إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
58698 مشاهدة print word pdf
line-top
شرح رسالة أبو زيد القيرواني

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال أبو محمد عبد الله بن أبى زيد القيرواني رحمه الله تعالى: الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته، وصوره في الأرحام بحكمته، وأبرزه إلى رفقه، وما يسره له من رزقه، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما.
ونبهه بآثار صنعته، وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه، فهدى من وفقه بفضله، وأضل من خذله بعدله، ويسر المؤمنين لليسرى وشرح صدورهم للذكرى، فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين، وتعلموا ما علمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم.
أما بعد. أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه، وحفظ ما أودعنا من شرائعه، فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيء من الآداب منها لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن؛ ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك لما رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه.
واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجله الراغبون -إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين؛ ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الديانة وحدود الشريعة ليراضوا عليها. وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم، وتعمل به جوارحهم؛ فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله، وإن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر، وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون إن شاء الله تعالى بحفظه، ويشرفون بعلمه، ويسعدون باعتقاده والعمل به.
وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين، ويضربوا عليها لعشر، ويفرق بينهم في المضاجع؛ فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم؛ ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم، وسكنت إليه أنفسهم، وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم.
وقد فرض الله سبحانه وتعالى علي القلب عملا من الاعتقاد، وعلى الجوارح الظاهرة عملا من الطاعات. وسأفصل لك ما أذكره ليقرب من فهم متعلمه إن شاء الله تعالى، وإياه نستخير وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد نبيه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه الرسالة رسمت بأنها تعليم العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار؛ يعنى يعلمها الصغار ويلقنونها في صغرهم؛ حتى ينشئوا على تعليم العلم النافع وحتى يحبوا العمل الصالح؛ وذلك لأن الصغير إذا نشأ على طاعة الله تعالى سهلت عليه فيما بعد أن يعمل ببقية الطاعات، وأن يعمل بها في شيخوخته وفي كهولته؛ ولأجل ذلك كان مشائخنا ومشائخ مشائخنا يلقنون الصغار أي في حالة صغرهم -يلقنون أولادهم، ويلقنون أولاد المسلمين تعليم العقيدة في صغرهم.
حتى في السنة الثالثة والرابعة والخامسة من عمره يلقنونه: من ربك؟ وبأي شيء عرفت ربك؟ ولأي شيء خلقك الله؟ وما أول شيء فرضه الله عليك؟ وما عبادة الله التي أمر الناس بها؟ وما أنواع العبادة؟ وما دينك؟ وما أركان دينك؟ وما تعريف الإسلام والإيمان والإحسان؟ ومن نبيك؟
وهكذا الصغير إذا عرف ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله، وعظم العبادة في صغره وأحبها في كبره، وسهلت عليه العبادة وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه.
فهذا هو السبب في عناية الآباء بأولادهم في الصغر؛ وذلك لأنهم إذا نشئوا على الطاعة وأحبوها، صلحوا بعد ذلك في الكبر. وإذا صلحت قلوبهم، وصلحت أعمالهم، وصلحت نياتهم ونشئوا على العبادة -كان من جملة ما ينشئون عليه بر الآباء وصلة الأرحام؛ لأنهم يعرفون أن لآبائهم ولوالديهم حقا عليهم.
يعرفون أن الله تعالى قرن حقه بحق الأبوين في قوله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ وفي قوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا فيكون ذلك سببا في بر الوالدين، وفي طاعة الوالدين، وفي محبة الأبوين، وفي الإحسان إلي الأبوين. وذلك من حسن حظ الأبوين أن يكون الأبناء بررة بآبائهم، وأن يعرفوا حق الله تعالى وحق الوالدين، ولا يخرجوا عن طاعة ربهم ولا عن طاعة آبائهم.
