الدروس. نحن -والحمد لله- نقوم بدورات في هذه الإجازة في وسط المملكة وفي أطرافها؛ تنزلا على رغباتهم.
والأسبوع الماضي؛ الذي آخره بالأمس كنا في منطقة تبوك ولا شك أن تلك المنطقة بحاجة؛ فإن غالبهم كانوا أعرابا؛ تحضروا قبل عشر سنين، أو قبل عشرين سنة، وفيهم حاجة وجهل كبير؛ فرأينا إجابتهم، وأجابهم أيضا كثير من المشائخ؛ أتاهم أو يأتيهم غدا الشيخ إبراهيم الدويش وغيره من المشائخ؛ تنزلا على رغبتهم، وشدة الحاجة إليهم، وهكذا أيضا غيرها من المناطق؛ فرأينا أن المناطق التي بحاجة لا يستطيعون أن يأتوا كلهم أو جلهم إلى مثل هذه الدورات، وإنما يمكن أن يأتي واحد أو اثنان، وقد لا يكفي هذا العدد.
بخلاف ما إذا أقيمت عندهم دورات يقيمها طلبة العلم؛ يحضرها مئات، يستفيدون، ويفيدون؛ فبكل حال لا تحتقروا الدروس، ولا تحتقروا الدورات، وكذلك أيضا المحاضرات.
س: هذا سائل يقول: تحدثتم عن شرف العلم وأهميته، وأنه طريق طويل وشاق؛ فكيف نجمع بينه وبين الارتباط والإشراف على المكتبات، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم؛ مع أن الإشراف على حلقات القرآن الكريم يعتبر نموذجا بارزا للدعوة إلى الله، وتربية من تحت يدك على الالتزام والصلاح؟
كل ذلك خير؛ فالإشراف يعتبر علما؛ لأن العلم منبعه القرآن والسنة؛ فكونك تُقرئ القرآن هذا يعتبر تعلما، وتقرأ أيضا في التفسير تعتبر متعلما. قد كان الصحابة إذا تعلموا عشر آيات تعلموا معانيها وما فيها، وكذلك أيضا إشرافك على الدعوة يعتبر أيضا علما؛ لأنه عمل بالعلم، ثم لك أيضا وسائل كثيرة تتعلم بواسطتها؛ فلك أن تتعلم من الكتب المحققة التي ألفها أئمة السنة، ولك أن تتعلم أيضا في الحلقات إذا تيسر لك ذلك، ولك أن تتعلم في الإذاعة؛ كنور على الدرب أو نحوه، ولك أن تتعلم بسماع الأشرطة الإسلامية، وما أشبه ذلك، وبذلك تكون وسائل العلم موفرة ميسرة.
س: وهذا سائل يقول: تعلمون -يا فضيلة الشيخ- أن الشبكة التي تسمى العنكبوت، أو ما يسمى الإنترنت قد انتشرت، وعظم خطرها؛ خاصة على التوحيد؛ فما هو توجيهكم لطلاب العلم؟ هل يتعلمونها، ويشتركون فيها؟
صحيح ما ذكره، وأن كثيرا من أعداء الإسلام استغلوها في الطعن في الإسلام، وكثيرٌ من المبتدعة استغلوها في نشر بدعهم، وكثيرٌ من العصاة استغلوها في نشر المعاصي، وفي الدعاية إليها، ومع ذلك فإن كثيرا من أهل العلم استغلوها في نشر العلم؛ سواء تلقي الأسئلة والإجابة عليها، أو إذاعة العلوم النافعة وتلقيها، أو غير ذلك من الوسائل، ولعل ذلك يكون حافزا لكثير من المشائخ إلى أن يستغلوها ويشغلوا فيها وقتا يسيرا أو كثيرا؛ حتى يقاوموا أولئك الأعداء الذين استغلوها ضد الإسلام.
س: وهذا سائل يقول: فضيلة الشيخ: إن ما نراه اليوم من إقبال على طلب العلم شيء طيب، ولكنه يتجه إلى الأصاغر الذين ليس لهم باع في العلم، وكذلك يزهدون في العلماء الأفاضل؛ فهل من كلمة توجهون فيها الشباب في ذلك؟
يظهر -إن شاء الله– أن الذين توجهوا في مثل هذه الدورة وغيرها ليسوا محتقرين.
