عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
محاضرة بعنوان المسلم بين عام مضى وعام حل
8467 مشاهدة print word pdf
line-top
اغتنام الأيام والليالي

إذا عرفنا أن هذه الأيام وهذه الليالي التي تمر بنا؛ عرفنا أن لها فضائل ومواسم؛ فإن علينا أن نستغلها عموما وخصوصا، أما العموم فهو حرصنا على كل وقت يمر بنا أن نستغله فيما يفيد. كل وقت وكل يوم يمر بنا نحرص على ألا يمضي إلا وقد أودعناه عملا صالحا نجده عند الله تعالى؛ وذلك لأن هذا اليوم يودع ما عمل فيه.
كما روي عن بعض السلف أنه قال: إن هذه الأيام والليالي خزانتان يعني: مملوءتان بما يخزن فيهما، وإنها في يوم القيامة تفتَّح؛ فالمسلمون المحسنون يجدون في خزائنهم العزة والكرامة، والمذنبون يجدون في خزائنهم الحسرة والندامة؛ لذا نستغل كل يوم يأتي علينا فيما يفيدنا؛ وذلك لأنه يوم جديد لم يأتنا من قبل. إذا تقلص وانتهى لا يعود إلينا. لا يعود إلينا الأمس الماضي ولا الذي قبله.
كل يوم قد مضى فإنه لا يعود إلينا، وهو سوف يشهد علينا:
مضى أمس كالماضي شهيدا معدلا
وأعقبــه يــوم عليــك جـديد
أمسُك الذي قد مضى لا حيلة لك في رده، وهذا اليوم يوم جديد فاستغله ولا تفرط في إضاعته، ولا تستعمله في لهو وسهو، فإنه شهيد عليك شهيدا معدلا بما عملت فيه.
يروى أن كل يوم ينادي: يا ابن آدم، إني يوم جديد وإني بما تعمل فيّ شهيد فاغتنمني، فإني لا أعود يعني: لا أعود إليك فإذا كان كل يوم ينادينا نستغله، ونحرص على أن نعمل فيه عملا صالحا، فكيف بكل أسبوع؟ وكيف بكل شهر؟ وكيف بكل سنة؟ وكيف بالسنوات التي مرت علينا؟ هل حاسبنا أنفسنا عما عملنا فيها؟
هذا من واجبك أيها المسلم. من واجبنا أن كلما مر بنا يوم حاسبنا أنفسنا: ما الذي تعدد؟ وما الذي تجدد؟ وما الذي استفدنا فيه؟ هل نحن في هذا اليوم خير منا بالأمس؟ هل نحن في هذا العام خير منا في العام الذي قبله؟ هل نحن في هذه السنوات خير منا أو دون ذلك؟
فإذا كنا قد تزودنا خيرا فإن ذلك علامة السعادة والفلاح. روي عن بعض السلف أنه قال: من كان يومه مثل أمسه فهو مغبون، ومن كان يومه دون أمسه فهو محروم، ومن لم يتفقد الزيادة في عمله فهو في نقصان، وهذا صحيح؛ وذلك لأنك في العام الماضي عمرك –مثلا- قليل، وفي هذا العام قد نقص عمرك، أفلا تشعر بأنك قربت من الأجل، قربت من الآخرة؟ ألا تغير حالتك؟ ألا تزداد حسنا إلى حسن؟ ألا تزيد وتضاعف أعمالك؟ ألا تتفقد نفسك؟ ألا تحاسب نفسك على ما تمر به؟ حاسبوا أنفسنا في كل يوم. هل تزودنا أم فرطنا أم ماذا عملنا؟
محاسبة النفس ليست محاسبتها على ما اكتسبنا من الأموال، أو على ما جمعنا من الأرباح، أو ما أشبه ذلك؛ بل إن من محاسبة النفس محاسبتها على ما تزودنا من الحسنات، وما اقترفناه من السيئات، وما عُذرنا في ذلك.
هذه هي المحاسبة التي حث عليها أمير المؤمنين -رضي الله عنه- حيث يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فإذن إذا عرفنا: نفاسة هذه الأيام، وأنها من الأعمار فإن الذين يستطيلونها، ويملون من طول الوقت ويقولون: إننا نشعر بفراغ، ثم مع ذلك يشغلون أوقاتهم ويضيعون أيامهم في اللعب الملهي ونحو ذلك.

line-bottom