وهذه الرسالة تعتبر عقيدة يعقد عليها القلب -قلوب الصغار وقلوب الكبار، ولكن كان الكبار عادة في ذلك الزمان يتوسعون في أمر العقيدة، ويقرءون الكتب المطولة، ويقرءون الأدلة التي تدل على تلك العقيدة، فلا يكتفون بالمختصرات بخلاف زماننا هذا، فإنهم بحاجة إلي المختصرات حتى يتقنوها ولو كانوا كبارا؛ وذلك لوجود ما يشغل الكبار.
في هذه الأزمنة الكبار ينشغلون بالدنيا، وينشغلون باللهو وبالباطل، وينشغلون بالقيل والقال، وينشغلون بالأسفار والتقلبات، ولا يتفرغون لأمر ولتعلم العقيدة؛ فهم بحاجة إلى تعلم المختصرات قبل أن يتعلموا المبسوطات؛ فهذه الرسالة تفيد للصغار وللكبار. إذا عرفها وحفظها الكبير اعتنى بها، ولقنها أطفاله ذكورا وإناثا في سن الرابعة والخامسة والسادسة وما بعد ذلك. نقرأ هذه المقدمة في هذه الليلة، وفي الليالي القابلة إن شاء الله نواصل لعلنا نكملها في هذه الدورة.
ابتدأها بحمد الله؛ اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بالحديث المشهور كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أو أبتر أو أجذم والمعنى أنه ناقص البركة. الله تعالى يحمد على أسمائه وصفاته، ويحمد على نعمه وآلائه، ويحمد على خلقه وتدبيره. فهو يحمد على الخير ويحمد على الشر؛ وذلك لأن الشر في حقه خير؛ لأنه لا يقدر قدرا -ولو كان فيه ضرر- إلا وله فيه حكمة.
هاهنا ابتدأ حمد الله، حمده على خلقه؛ أنه ابتدأ خلق الإنسان بنعمته؛ أعني خلق الإنسان كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ وقال الله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ذكر الله تعالى بدأ خلق الإنسان: الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى وقال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ .
هكذا أخبر بأنه ابتدأ خلق الإنسان من طين خلقه بنعمته. خلق الله تعالى للإنسان نعمة منه؛ أنه أخرجه إلى هذه الدنيا، وأنه كمل له خلقه؛ ولذلك قال: وصوره في الأرحام بحكمته. هكذا الإنسان وغيره يصورهم يقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ ؛ يعني في أرحام الأمهات. وقال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فصوره في الأرحام. قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً .
يعني أوله من سلالة الطين. وأما أولاده فإنهم أولا- من ماء مهين، وهو هذا المني، ثم جعل الله تعالى الماء، يقول: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ؛ يعتني به سبحانه وهو في بطن أمه. وهكذا أيضا كل أنثى، فإنها تعقد الحمل، ينعقد حملها الأنثى من بهائم الأنعام، والأنثى من الطيور والأنثى من الحشرات، والأنثى من الوحوش ومن السباع وما أشبهها؛ فكل أنثى يصور الله تعالى في بطنها من جنسها، هذا الجنس الذي يتولد من كل ذكر وأنثى. من كل زوجين يتولد منهما ما يكون من جنسهما، ولا يتولد من غيرهما.
هكذا صغارا وكبارا؛ فالبعوض لا تلد ذبابا، والذباب لا تلد فراشا، والفراش لا تلد زنابير، والزنابير لا تلد خنافس، وكذلك الخنافس لا تلد عقارب، والعقارب لا تلد حيات، والحيات لا تلد فئارا، والفأر لا يلد يربوعا، واليربوع لا يلد لا يلد مثلا غير جنسه؛ بل كل جنس يتولد منه جنسه هذا خلق الله تعالى.كذلك أبرزه إلى رفقه؛ يعني بعد أن كان جنينا في الرحم قدر الله خروجه.