فأولا: أنهم في الغالب من أهل الرغبة والصدق؛ ما جاءوا، وواظبوا على ذلك إلا لصدق محبتهم للعلم، ومن صدق في ذلك وفقه الله.
وثانيا: أنهم واظبوا على هذه الحلقات؛ حصلوا على خير؛ يعني: تلقوا عدة فنون فيما يتعلق بالحديث، وما يتعلق بالعقيدة، وما يتعلق بالتوحيد، وما أشبه ذلك؛ فذلك خير لا يستهان به -ولو كان قليلا- لكن الفائدة من العلم تعدل خيرا كثيرا، وتقاوم شرا كثيرا.
كذلك أيضا تلقوا عن جملة من أكابر المشائخ؛ الذين لهم مكانة في العلم، أفادوا، واستفادوا، ولا يحتقر طالب صغير، أو عالم غير شهير إذا تربى أو ربى على العلم الصحيح؛ لا تحتقروا طالب العلم، أو المعلم ولو لم يكن له شهرة، ولو لم يكن له مكانة، فإن تصديه للعلم وللتعليم إذا كان يعلم على بصيرة يعتبر دلالة على الحق ونورا مبينا .
س: سائل يقول: فضيلة الشيخ: كيف يوفق طالب العلم بين حقوق أهله، وأولاده وأقاربه، والمداومة على طلب العلم، ولا يخفى عليكم في هذا الزمان قصر الوقت؟
ليس كذلك؛ فالوقت كما هو ما تغير. الوقت الليل والنهار على ما كانا عليه أولا؛ فنقول: إذا نظمت وقتك تنظيما محددا فإنه لا يضيع عليك وقت تضعه لطلب العلم، ولو أن تجعل ساعة في الليل وساعة في النهار للتزود وللتعلم، فإن في ذلك خيرا كثيرا. بقية الليل والنهار إذا أخذت منها ساعتين يبقى اثنان وعشرون ساعة؛ تقضي بها حاجاتك، وحاجات أهلك، وتشتغل بها في تجارتك، أو في وظيفتك أو حرفتك، أو ما أشبه ذلك.
كذلك أيضا تعطي نفسك حظها، وتزور أقاربك، وما أشبه ذلك. عليك أن تنظم الوقت تنظيما محكما؛ حتى لا يضيع عليك الوقت، ولا تقول: النهار والليل قصير .
س: وهذا سائل يقول: ما رأي فضيلتكم في العكوف في البيت على أشرطة الدروس العلمية؛ هل يكفي هذا في طلب العلم أم لا؟
يكفي -إن شاء الله- إذا كان الإنسان ذا فهم ومعرفة وإدراك؛ يعرف الكلام الفصيح، ويعرف اللغة الواضحة، وكانت تلك الأشرطة، وتلك الكتب كتبها، أو تكلم بها علماء موثوقون؛ لا يتهمون بتعصب، وليسوا يدَّعون العلم وهم جهلاء معروفون ومشهورون، ثم إذا شك في شيء مما يسمعه، أو مما يقرؤه توقف فيه؛ في إمكانه أن يبحث في الكتب الأخرى، وأن يقرأ ما تيسر له؛ حتى يتحقق ما كان عليه، وحتى يعرف الصواب؛ إذا خاف أن هناك خطأ؛ إما أن يقرأ في كتب أخرى، وإما أن يسأل طلبة العلم الذي يثق بهم؛ ليكون على بصيرة من أمره.
ومع ذلك لا ينقطع عن حضور الحلقات العلمية، والاستفادة من العلماء، وحضور الدروس، وحضور الدورات العلمية؛ يستفيد منها؛ لأنه يسأل عما أشكل عليه، ويسمع الأسئلة التي تشكل عليه أيضا، وكذلك يسمع الكلام صريحا، ويفهمه، ويسأل عما لم يفهمه؛ هذا هو الأولى .
س: سائل يقول: ما نصيحتكم لطالب العلم الذي يحس في نفسه أنه لم يستفد من علمه مع طول دراسته وطلبه للعلم؟ وما معنى قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ؟
لا شك أن الاستفادة هي العمل بالعلم؛ فمعنى كونه يستفيد أن يطبق المعلومات، فإذا تعلم أحكام الطهارة عمل بها، وإذا تعلم نواقض أو مبطلات الطهارة عمل بها وطبقها، وإذا تعلم أحكام الصلاة فرضها وتطوعها عمل بها؛ فيعتبر بذلك قد انتفع بعلمه، وهكذا أيضا إذا علم آثار المعاصي اجتنبها، وإذا علم فوائد الذكر وفوائد الطاعة وفوائد القراءة عمل بها، وطبقها؛ فيعتبر هذا قد عمل بعلمه.
