تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
محاضرة بعنوان المسلم بين عام مضى وعام حل
7361 مشاهدة
الحكمة من تعاقب الشهور

وهكذا أيضا عندما تمر به الأشهر التي هي أشهر السنة، فإنها أيضا من الآيات والعبر، وقد ذكر الله أنها اثنا عشر شهرا قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وهذه الاثنا عشر شهرا معروفة قبل الإسلام وبعده، معروفة بأسمائها ولا اختلاف فيها بين العرب، وإن كان العجم يسمونها بأسماء غير ذلك.
وهذه الأشهر الظاهرة هي الأشهر القمرية التي يعرف بها مرور سنة كاملة هلالية، وهي التي نعرف بها عدد السنين والحساب. وأما الأشهر الشمسية فإنها أيضا اثنا عشر شهرا، ولكن ليس لها علامات بارزة كعلامات الأشهر القمرية، وتعرف أيضا قبل الإسلام وبعده الأشهر الشمسية، ولكن إنما تعرف بالحساب.
وبالجملة فإن هذه الأشهر التي تمر بنا فيها أيضا مواسم وفضائل. لكل شهر ميزته وفضيلته.
فمر بنا في سنتنا التي انصرمت شهر الله المحرم الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: إن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وفي ذلك الشهر مر بنا يوم عاشوراء؛ الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن صيامه يكفر السنة التي قبله، وأن فيه أنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه؛ فصامه موسى وقال النبي عليه السلام: نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه.
كذلك في الشهر الذي بعده الذي هو شهر صفر الذي كانت العرب تتشاءم فيه؛ فلا تساهم فيه ولا تسافر ولا تعمل فيه الأعمال المعتادة تشاؤما، واعتقادا أن فيه بلاء وضررًا، فأبطل النبي عليه الصلاة والسلام عاداتهم السيئة، كما ثبت عنه أنه قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر يعني: ولا تشاءموا في صفر الذي إنما هو شهر من الشهور. أبطل عاداتهم.
كما أنه مر بنا شهر ربيع الأول الذي فيه ولد النبي عليه الصلاة والسلام والذي فيه أيضا توفي، وأخذنا من مروره عبرة أن الموت لا بد منه، وأن الولادة يعقبها وفاة؛ ولذلك جمعهما الله في هذا الشهر حتى لا يكون يوم فرح ولا يوم حزن، بل يكون وسطا كسائر الأشهر، ولو اتخذه من اتخذه يوم عيد أو يوم سرور بلا دليل، وليس الموضع موضع تفصيل.
كذلك مر بنا شهر رجب، وفيه أيضا يقع الناس في كثير من البدع والمحدثات: كصلاة ابتدعوها يسمونها صلاة الرغائب، وبدعة هي ذبيحة يذبحونها فيه يسمونها العتيرة، وكتخصيصه بشيء من الأعمال والعادات البدعية القديمة الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها.
وكذلك الشهر الذي بعده وهو شهر شعبان، والذي اعتاد بعض الناس أن يعظموا ليلة النصف منه، وإن لم يكن عليها دليل واضح؛ لا بخصوص صيامها، ولا بخصوص قيام ليلها، ونحو ذلك.
وهكذا بعده شهر رمضان المعظم الذي فرض الله صيامه، وسن النبي عليه الصلاة والسلام قيامه.
وهكذا بعده أشهر الحج التي يشرع للناس أن يتوجهوا فيها إلى أداء الحج وهي: شوال وذو القعدة والعشر الأول من شهر ذي الحجة. وهكذا ختمت السنة بهذا الشهر الذي نحن في أخرياته وهو شهر ذي الحجة؛ سمي بذلك؛ لأنها تؤدى فيه الحجة التي هي التوجه إلى البيت العتيق لأداء تلك المناسك.
فبمرور هذه الأشهر شهرا بعد شهر، نعرف ما في كل شهر من الوظائف والفضائل والأعمال. هذا بالنسبة للسنة القمرية.
وأما بالنسبة للسنة الشمسية فإنها مرت بنا. أيضا فصول السنة الشمسية التي هي: فصل الربيع وفصل الصيف وفصل الخريف وفصل الشتاء. فصول كل واحد منها ثلاثة أشهر بالأشهر الشمسية. فيها أيضا تغيرات: مر بنا البرد الشديد، والحر الشديد، والوسط بينهما، والربيع الذي هو أفضل تلك المواسم وأزهرها. وما أشبه ذلك.
أليس ذلك مما نأخذ به عبرة وعظة في مواسم هذه الأعوام التي تمر بنا؟