أخرجه من بطن أمه، أنعم عليه حتى أخرجه سليما سويا كامل الأعضاء، ثم بعد ذلك ما يسره من رزقه يسر له الرزق؛ ففي الرحم رزقه من باب واحد وهو من السرة. يأتيه هذا الدم الذي هو دم الطمث فينبت عليه، ويتغذى به، وهو في الرحم يتغذى من باب واحد. فإذا خرج إلى الدنيا تغذى من بابين وهما الثديان، يأتيه رزقه من هذين الثديين. ألهمه الله أن يمتص وهو طفل ساعة ما يخرج -ألهمه أن يمص، وجعل هذا الامتصاص يدر عليه هذا الغذاء الذي ينبت عليه جسمه.
فإذا فطم بعد ذلك فإنه ييسر الله له أربعة أبواب: طعامان، وشرابان. الطعامان: اللحم، والنابت من الأرض من سائر النباتات، اللحوم والنبات. الشرابان: الماء، واللبن، وهكذا يتغذى على هذه الأطعمة طعامان وشرابان، هذا معنى يسره له من رزقه. يقول: وعلمه ما لم يكن يعلم كما قال تعالى: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
وذلك لأنه أخرجه إلى الدنيا وهو لا يعرف شيئا -ولكن يسر له الطريقة التي يتعلم بها يقول الله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ فهو يتعلم بها فيسمع، هذا السمع يصل إلى صماخه فيسمعه. ويعقل، لولا هذا العقل ما فهم السمع لم يفهم الكلام، فجعل الله تعالى له العقل حتى يسمع ويعقل. وجعل له البصر حتى يقرأ ويكتب، وأنطق له اللسان حتى يسأل ويتعلم ويستفصل؛ فيكون بهذه الجوارح الأربع يتعلم بالقلب والسمع والبصر واللسان. وكان فضل الله عليه عظيما حيث رباه في صغره، وحيث أعطاه هذه الجوارح ليتعلم بها.
ونبهه بآثار صنعته يعني دله على أن يتفكر وأن يتأمل حتى يعرف بذلك أنه مخلوق، وأن له خالقا، وأن الذي خلقه ما خلقه عبثا. يتفكر في آيات الله القريبة والبعيدة؛ فأقربها يتفكر في نفسه كيف خلقه الله على هذه الخلقة؟!! فأكمل له خلقه، وأعطاه ما تتم به حياته. أقامه على قدميه ليتمكن من التقلب والذهاب والإياب، وبسط له اليدين ليحترف بهما وليعمل بهما، وأعطاه القلب وأعطاه اللسان وأعطاه الجوارح.
ثم كذلك أمره بأن يتأمل فيما بين يديه وما خلفه، فيتفكر في المخلوقات العلوية والسفلية، ويتفكر في البحار، ويتفكر في البراري، ويأخذ من ذلك عبرة يعرف بها ربه يعرفه بآثار صنعته. وفي عقيدة أبي الخطاب
قالوا بم عرف المكلــف ربه
فأجبت بالنظم الصحيح المرشد
يعني بأي شيء عرفت ربك ؟ عرفت ربي بهذه المخلوقات، عرفته بالنظم الصحيح المرشد، بما خلقه وما أبداه وما أظهره من هذه المخلوقات.
وفي كــل شـيء له آية
تدل علـى أنــه واحـد
ولله في كـل تحريكــة
وتسكينــة أبدا شاهد
وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه؛ يعني قد يقول: إن عقلي لا يهديني إلى معرفة العبادة، ولا إلى معرفة الحلال والحرام. قد يهديه عقله إلى معرفة أنه مخلوق، وإلى معرفة أن له خالقا، وأن لهذا الكون مدبرا -يهديه عقله إلى ذلك ولكن ما يهديه عقله إلى الحلال والحرام، ولا يهديه إلى العبادات وإلى المحرمات وما أشبهها؛ فلأجل ذلك أعذر الله على ألسنة رسله، أعذر إلى الخلق قال الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فهو أرسل الرسل حتى تنقطع الحجة.
