إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
محاضرة بعنوان المسلم بين عام مضى وعام حل
7027 مشاهدة
الحكمة من وجود الأهلة

وأخبر أيضا بالحكمة في هذه الأهلة، وذلك لما سأل الصحابة رضي الله عنهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عنها أنزل الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ والمواقيت: هي التي يعرف بها مواقيت الأشياء . ففي مرور هذه الأيام وكذلك الأشهر مصالح للعباد، مواقيت للناس؛ يعرفون بها أوقاتهم فيعرف بمرورها حلول الآجال كالديون ونحوها.
وكذلك العِدد التي يحتاج إلى معرفة عدة المرأة المطلقة أو المفارقة أو المتوفى عنها، وما أشبه ذلك. وهكذا مواقيت العبادات. كالحج والصوم والزكاة مواقيتها تعرف بمرور هذه الأشهر، ففيها مصلحة.
ولذلك لو لم يكن ذلك لما انتفع الناس ولما عرفوا وقتهم أيّ وقت؛ ولذلك يقول تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يعني: لتسكنوا وتريحوا أنفسكم في الليل. وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ في النهار؛ يعني: غالبا، الأغلب والأكثر أن التقلب والانتشار يكون في النهار، وأن الليل يكون وقت الراحة ووقت الهدوء والسكون والرجوع إلى الاكتنان والنوم وأخذ الراحة.
هذا هو الأصل في جعل هاتين الآيتين: الليل والنهار . فلو كان الوقت كله ليلًا لما انتفع الناس وتقلبوا في حوائجهم، ولو كان كله نهارا لما حصلوا على زمن يريحون فيه أنفسهم. ولكن من رحمته أن جعل ليلا ونهارا مستمرا يعني: يأخذ هذا من هذا، ويستويان حينا فذلك من تمام نعم الله علينا.
هذا من جهة أنها نعمة وفيها منفعة.
كذلك فيها عبرة؛ عبرة وعظة؛ وذلك لأننا نرى غروب الشمس وغروب القمر، واجتماعهما أحيانا، وتفرقهما. نرى أنه في أول الشهر يكون الشمس والقمر مجتمعين، من ساعة ما تغرب الشمس يبدو القمر، وهكذا في الليلة بعدها. ثم بعد أيام يكونان متفرقين؛ الشمس في المغرب والقمر في المشرق أو بالعكس. ففي هذا أيضا عبرة وعظة حيث اجتمعا في يوم وفي وقت متقارب، ثم تفرقا وتباينا وتباعدا في وقت أيضا متقارب. أليس ذلك دليل على أن الذي يصرفهما ويسيرهما هو الله سبحانه وتعالى؟ المستحق لأنْ يعبد وأن يحمد وأن يثنى عليه، وأن يعرف حق معرفته، وأن يطاع حق طاعته.
ففي هذه الأوقات عبرة وعظة، كذلك ما يحدث الله في هذه الأيام والليالي من التقلبات؛ فيها أيضا عبرة وعظة فإنك تشاهد أو يمر بك كل سنة تقلب وتغير في الزمان. في زمن من الأزمنة يكون الوقت شديد البرد لا يقر الناس إلا في أكنة ويلبسون ألبسة غليظة؛ تقيهم ذلك القرّ وذلك البرد الشديد الذي لو لم يأخذوا عدة تقيهم لتألموا ولتعذبوا ولتعرضوا لأضرار تنتج من ذلك البرد.
من الذي أحدثه؟ هو أن ربنا سبحانه هو الذي غير الزمان، دون أن نملك نحن لذلك تغييرا، ثم بعد فترة ومدة يسيرة تنقلب الحال فيكون الوقت شديد الحر؛ يأتي حر شديد. قد يفرط وقد يكون متوسطا. هذا الحر الشديد. من الذي أحدثه؟ إن الله سبحانه هو الذي يغيره.
الشمس والقمر موجودتان في الشتاء وموجودتان في الصيف، ومع ذلك فإن لكل منهما تأثيرا، وتأثيرهما أن الشمس تفيد الضياء وكذلك القمر يفيد النور، ومع ذلك لم يخفف وجودهما من شدة الحر، ولا من شدة البرد، فذلك دليل على أن الذي قدر ذلك وقيضه هو الخالق وحده، فليس لأحد تصرف فيه.
هذه الرياح التي تهب شمالا وجنوبا وشرقا وغربا؛ الرب تعالى هو الذي يثيرها. لو اجتمع الخلق على أن يسكنوها إذا ثارت وتسلطت لما استطاعوا، ولو سكنت وأرادوا أن يثيروها وأن يرسلوها لما استطاعوا ذلك، ومع ذلك أحيانا تأتي ببرد قارس شديد، وأحيانا تأتي بسموم شديد الحرارة وهي ريح واحدة وليس لأحد فيها تصرف.
إذن فالإنسان يعتبر بما يمر به في هذه الأوقات من هذه التغيرات، ويأخذ من ذلك موعظة وذكرى.