اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
محاضرة في الزلفى مع شرح لأبواب من كتاب الجنائز في صحيح البخاري
9421 مشاهدة print word pdf
line-top
التمسك بالسنة

أما الوصية الثانية فهي: التمسك بالدليل الذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم- عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة والتمسك بها هو: العمل بها وإن كثر المخالفون؛ ولذلك قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا حبل الله هو: شرعه ودينه؛ والاعتصام به التمسك به والقبض عليه، شبه شرع الله بالحبل الذي يوصل إلى السماء؛ فمن تمسك به فإنه يصل إلى رضا الله، ومن أفلته وتركه فإنه يتعرض للهلاك.
كذلك قوله: تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ أي تمسكوا بهذه السنة، أمسكوها بأيديكم؛ وإذا خفتم أن تتفلت منكم، فعضوا عليها بأقاصي أسنانكم وهي النواجذ؛ مخافة أن تتفلت منكم.
وذلك لأنه -عليه الصلاة والسلام- عرف أن هناك من ينشر البدع، ومن ينشر المعاصي والمنكرات، ومن يدعو إلى المعاصي والمحرمات، ومن يزهد في الطاعات ويرغب أو يدعو إلى فعل الجرائم والمحرمات، ولا يصبر على الطاعة ويتمسك بها إلا من قوي دينه، من قوي إيمانه وقوي يقينه، فهو الذي يوفقه الله تعالى ويعينه حتى يكون ثابتا على دين الله تعالى.
إذاً فعلينا أن نقوي إيماننا ونقوي عقيدتنا؛ فنحرص على أن تكون العقيدة ممتلئة بها القلوب، معرفة ربنا، ومعرفة نعم الله علينا، ومعرفة ما خلقنا له، ومعرفة حالنا ومآلنا، ومعرفة ما نئول إليه، والإيمان بالدار الآخرة، والإيمان بالجزاء بعد الموت؛ الجزاء على الأعمال التي نعملها في الدنيا، والتصديق بأن كل من عمل عملا فإنه يلاقي عمله ويلقى جزاءه؛ إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وقراءة الأدلة على ذلك التي إذا قرأها المؤمن من آيات الله وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- زادته إيمانا، وقوي يقينه وصار من أهل الثقة بوعد الله تعالى، والتحقق بما أمر الله به وبما أخبر به، لا شك أن هذا هو السبب في تقوية اليقين، فمتى قوي يقين العبد فإنه يتمسك بشرع الله ولو كثر المعارضون.
في هذه الأزمنة ما أكثر الفتن، وما أكثر المضلين الذين يدعون إلى المعاصي، والذين يدعون إلى الكفر، والذين يدعون إلى البدع، والذين يزهدون في الطاعات، والذين يزهدون في فعل الخيرات، والذين يكسلون المؤمن ويثبطونه عن المسابقة إلى الخيرات؛ فإذا أطاع أولئك الكثيرين الذين يكسلونه ويدعونه إلى عدم التنافس في الخيرات؛ فإنه بلا شك سوف يركن إليهم، ويضعف إيمانه، ويضعف يقينه، ويُخشى عليه أن يتفلت من هذه السنة التي أمر بأن يتمسك بها.
فعلينا أولا أن نعرف المراد بالسنة التي قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ما المراد بها؟ سنته -صلى الله عليه وسلم- شريعته التي بلغها والتي أداها إلى أمته، والتي هي رسالته التي أرسل بها؛ فإذا بلغها وحملها الصحابة وعملوا بها فوصلت إلينا كاملة محبورة؛ فما علينا إلا أن نتمسك بها، وأن نطبقها في أحوالنا كلها، وأن لا نتوانى ولا نتكاسل في العمل بسنة تحققنا أنها من سنة وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

line-bottom