بعث الله تعالى: فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ؛ فلذلك نقول: إن الله تعالى أعذر إلى خلقه حيث أرسل الرسل، وأنزل الكتب وبين فيها الشرائع فانقطعت حجة المحتج بأن يقولوا: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ لما أنه أرسل رسله وأنزل كتبه، فانقسم الناس؛ فمنهم شارد مخالف للحق ومعاند، ومنهم من هدى الله تعالى.
فالذين اهتدوا قد وفقهم الله فضلا منه ونعمة عليهم؛ فأنت أيها المهتدي عليك أن تعترف بأن هذه الهداية فضيلة، وأنها تفضل من الله تعالى؛ فهو الذي من عليك وهدى قلبك وأقبل به. وهو الذي بصرك بالحق، وهو الذي أنار بصيرتك، وهو الذي يسر لك اليسرى وجنبك العسرى، قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى فهذا فضل من الله تعالى يعترف به العباد.
فنقول: من هداهم الله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولهم هذه الكرامة، ومن أضلهم الله وخذلهم وحال بينهم وبين الهداية وانصرفت قلوبهم وتسلط عليهم الأعداء وأضلوهم عن سواء السبيل -فأولئك الذين حرموا الهداية، وليس الله تعالى ظالما لهم ولكن علم أنه لا خير فيهم فلم يهدهم؛ لأنهم لم يكونوا من أهل الهداية؛ فتسلط عليهم الأعداء تسلط عليهم الشيطان فأضلهم، وتسلطت عليهم الدنيا، وتسلطت عليهم أهواؤهم وأنفسهم الأمارة بالسوء، وتسلط عليهم شياطين الأنس، فصرفوهم.
فإذا رأيت هؤلاء الذين ضلوا فلا تعتقد أن الله ظلمهم حيث لم يهدهم، ولكن عليك أن تعرف أن الله تعالى عدل في أمره، وعدل في شرعه، وأنه ما حرم من حرم إلا لأنهم لم يكونوا أهلا للهداية فصاروا محرومين، فأضلهم وخذلهم عدلا منه وحكمة. يسر للمؤمنين اليسرى كما في هذه الآية فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ؛ يعني سهل لهم سبل الهداية، وفتح قلوبهم وصدورهم لتقبلها، وشرح صدورهم للذكرى كما في قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ شرح الله صدورهم للإسلام.
وقال الله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ شرح صدورهم للذكرى فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين يقولون: آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ يقولون: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ويقولون: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ينطقون بالإيمان تنطق به ألسنتهم، وتعتقده قلوبهم ويخلصون بقلوبهم؛ يعني ما في قلوبهم من الإيمان فهو خالص يدينون به لله تعالى.
وكذلك عباداتهم وكذلك دعاؤهم قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وقال تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فقلوبهم مخلصة. وبما أتتهم به رسل الله وكتبه عاملين، مطبقين لكل ما جاءتهم به الرسل ولكل ما نزلت به الكتب لا يخلون بشيء من ذلك؛ نسأل الله أن يجعلنا منهم. تعلموا ما علمهم؛ أي ما علمهم الله وما علمهم رسوله ما جاءهم في الكتاب وما جاءهم في السنة تعلموه.
ووقفوا عند ما حده لهم؛ يعني لم يتجاوزوا ما حد لهم، فلا يتدخلون في علم الغيب، ولا يسألون عما حجب عنهم، ولا يتكلفون كما قال الله: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ لا يتكلفون العلوم التي حجبت عنهم ككيفية علم الذات، وكيفية علم الصفات والأفعال، وكذلك الحكم في المخلوقات، والحكم في الأوامر والنواهي وما أشبه ذلك.
هكذا تعلموا ما أتتهم به الرسل، ووقفوا عند ما حده لهم ولم يتجاوزوه، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم. الله تعالى بين لهم الحلال واكتفوا به عن الحرام؛ فأحل لهم النكاح واكتفوا به عن الزنى، وأحل لهم البيع واكتفوا به عن الربا، وأحل لهم سماع كلام الله وسماع الذكر والكلام المباح واكتفوا به عن الغناء وما أشبه ذلك.
