إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
محاضرة في سراة عبيدة
3694 مشاهدة
محاضرة في سراة عبيدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد؛ نهنئكم أيها الإخوة بأنكم ممن منَّ الله تعالى عليهم بهذا الدين، وبتقبل هذه الشريعة وبالتمسك بها والعمل بتعاليمها.
وكذلك ما منَّ الله عليكم -وله الحمد- بترك المنكرات والمحرمات والشركيات، والبدع والمحدثات؛ فإن هذه نعمة عظيمة. يفرح كل مؤمن بأن يكون من أهل هذا الدين، ومن أهل هذا التمسك، ويستحق أن يُهنأ وأن يبشر بالخير. ولكن تعلمون كثرة الفتن وكثرة المحن، وتعلمون أيضا أنه لا بد من التحمل، ولا بد من الصبر، ولا بد من التمسك.
التمسك بدين الله تعالى؛ حتى لا يغتر الإنسان بما يعرض عليه من الفتن، والمزعزعات والزلازل والشقاق، وما يروجه أعداء الدين. فأوصيكم أولا: بالتمسك بدين الله سبحانه وتعالى، التمسك بالعقيدة السليمة، التمسك بالتوحيد الذي هو إخلاص الدين لله تعالى. التمسك بالأعمال الصالحة التي اختارها الله وأمر بها، التمسك بالسنة النبوية، والسيرة التي هي سيرة سلفنا الصالح، وأولياء الله سبحانه وتعالى.
فقد أمر الله تعالى بذلك، قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا الاعتصام هو القبض الشديد؛ أي عليكم أن تقبضوا على دينكم، وأن تتمسكوا به وتعتصموا به حق الاعتصام. سماه الله تعالى حبلا؛ لأنه مثل الحبل الذي يتدلى من السقف الذي يريد أن يصعد ويتمسك به فإنه يصل إلى غرضه بِحَبْلِ اللَّهِ ؛ يعني بشريعته وبدينه.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا حثكم على الاجتماع، ونهى عن التفرق وَلَا تَفَرَّقُوا ونهى أيضا عن الاختلاف، قال الله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ الاختلاف لا شك أنه سبب للضعف، سبب لضعف الإسلام والمسلمين، وسبب لضعف آثار الإسلام في القلوب، وسبب لقلة الأعمال الصالحة، وسبب أيضا للوقوع في المحرمات، وللوقوع في المنكرات، وسبب لقوة أهل المعاصي وتمكنهم؛ فلذلك حث الله تعالى على الاجتماع وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا .
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته لا بد أنها تتفرق، فقال صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي .
حدد هذه الفرقة الناجية أنها مَن تمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليها، وكذلك ورد في الحديث المشهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة سُنة النبي صلى الله عليه وسلم هي شريعته، ما كان يعمله من الأوامر والنواهي.
وما كان يفعله من العبادات والطاعات والقربات فإنها سنته التي حث على التمسك بها، الخلفاء الراشدون الذين تولوا الخلافة بعده كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز من خلفاء بني أمية هؤلاء خلفاؤه؛ أي خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إنهم ساروا على طريقته، ساروا على نهجه سواء في الاعتقاد؛ أي أنهم كانوا على عقيدة سليمة. أو في الأعمال أنهم عملوا بما كان يعمل به، لم يتركوا شيئا كان يعمله النبي صلى الله عليه وسلم إلا كانوا يعملونه بقدر جهدهم. لا شك أن هؤلاء هم القدوة وهم الأسوة الحسنة، ومن سار على نهجهم فإنه من أهل النجاة ومن أهل السلامة ومن أهل الاستقامة. كثيرا ما يأمر الله تعالى بالتمسك بالدين وبالاستقامة عليه؛ كقوله تعالى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ استمسك به يعني اقبض عليه وسر عليه.
وكأنه علم بأن الله تعالى سيبتلي أمته من بعده بأنواع من الخلافات، وأن هذه الخلافات تكون قادحة في تمسك الأمة بالدين، وفي عدم سيرهم على الصراط السوي؛ فلذلك كان يحث على التمسك كقوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ؛ أي الزموها وتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ؛ يعني أقاصي الأسنان، من شدة تمسككم بها؛ مخافة التفلت.
وذلك إذا كثرت الفتن، وكثرت المخالفات والبدع والمعاصي، والدعاة إلى تلك المعاصي. فإن الإنسان يكون على خطر إلا إذا وفقه الله تعالى واستمسك بما أوحى الله تعالى إلى نبيه.