فكونه يقول: إنني تعلمت ولم أنتفع بعلمي. ينظر في أمره؛ ماذا ينقصك؟ هل أنت تعلمت، ولكنك مع ذلك خالفت العلم، وعملت بضده؟ فأنت في هذا من الذين علموا وما عملوا؛ فيكون الذنب عليك أكبر أم أنك تعلم وتعمل، ولكن كأنك تقول: إنني لا أحس بأثر قوي في نفسي من آثار العلم الذي أسمع به عن العلماء الأولين؛ السابقين واللاحقين، الذين أثرت العلوم فيهم أثرا بليغا.
فنقول: ليس هذا شرطا، فليس كل من تعلم علما يكون زاهدا في الدنيا، ويكون مقبلا على الآخرة، ويكون منقطعا عن المصالح، ويعكف في المساجد، ويترهب فيها، وينقطع عن مصلحة نفسه التي هو محتاج إليها، ويترك الشهوات، ويترك طلب الرزق؛ ليس هذا شرطا في طالب العلم. تذكرون قصة ذلك الصحابي؛ الذي قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- يا حنظلة ساعة وساعة .
س: نعم. هذا سائل يقول: إني أخشى على نفسي الرياء؛ لأني أفرح إن أحد تكلم، وقال: إنك طالب علم، أو إنك تحفظ القرآن، ولأني أتيت من بلاد بعيدة، والحقيقة أني أستغفر الله؛ فهل أعتبر بذلك مرائي؟
لا تتهم نفسك. أنت -إن شاء الله- جئت لطلب العلم؛ فنوصيك بإخلاص النية، ثم لا تفتخر بما جئت به، وتتمدح على غيرك ممن هو مثلك أو فوقك، وتقول: أنا الذي سبقتك بكذا وكذا، وأنا الذي تعلمت كذا وكذا، وأنتم ما تعلمتم، وما أشبه ذلك؛ بل عليك أن تعمل بالعلم الذي استفدته، وكذلك أيضا عليك أن تتواضع لمن هم مثلك، أو من هم دونك، وأن لا تفخر، ولا ترفع نفسك، وتشمخ بأنفك، وتكون بذلك متواضعا، ولا رياء في ذلك -إن شاء الله- ولا سمعة.
س: فضيلة الشيخ: قول الشخص لشخص ما: أحييك بكل تحية؛ أليس هذا القول فيه شيء؛ لأن التحيات تنقسم إلى قسمين: منها خاص بالله تعالى، ومنها ما تكون للعبد؛ فقول إنسان لآخر: أحييك بكل تحية جعل ما لله للعبد؟ وهل إذا ذيَّل ذلك بقوله: من عند الله، فيه محظور؟
التحية هي الترحيب والتكريم، ومنه السلام؛ سماه الله تعالى تحية. قال تعالى :
فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً .
فلا بأس أن تسلم، وتكون هذه التسليمات تحية لأهلك، ومن دخلت عليهم، وكذلك قال تعالى:
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا سمى الله تعالى هذا السلام تحية. الأولى أنك تقول: السلام عليكم مثل ما أمر الله: فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وأما استعمال لفظ التحية لك تحياتي، ولكم تحياتنا، وما أشبه ذلك، فما هذا وارد؛ إنما تحية المسلمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س: يقول: ما الحكم الشرعي في التأمين التعاوني، ومن يدعي أنه موجود فيه فتوى شرعية بإحلاله؟ وكذلك ما حكم شراء سيارة بواسطة التأجير المنتهي بالتمليك؟
نعم. أفتى المشائخ بجواز التأمين التعاوني، وصورته: أن القبيلة أو الأسرة الذين عددهم مثلا مائة أو مائتان؛ يجمعون لهم من كل واحد مثلا ألفا أو ألفين، ثم يرصدونها، أو يستغلونها، ويتجرون فيها، ويجعلونها خاصة لمساعدة أفرادهم إذا أصيب أحدهم بمصيبة، أو حدث عليه حادث، أو لزمته دية، أو ركبه دين؛ دفعوا ذلك من هذا الصندوق الخيري الذي جمعوه؛ هذا هو الصندوق الذي سموه تأمينا تعاونيا.