يقول رحمه الله: أما بعد. أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه، سأل الله تعالى أن يعيننا على أن نرعى ما استودعنا؛ فإنه تعالى استودعنا ودائع كثيرة، وأمرنا برعايتها، فاستودعنا السمع وأمرنا أن نرعاه، رعايته أن نستعمله في سماع الذكر والقرآن والخير والعلم النافع. ومن ودائعه البصر ورعايته أن ننظر به فيما ينفعنا، ننظر ونتفكر فيما بين أيدينا وما خلفنا ونقرأ ما ينفعنا ونكتب ما يفيدنا.
ومن أماناته وودائعه اللسان استودعه عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف، ولا في همز ولمز ولا في طعن وسباب وشتم وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح تعتبر ودائع أمر الله تعالى بأن نحفظها وأن نرعاها، وتعتبر أمانات داخلة في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ .
وجعلنا من الذين يحفظون ما أودعهم من شرائعه، أعاننا على حفظ شرائعه التي استودعها. شرائعه الأوامر والنواهي؛ يعني أنه شرع لنا العبادات كأركان الإسلام الخمسة، وكذلك أيضا الواجبات، وكذلك شرع تحريم المحرمات والتي رتب عليها العقوبات. فهذه كلها علينا أن نرعاها. يقول بعد ذلك: فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الدين. يدل على أن كل ما كتبه فإنه من الواجبات.
ليس من المستحبات، بل من الواجبات التي تجب إما أن يجب اعتقادها، وإما أن يجب العمل بها. وأنها كلها من أمور الديانة؛ أي مما يدين العباد به لربهم، مما تنطق به الألسنة كالتسبيح والتحميد والتكبير والذكر والقراءة والدعاء ونحو ذلك، وكالنصيحة والدعوة إلى الله. ومما تعتقده القلوب؛ أي تعقد عليه القلوب، وعقدها عليه يدل على أنه من العقيدة، وأن الإنسان يعقد عليه قلبه.
ينعقد قلبه على أن الله تعالى هو ربه، وعلى أنه الذي خلق الخلق، وعلى أنه كلفهم وأمرهم ونهاهم، وعلى أنه سبحانه ما خلقهم عبثا، ولا تركهم هملا، وتعقد القلوب على أن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وعلى أنه فوق عباده، وأنه على عرشه بائن من خلقه وأنه قريب من عباده، وغير ذلك. كذلك تعمله الجوارح؛ وذلك لأن القلوب إذا امتلأت بالعقيدة انطلقت الجوارح بآثارها عملت بذلك الجوارح.
وإذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيف العبادة وضعيفا في عبادته في صلواته وفي صدقاته وزكواته وما إلى ذلك -رأيت أو عرفت أنه ضعيف العقيدة؛ فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب امتلأت بها الجوارح وظهرت آثارها. وإذا كانت العقيدة في القلوب ضعيفة ضعف آثارها في الجوارح. وما يتصل بالواجب من ذلك. الواجب الذي هو فرض وحتم. ما يتصل به من السنن التي هي المستحبات سواء من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيء من الآداب منها.
كان المؤلف قد توسع في كتابته لم يقتصر على الواجبات، بل ذكر المؤكدات، والمستحبات، والنوافل كنوافل الصدقات ونوافل الصيام ونوافل الصلاة ونوافل الحج ونوافل الجهاد ونوافل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونوافل النصيحة والدعوة والصلة وما أشبه ذلك. ورغائبها، وشيء من الآداب الشرعية التي أدب الله تعالى بها عباده -ولكن كتب ذلك في مؤلفات أخرى أما هذه الرسالة فاحتوت على العقيدة.
