لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
محاضرة بعنوان المسلم بين عام مضى وعام حل
6421 مشاهدة
الحكمة من تعاقب الشهور

وهكذا أيضا عندما تمر به الأشهر التي هي أشهر السنة، فإنها أيضا من الآيات والعبر، وقد ذكر الله أنها اثنا عشر شهرا قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وهذه الاثنا عشر شهرا معروفة قبل الإسلام وبعده، معروفة بأسمائها ولا اختلاف فيها بين العرب، وإن كان العجم يسمونها بأسماء غير ذلك.
وهذه الأشهر الظاهرة هي الأشهر القمرية التي يعرف بها مرور سنة كاملة هلالية، وهي التي نعرف بها عدد السنين والحساب. وأما الأشهر الشمسية فإنها أيضا اثنا عشر شهرا، ولكن ليس لها علامات بارزة كعلامات الأشهر القمرية، وتعرف أيضا قبل الإسلام وبعده الأشهر الشمسية، ولكن إنما تعرف بالحساب.
وبالجملة فإن هذه الأشهر التي تمر بنا فيها أيضا مواسم وفضائل. لكل شهر ميزته وفضيلته.
فمر بنا في سنتنا التي انصرمت شهر الله المحرم الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: إن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وفي ذلك الشهر مر بنا يوم عاشوراء؛ الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن صيامه يكفر السنة التي قبله، وأن فيه أنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه؛ فصامه موسى وقال النبي عليه السلام: نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه.
كذلك في الشهر الذي بعده الذي هو شهر صفر الذي كانت العرب تتشاءم فيه؛ فلا تساهم فيه ولا تسافر ولا تعمل فيه الأعمال المعتادة تشاؤما، واعتقادا أن فيه بلاء وضررًا، فأبطل النبي عليه الصلاة والسلام عاداتهم السيئة، كما ثبت عنه أنه قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر يعني: ولا تشاءموا في صفر الذي إنما هو شهر من الشهور. أبطل عاداتهم.
كما أنه مر بنا شهر ربيع الأول الذي فيه ولد النبي عليه الصلاة والسلام والذي فيه أيضا توفي، وأخذنا من مروره عبرة أن الموت لا بد منه، وأن الولادة يعقبها وفاة؛ ولذلك جمعهما الله في هذا الشهر حتى لا يكون يوم فرح ولا يوم حزن، بل يكون وسطا كسائر الأشهر، ولو اتخذه من اتخذه يوم عيد أو يوم سرور بلا دليل، وليس الموضع موضع تفصيل.
كذلك مر بنا شهر رجب، وفيه أيضا يقع الناس في كثير من البدع والمحدثات: كصلاة ابتدعوها يسمونها صلاة الرغائب، وبدعة هي ذبيحة يذبحونها فيه يسمونها العتيرة، وكتخصيصه بشيء من الأعمال والعادات البدعية القديمة الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها.
وكذلك الشهر الذي بعده وهو شهر شعبان، والذي اعتاد بعض الناس أن يعظموا ليلة النصف منه، وإن لم يكن عليها دليل واضح؛ لا بخصوص صيامها، ولا بخصوص قيام ليلها، ونحو ذلك.
وهكذا بعده شهر رمضان المعظم الذي فرض الله صيامه، وسن النبي عليه الصلاة والسلام قيامه.
وهكذا بعده أشهر الحج التي يشرع للناس أن يتوجهوا فيها إلى أداء الحج وهي: شوال وذو القعدة والعشر الأول من شهر ذي الحجة. وهكذا ختمت السنة بهذا الشهر الذي نحن في أخرياته وهو شهر ذي الحجة؛ سمي بذلك؛ لأنها تؤدى فيه الحجة التي هي التوجه إلى البيت العتيق لأداء تلك المناسك.
فبمرور هذه الأشهر شهرا بعد شهر، نعرف ما في كل شهر من الوظائف والفضائل والأعمال. هذا بالنسبة للسنة القمرية.
وأما بالنسبة للسنة الشمسية فإنها مرت بنا. أيضا فصول السنة الشمسية التي هي: فصل الربيع وفصل الصيف وفصل الخريف وفصل الشتاء. فصول كل واحد منها ثلاثة أشهر بالأشهر الشمسية. فيها أيضا تغيرات: مر بنا البرد الشديد، والحر الشديد، والوسط بينهما، والربيع الذي هو أفضل تلك المواسم وأزهرها. وما أشبه ذلك.
أليس ذلك مما نأخذ به عبرة وعظة في مواسم هذه الأعوام التي تمر بنا؟