أما ما تفعله هذه الشركات التي تأخذ من كل واحد شهريا أو سنويا كذا وكذا. تقول: أمن على سيارتك، أمن على تجارتك، أمن على منزلك، أمن على نفسك، فإن هذا ليس شرعيا، وليس هو الذي صدرت فيه هذه الفتوى؛ فأخذ هؤلاء الذين يسمون أنفسهم تأمينا تعاونيا، وهو في الحقيقة تأمين تجاري؛ أخذوا هذه الفتوى، وهي ليست في حقهم.
قد صدرت فتوى من سماحة شيخنا -رحمه الله- الشيخ ابن باز قبل موته بسنة أو نحوها؛ تبين حقيقة التأمين التعاوني الذي صدرت فيه الفتوى الأولى.
أما السؤال عن التأجير المنتهي بالتمليك؛ فالفتوى الشفهية أنه لا يجوز؛ وذلك لأنه ليس بيعا حقيقيا، ولا أجرة حقيقية؛ ولأنه قد يتضرر المشتري إذا تأخر عنه قسط أو قسطان؛ فلأجل ذلك كانوا يفتون بعدم جوازه، ويمكن أن يخرج فيه فتوى تحريرية بما يراه المشائخ.
س: فضيلة الشيخ: يقول: ما توجيهكم لبعض الشباب الذين يقولون بحلق اللحى أو تقصيرها أو تحديدها؛ مستدلين بحديث ابن عمر ؟ أفتونا مأجورين.
حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى أو كما قال. هذا هو الحديث الذي رواه ابن عمر ؛ لكن نقل أن ابن عمر -رضي الله عنه- كان إذا تحلل من عمرة أو من حج، قبض على لحيته، وأخذ ما زاد على القبضة؛ يعني: قبض بكفه، وهذا اجتهاد منه؛ ليس عنده فيه نص؛ يعني: دليل من السنة، وإنما هو اجتهاد منه.
يمكن أنه أراد بذلك أن يجمع بين الحلق والتقصير في قوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ورأى أن الرأس تدخل فيه اللحية، واعتقد أن الرأس هو ما فوق العنق؛ فكان يحلق رأسه، ثم يقصر من لحيته، ولا يفعل ذلك في غير الحج أو العمرة؛ أي: في غير التحلل؛ فنقول لهؤلاء: أولا: الواجب عليكم الاقتداء بالحديث النبوي، فإنه هو النص الذي أمرنا باتباعه، ثم إذا ترخصتم فلا تجعلوا هذه الرخصة عامة؛ لا تأخذوا أكثر مما زاد على القبضة؛ كثير منهم لا يترك شيئا إلا شيئا يسيرا، ثم لا تفعلوا ذلك إلا بعد التحلل؛ بعد التحلل من حج أو عمرة إذا أردتم الاقتداء بفعل ابن عمر ؛ فهو ما كان يفعله دائما. لو بقي في المدينة سنتين ما اعتمر لم يأخذ من لحيته.
ذكروا أنه كان إذا جمم رأسه؛ يعني: إذا وصل جمة؛ يعني: إلى الأذن أو إلى المنكب ذهب إلى مكة واعتمر وحلقه، وبكل حال الاقتداء بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وبقوله هو واجب المسلم.
س: يقول: فضيلة الشيخ: انتشر في الآونة الأخيرة أناشيد بالدف تباع في التسجيلات الإسلامية؛علما أنه يكتب على الشريط خاص بالنساء، فما حكم هذه الأناشيد؟
إذا كانت لا تستعمل إلا في حفل الزواج، وكان النشيد الذي فيها ليس فيه تشبيب ولا تطريب ولا تمايل ولا تلحين، وكانت المعاني التي فيها ليس فيها غزل، وليس فيها وصف للخدود والقدود والفعل؛ يعني: أو الوطء، وما أشبه ذلك؛ إذا لم تكن فيها هذه المحذورات؛ فأرى أنه لا بأس بها في الحفلات للنساء، فإن كان فيها شيء مما ذكرنا فما أراها جائزة.
