إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
محاضرة بعنوان المسلم بين عام مضى وعام حل
10201 مشاهدة print word pdf
line-top
الحكمة من وجود الأهلة

وأخبر أيضا بالحكمة في هذه الأهلة، وذلك لما سأل الصحابة رضي الله عنهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عنها أنزل الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ والمواقيت: هي التي يعرف بها مواقيت الأشياء . ففي مرور هذه الأيام وكذلك الأشهر مصالح للعباد، مواقيت للناس؛ يعرفون بها أوقاتهم فيعرف بمرورها حلول الآجال كالديون ونحوها.
وكذلك العِدد التي يحتاج إلى معرفة عدة المرأة المطلقة أو المفارقة أو المتوفى عنها، وما أشبه ذلك. وهكذا مواقيت العبادات. كالحج والصوم والزكاة مواقيتها تعرف بمرور هذه الأشهر، ففيها مصلحة.
ولذلك لو لم يكن ذلك لما انتفع الناس ولما عرفوا وقتهم أيّ وقت؛ ولذلك يقول تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يعني: لتسكنوا وتريحوا أنفسكم في الليل. وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ في النهار؛ يعني: غالبا، الأغلب والأكثر أن التقلب والانتشار يكون في النهار، وأن الليل يكون وقت الراحة ووقت الهدوء والسكون والرجوع إلى الاكتنان والنوم وأخذ الراحة.
هذا هو الأصل في جعل هاتين الآيتين: الليل والنهار . فلو كان الوقت كله ليلًا لما انتفع الناس وتقلبوا في حوائجهم، ولو كان كله نهارا لما حصلوا على زمن يريحون فيه أنفسهم. ولكن من رحمته أن جعل ليلا ونهارا مستمرا يعني: يأخذ هذا من هذا، ويستويان حينا فذلك من تمام نعم الله علينا.
هذا من جهة أنها نعمة وفيها منفعة.
كذلك فيها عبرة؛ عبرة وعظة؛ وذلك لأننا نرى غروب الشمس وغروب القمر، واجتماعهما أحيانا، وتفرقهما. نرى أنه في أول الشهر يكون الشمس والقمر مجتمعين، من ساعة ما تغرب الشمس يبدو القمر، وهكذا في الليلة بعدها. ثم بعد أيام يكونان متفرقين؛ الشمس في المغرب والقمر في المشرق أو بالعكس. ففي هذا أيضا عبرة وعظة حيث اجتمعا في يوم وفي وقت متقارب، ثم تفرقا وتباينا وتباعدا في وقت أيضا متقارب. أليس ذلك دليل على أن الذي يصرفهما ويسيرهما هو الله سبحانه وتعالى؟ المستحق لأنْ يعبد وأن يحمد وأن يثنى عليه، وأن يعرف حق معرفته، وأن يطاع حق طاعته.
ففي هذه الأوقات عبرة وعظة، كذلك ما يحدث الله في هذه الأيام والليالي من التقلبات؛ فيها أيضا عبرة وعظة فإنك تشاهد أو يمر بك كل سنة تقلب وتغير في الزمان. في زمن من الأزمنة يكون الوقت شديد البرد لا يقر الناس إلا في أكنة ويلبسون ألبسة غليظة؛ تقيهم ذلك القرّ وذلك البرد الشديد الذي لو لم يأخذوا عدة تقيهم لتألموا ولتعذبوا ولتعرضوا لأضرار تنتج من ذلك البرد.
من الذي أحدثه؟ هو أن ربنا سبحانه هو الذي غير الزمان، دون أن نملك نحن لذلك تغييرا، ثم بعد فترة ومدة يسيرة تنقلب الحال فيكون الوقت شديد الحر؛ يأتي حر شديد. قد يفرط وقد يكون متوسطا. هذا الحر الشديد. من الذي أحدثه؟ إن الله سبحانه هو الذي يغيره.
الشمس والقمر موجودتان في الشتاء وموجودتان في الصيف، ومع ذلك فإن لكل منهما تأثيرا، وتأثيرهما أن الشمس تفيد الضياء وكذلك القمر يفيد النور، ومع ذلك لم يخفف وجودهما من شدة الحر، ولا من شدة البرد، فذلك دليل على أن الذي قدر ذلك وقيضه هو الخالق وحده، فليس لأحد تصرف فيه.
هذه الرياح التي تهب شمالا وجنوبا وشرقا وغربا؛ الرب تعالى هو الذي يثيرها. لو اجتمع الخلق على أن يسكنوها إذا ثارت وتسلطت لما استطاعوا، ولو سكنت وأرادوا أن يثيروها وأن يرسلوها لما استطاعوا ذلك، ومع ذلك أحيانا تأتي ببرد قارس شديد، وأحيانا تأتي بسموم شديد الحرارة وهي ريح واحدة وليس لأحد فيها تصرف.
إذن فالإنسان يعتبر بما يمر به في هذه الأوقات من هذه التغيرات، ويأخذ من ذلك موعظة وذكرى.

line-bottom