إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
مسألة محيرة
14745 مشاهدة print word pdf
line-top
أمثلة لواقع الناس في القضاء والقدر

المثال الأول: رجل كان مسرفا على نفسه كثير الجراءة على المعاصي
وبعد هذا الجواب المفصل المقنع -إن شاء الله- فإننا نذكر مثالين –واقعين لكثير من الناس في القضاء والقدر–، وقد ذكرهما فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي –رحمه الله– في كتابه (الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية) فقال:
المثال الأول رجل كان مسرفا على نفسه كثير الجراءة على المعاصي فقال له صاحبه –وهو يناصحه ويحاوره–: أما ترتدع عما أنت عليه؟ أما تتوب إلى ربك وتنيب إليه؟ أما علمت أن عقابه شديد على العاصين؟
فقال المسرف: دعني أتمتع فيما أريد؛ فلو شاء الله لهداني، ولو أراد لي غير ذلك لما أغواني.
فقال له الناصح: بهذا الاعتذار الكاذب ازداد جرمك، وتضاعف ذنبك، فإن الله لم يغوك، بل الذي أغواك الشيطان، وانقادت له النفس الأمارة بالسوء، حيث قال الشيطان -مخاطبا لربه- قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فالشيطان دعاك إلى المعاصي فأجبته، والله دعاك إلى الهدى فعصيته.
بين الله لك السعادة وطرقها، وسهل أسبابها ورغبك فيها، ووضح لك طريق الشقاوة، وحذرك من سلوكها واتباع خطوات الشيطان، وأخبرك بما تئول إليه من العذاب الشديد، فرضيت، واستبدلت الضلالة بالهدى، والشقاوة بالسعادة.
وجعل لك قدرة وإرادة تختار بهما، وتتمكن بهما من كل ما تريد، ولم يلجئك إلى فعل المعاصي، ولا منعك من الخير، فسلكت طريق الغي، وتركت طريق الرشد، فلا تلم إلا نفسك.
أما سمعت ما يقول الداعي لأتباعه يوم القيامة حيث يقوم خطيبا فيهم: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَـانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ .
فقال المسرف: كيف أستطيع أن أترك ما أنا فيه، والله هو الذي قدره علي؟! وهل يمكنني الخروج عن قضائه وقدره؟!
فقال له الناصح: نعم يمكنك الخروج بقدره، والتوبة والإقلاع عما أنت فيه -وأنت تعلم علما لا تشك فيه- من قدر الله، فارفع قدر الله بقدره.
ثم إن قولك: إن المعاصي الواقعة مني من قدر الله . إن أردت أن الله أجبرك عليها وحال بينك وبين الطاعة، فأنت كاذب، وأول من يعلم كذبك نفسك؛ فإنك تعلم كل العلم أنك لو أردت ترك الذنوب لما فعلتها، ولو أردت إرادة جازمة فعل الواجبات لفعلتها، فلقد أقدمت على المعاصي برغبة منك ومحبة لها، وإرادة لا تشك ولا يشك غيرك فيها، وتعلم أن قولك: إنها بقضاء الله وقدره. دفع اللوم عنك، فهل تقبل هذا العذر لو ظلمك ظالم، أو تجرأ عليك متجرئ وقال: إني معذور بالقدر فلا تلمني؟ أما يزيدك كلامه هذا حنقا وتعرف أنه متهكم بك؟!
فقال المسرف: بلى، هذا الواقع.
فقال الناصح: كيف ترضى أن تعامل ربك -الذي خلقك وأنعم عليك النعم الكثيرة- بما لا ترضى أن يعاملك به الناس؟!
وإن أردت بقولك: إنها بقضاء وقدر، بمعنى: أن الله علم مني أني سأقدم عليها، وأعطاني قدرة وإرادة أتمكن بهما من فعلها، وأنا الذي فعلت المعاصي بما أعطاني ربي من القوى التي مكنني فيها من المعاصي، وأعلم أنه لم يجبرني ولم يقهرني، وإنما أنا الذي فعلت، وأنا الذي تجرأت. فقد رجعت إلى الحق والصواب، واعترفت بأن لله الحجة البالغة على عباده.


line-bottom