يقول: لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان؛ يعني الأولاد من ذكور وإناث يعني أن السائل يقول: أرغب في أن تكتب لي هذه النوافل وهذه الفرائض حتى ألقن بها الأولاد، أولادي وأولاد غيري، وحتى أنشرها فكل يلقن أولاده هذه التعليمات. كما نعلمهم حروف القرآن؛ يعني كما أنك تعلمهم في صغرهم مبادئ القراءة.
يعني تعلمهم مثلا سورة الفاتحة، وهم صغار وسورتي الإخلاص وسورتي المعوذتين، وما أشبه ذلك؛ فإن ذلك مما يحبب إليهم كلام الله. ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، إذا فهموا وفهمت قلوبهم دين الله تعالى وفهموا شرائع الله، رجي لهم بركة هذه الحروف هذه الكلمات القرآنية، وكان ذلك سببا في استقامتهم، وسببا في أن تحمد عواقبهم -تحمد لهم العاقبة، ويكون أثر ذلك عليهم ظاهرا إذا تعلموا ذلك وهم صغار، فذلك فضل الله.
يقول: فأجبتك إلى ذلك؛ يعني كتبت ما طلبته مني لما رجوته لنفسي ورجوته لك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه؛ فإن من علم دين الله تعالى فله أجر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه وذلك فضل كبير، فثواب من دعا إلى دين الله أو علم دين الله. يقول: اعلم أن خير القلوب أوعاها للخير.
القلوب أوعية؛ يعني أنها أوان، فمنها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. فأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير؛ أي تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين وتمتلئ بالعبادة، وتمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن القلوب أربعة: قلب المؤمن وصفه بأنه قلب ممتلئ نورا، وأنه كالسراج يضئ بما يتلقاه، وأن قلب المنافق وصفه بأنه كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، ووصف القلوب بعد ذلك بقلب مصفح؛ يعني يأتيه الخير ولكن لا يستقر فيه، وبقلب له مادتان مادة خير ومادة شر فهو لأغلبهما فإذا كان القلب واعيا للخير فإنه خير القلوب.
وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق إليه الشر. القلب الذي امتلأ بالخير، ولم يكن للشر فيه موضع بل الخير كله وعاؤه هذا هو قلب المؤمن. الخير الذي يمتلئ به هو العلم -العلم النافع والعقيدة السليمة، وكذلك كلام الله وكلام نبيه، وكلام أهل العلم. هذا أولى ما عني به الناصحون؛ الخير الذي هو العلم النافع أولى شيء يعتني به الناصحون الذين ينصحون الخلق وعلى رأسهم الرسل، وأتباع الرسل.
فالله تعالى قد أخبر بأنهم ناصحون قال نوح لقومه: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وكذلك قال هود لقد أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ وكذلك قال صالح لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ فالأنبياء بعثهم الله بالنصيحة. النصيحة مشتقة من نصح العسل إذا خلصه وصفاه من الشوائب؛ وذلك لأن الناصح قد صفى قلبه لك، فهو يحب لك الخير ويصفيه لك، ويزين لك أن تعتنقه وأن تسلكه فهو ناصح، وضده هو الغاش.
الغشاشون الذين يرسلون الشر في صورة الخير، فالناس إما غشاش وإما ناصح، فعليك أن تقبل نصيحة الناصح الذي لا يجلب لنفسه منفعة منك وإنما يريد المنفعة لك ويريد الأجر من الله. ورغب في أجره الراغبون الناصحون يريدون الأجر من الله، ما يريدون الأجر من المنصوح. فهم يقولون: ننصحك وأجرنا على الله، إذا رغبت فهو حظك في الدنيا والآخرة ولنا أجر من الله، وإذا لم ترغب فأجرنا على الله ونكون قد برئنا من عهدة النصيحة، وبرئنا من عهدة الكتمان.