س: العجز والفتور من الأمراض المنتشرة، مما قد يوجد بين خاصة الدعاة؛ فضلا عن عامتهم؛ فما هي أسبابه الرئيسة؟ وكيف ترون علاجها؟
لا شك أن هذا يعتبر مما ابتلي به كثير؛ نرى أسبابها:
أولا: قلة التشجيع؛ أنه لا يكون هناك من يشجعهم؛ فلذلك يتعاجزون، ويعتريهم الفتور.
ثانيا: شعور أحدهم بالوحدة؛ كأنه يقول: كيف أقوم بالدعوة، وأنا وحدي؟ أو كيف أقوم بالأمر بالمعروف والنهي، وأنا وحدي، والخلق كثير؟ فيشعر بأن هذه الوحدة سبب في عدم قيامه بهذا الأمر؛ الذي هو الدعوة إلى الله تعالى. ثالثا: يمكن أن أسبابه سوء الظن بالذين يدعوهم؛ يرى أنهم لا يتأثرون، ولا يتقبلون، ويقول: لا فائدة في الدعوة؛ ربما إذا دعوتهم لا يقبلون، أو ربما يهزءون بي، ويسخرون، وما أشبه ذلك.
رابعا: يمكن أنه يدعي أن سبب الفتور هو أعمال خاصة به، يبذل فيها جهده في أمور دنيوية، ثم بعد ذلك يحس بعجز في نفسه، ويعطي نفسه راحتها؛ فيفوت عليه ما هو مطلوب منه من التعليم، ومن الدعوة إلى الله، وما أشبه ذلك؛ هذه في ظني أنها أسباب هذا الفتور والخمول والإخلاد إلى الأرض، وعدم مواصلة الدعوة، وجوابها أن نقول:
أولا: لا تيأس من الانتفاع؛ عليك أن تبذل الجهد؛ فلعل الله تعالى أن ينفع بجهدك -ولو قليلا-. تذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وإذا أيست، أو ظننت أنه لا يقبل منك، أو ظننت أن هناك من يهزأ بك، ويتنقص حالتك، ويعيبك، فإن ذلك لا يثني عملك، ولا يفت في عضدك أن تقوم بالواجب، والذين لا يقبلون تقوم عليهم الحجة، وكذلك أيضا تخرج أنت بعذر.
وكذلك أيضا لا تحتقر عملك -ولو كنت وحدك- فإن الواحد قد ينفع الله تعالى به، وقد ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعوة وهو وحده؛ وحده قام بهذه الدعوة.
كذلك أيضا كان يرسل دعاة أفرادا؛ أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن تعرفون منطقة اليمن واسعة، أرسله إليها وحده، ولما انتشر الإسلام فيها أرسل بعد ذلك أبا موسى وعمارا وسلمان أربعة فقط في اليمن كله؛ ومع ذلك قاموا بالتعليم، وقاموا بالدعوة، وما أشبه ذلك. أرسل بعد إسلام أهل المدينة شخصا واحدا مصعب بن عمير ؛ ليعلمهم مع كثرة أهل المدينة ومع ذلك لم يقل: إنه واحد، ولم يقل: إني لا أكفي.
فعلى كل حال لا يحتقر الإنسان نفسه، ولا يخلد إلى الخمول ولا إلى التكاسل، ولا ييأس؛ لا تيأسوا من روح الله.
س: فضيلة الشيخ: ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في كتابه كشف الشبهات أن من عمل بالتوحيد عملا ظاهرا وهو لا يفهمه، ولا يعتقده بقلبه، فهو منافق خالص، وهو شر من الكافر، والسؤال: هل الموحد الجاهل الذي يعمل بالتوحيد يدخل في مقتضى هذه العبارة؟ مع بيان ما تدل عليه؛ أفتونا مأجورين.
لا يدخل؛ إنما هذا في المنافق الذي يعرف التوحيد، ثم مع ذلك يظهر أنه يحبه، وأنه يعمل به، ولكن يكرهه في نفس الأمر، ويحتقره ويحتقر أهله، أو يعمل به رياء، ولا يعتقده باطنا، فإن هذا هو صفة المنافقين. المنافقون الذين يظهرون أنهم مع المؤمنين، ولكنهم في الباطن مع الكفار؛ كما قال الله تعالى:
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ذكر الله تعالى أنهم: لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ .
فهذا الإنسان عرف الحق، ومع ذلك احتقره، واحتقر أهله، وأنكره في الباطن، ولو عمل به في الظاهر، وفيما يراه الناس؛ فعمله -والحال هذه- ليس عملا إيمانيا، وإنما حمله على ذلك الرياء والسمعة، ومجاراة الناس؛ فيعتبر من المنافقين -والعياذ بالله-.
س: يقول: يقول لدي خطأ في فهم هذه الآية، وهي قوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وذلك في تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة الخلق؟
ليس فيها إشكال؛ بل الله تعالى أعطى الإنسان قدرة، وأعطاه مشيئة يستطيع بها مزاولة الأعمال، ولولا ذلك لما كلف، ولما أُمر ولما نهي، ولذلك تنسب إليه هذه الأعمال، فيقال: هذا هو المصلي، وهو الصائم وهو البر وهو الفاجر، وهذا صادق، وهذا كاذب، وهذا قد زنى ويعاقب على زناه، وقتل ويعاقب على قتله، وأشرك بالله، وهذا صلى ويثاب على صلاته، وقرأ وذكر الله؛ فتنسب إليه أعماله؛ لأنه الذي باشرها، وفعلها بقوة وقدرة، ومشيئة وإمكانية؛ منحه الله تعالى: تلك القوة، وتلك الإمكانية، وتلك المشيئة.
أما مشيئة الله تعالى وقدرته فإنها عامة غالبة؛ بمعنى: أنه سبحانه هو الذي مكن هذا الإنسان، وهو الذي أعطاه هذه القوة، ولو شاء لكسره، ولرده عما يريد، ولما قدر على هذه الأفعال؛ بل قدرة الله وقوته ومشيئته غالبة على قدرة العباد، وعلى مشيئتهم؛ ولذلك قال: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ كما قال في الساحر: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ؛ يعني: إلا بتقدير الله تعالى، وإلا بإذنه الكوني القدري.
فنقول: إن قدرة الله تعالى عامة لكل شيء؛ بحيث إنه يقدر أن يرد هذا عن إرادته وهواه، وأن يصد هذا عن عمله؛ سواء كانت طاعة أو معصية؛ فلا يقال: إن الله تعالى يغلبه العباد، وأن قدرتهم أقوى من قدرته، وأنه يعصى قسرا وجبرا بدون رضاه أو بدون قدرته، أو بدون تمكينه أو بدون إرادته الكونية القدرية؛ فهذا هو الجواب الفاصل، ولكم أن تتوسعوا في قراءة كلام العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك تلميذه ابن القيم في كتابه شفاء العليل، وشيخ الإسلام في كتابه في الجزء الثامن، الذي هو كتاب القدر، وما أشبهه.
س: حديث الناس في هذه المجالس، وهذه الأيام أن الزلازل والفيضانات والرياح عوامل طبيعية؛ فما رأي فضيلتكم فيمن تكلم بمثل هذا الكلام؟
إذا كانت طبيعية فعليهم أن يردوها، وعليهم أن يسكنوا الأرض إذا زلزلت، وإذا تحركت؛ هل يقدرون على أن يسكنوها؟! لا شك أنها بخلق الله تعالى، وبتقديره
-ولو أن لها أسبابا- ولكن تلك الأسباب بإرادة الله تعالى، فهو الذي قدر هذه الأسباب، وإن كانت قد تعلم الأسباب بواسطة بعض الكشوف، وبعض التخرصات أو التعليمات، أو ما أشبه ذلك، يعرف بها أن هذا قد يصيبه، هذه الأرض قد يصيبها كذا وكذا.
ولكن لا شك أنه خلق الله، وأنه تقديره، وأنه ما قدر ذلك إلا بأسباب؛ إما عقوبة لبعض الناس؛ حيث وقعت منهم هذه المخالفات، وإما إظهارا للاعتبار، وتذكيرا للعباد بعموم قدرته على تغيير هذه الأشياء كيف يشاء سبحانه وتعالى.
كذلك أيضا نعرف أن الله تعالى يخوف بها عباده؛ يخوف عباده بهذه العقوبات، وأنها لا تحدث إلا بسبب المعاصي. ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة؛ فلا يجوز القول بأنها طبيعية وعادية، وأنها معروفة أسبابها، وما أشبه ذلك.
نكتفي بهذا القدر من الأسئلة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الشيخ، وأن يجزيه خيرا على ما قدم.