يقول: أرجى القلوب للخير ما لم يسبق إليه الشر أولى ما عني به الناصحون وأولى ما رغب في أجره الراغبون ما هو؟ إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها. الخير هو العقيدة الخير هو الديانة، الخير هو كتاب الله وسنة نبيه، الخير هو الإيمان وأصول الإيمان؛ فإذا كان المسلم حريصا على إيصال الخير إلى قلوب هؤلاء الأطفال وهؤلاء الأولاد؛ ليحبوا كلام الله وكلام نبيه، وليحبوا الله ورسوله، وليحبوا عبادته وديانته، وليحبوا ما يحبه الله وليكرهوا ما يكرهه الله -فإن هذا أولى الخير أن يوصل إليهم الخير والإيمان وينبههم.
تنبيههم على معالم الديانة، تنبيههم على علامات الدين التي هي مأخوذة من الوحيين. معالم الديانة يعني علامات الخير علامات الدين كأصول الإيمان، وأركان الإيمان، وأصول الإسلام وأركانه ومعالمه، والإيمان بالغيب، وما أشبه ذلك. وكذلك تنبيههم على حدود الشريعة ليراضوا عليها؛ يعني يرتاضوا عليها ترتاض عليها قلوبهم، وتطمئن بها قلوبهم، وتألفها وتحبها وهم أطفال. يرتاضوا يتمرنون عليها ويتدربون عليها في صغرهم، ويألفونها ويحبونها بعد كبرهم بخلاف ما إذا تربوا على الغناء والطرب.
إذا تربوا على اللهو واللعب، إذا تربوا على الفرح والمرح إذا تربوا على الشهوات والمحرمات؛ فماذا تكون عاقبتهم؟! فلا شك أنهم ينفرون من الخير وإذا بلغوا وكلفوا -وجدوا الخير ثقيلا، وجدوها ثقيلة عليهم، وجدوا أنفسهم تستثقل الصلوات، وتستثقل القرآن وسماعه، وتستثقل العبادات وتألف المحرمات. يقول: وما يجب عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم. ما عليهم؟ ما الذي عليهم؟ الذي يجب أن تعتقده قلوبهم من الدين معرفة الله تعالى، ومعرفة آلائه ونعمه، ومعرفة حقوقه على العباد، وما يجب أن تعمل به جوارحهم من العبادات كالصلوات والطهارة، والصيام ومكملات ذلك.
فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله، هكذا أن تعليمهم في صغرهم للقرآن يطفئ غضب الله تعالى. ذكر المؤلف أثرا أنه يقال: إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض، فإذا سمع تعليم الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم ؛ ويعني بالحكمة القرآن. إذا ظهرت فيهم تعاليم مدارس القرآن للأطفال الذين في السادسة وما بعدها، فإن الله تعالى يطفئ غضبه عليهم.
وأن تعليم النشء في الصغر كالنقش في الحجر. تعليم النشء في الصغر تعليم الأولاد في الصغر كالنقش في الحجر هكذا جاء في بعض الروايات: العلم في الصغر كالنقش في الحجر النقش في الحجر يثبت ولا ينمحي ولو جاءه المطر، ولو جاءه التراب يرسخ في الحجر ويبقى فيه، فكذلك تعليم الصبيان في الصغر؛ وذلك لأن قلوبهم فارغة في هذه السن ما بين السادسة إلى العشرين، أو إلى الرابعة والعشرين الحفظ يتوقد فيهم، وقلوبهم فارغة.
وما سمعوه عادة يرسخ في أذهانهم إلا أن يأتيهم ما ينسيهم، وما يصرفهم عنه من الألعاب ومن الملاهي وما أشبهها، وإلا فإن في هذه السن أي من السادسة إلى السنة العشرين أو الرابعة والعشرين -الحفظ يزيد والحفظ يتمكن، وبعد الرابعة والعشرين العادة أنه يرقد ويثبت يكون معتادا إلى الأربعين أو إلى الخمسين على حسب اختلاف عادات الناس، وبعد ذلك يتفاوت الناس إلى الستين أو السبعين بعد ذلك يبدأ يضعف، ويكون ذلك باختلاف الأفهام، وباختلاف الجد والاجتهاد.
يقول: وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون إن شاء الله تعالى بحفظه؛ أي ذكرت لك في هذه الرسالة ما ينتفعون بحفظه إذا اهتموا به، وإذا اعتنوا به يكون وسيلة إلى انتفاعهم، ويكون علامة على صلاحهم واستقامتهم، ويشرفون بعلمه يزيدهم شرفا؛ فإن العلم فضل، وإن العلم شرف يرفع الله تعالى أهله قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ يقول بعض العلماء: إن الخطاب للصحابة يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أيها الصحابة.
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ منكم ومن غيركم دَرَجَاتٍ ؛ أي رتبا رفيعة. إذا رفعهم إليها كان ذلك شرفا لهم، وكان ذلك ميزة لهم. هكذا أخبر؛ فالعلم يكون شرفا، ويزيد أصحابه رفعة عند الله تعالى، والأدلة على ذلك كثيرة؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم و إن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر و إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وغير ذلك من الأدلة.
ويسعدون باعتقاده والعمل به؛ أي يكون ذلك سببا في سعادتهم؛ وذلك لأنهم إذا اعتقدوا العقيدة السليمة، سببت صلاح فطرتهم، وصلاح قلوبهم، واستقامة أحوالهم -فكانوا بذلك من السعداء؛ وسبب ذلك أنهم مع الاعتقاد يعملون. يقول: وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع -لسبع سنين- ويضربوا عليها لعشر ويفرق بينهم في المضاجع مع أن الصلاة ما وجبت عليهم في هذه السن؛ لأنهم يقينا لم يكلفوا.
ولكن أمرهم بالصلاة لسبع حتى يتمرنوا، وحتى يألفوا الصلاة، وحتى يألفوا المساجد، وحتى يألفوا الصلاة، وحتى يألفوا المساجد وحتى يحبوها. وكذلك أيضا يتعلمون الطهارة، ويتعلمون نواقضها، ويتعلمون ما كيفيتها، ويتعلمون النجاسات ويتوقونها، فيحرصون على غسلها وإزالة آثارها. وكذلك أيضا يتعلمون أذكار الصلاة يتعلمون القراءة في القيام -قراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن.
والذكر الذي في الركوع والسجود التسبيح في الركوع والسجود، وسؤال المغفرة بين السجدتين، والثناء على الله بعد الرفع من الركوع، ويتعلمون التشهد الأول والثاني، ويتعلمون التكبير. وهكذا أيضا يتعلمون معاني هذه الألفاظ، يتعلمون معنى التكبير، ومعنى التحميد، ومعنى التسبيح والثناء على الله، ويلقنون ذلك. وفي هذا السن أيضا يحذرون من المنكرات.
يحذرون من المحرمات التي توقعهم في الأذى؛ فيحذرون من سماع الغناء واللهو، ويحذرون من صحبة الأرذال والمفسدين كالذين يشربون الدخان أو يتعاطون المخدرات أو ما أشبه ذلك. ويحذرون أيضا من الذين يفسدون عليهم أخلاقهم، ويلقنونهم عقائد منحرفة ويحببون إليهم المعاصي، ويكرهون إليهم الطاعة من السفهاء ومن الجلساء المفسدين.
فإذا بلغوا عشر سنين، فإنهم يكونون قد قاربوا البلوغ؛ أي قرب منهم البلوغ؛ فلذلك يضربون على الصلاة -ولكن ضرب تأديب ليس ضرب تعذيب. إنما هو ضرب يتأدبون به، ويتركون اللهو والشيء الذي يشغلهم عن الصلاة، ويعرفون أهميتها وآكديتها؛ وبذلك يحبونها ويألفونها ويتركون الذي يشغلهم عنها، فهذا من تأديبهم. ولهذا أمر بأن يفرق بينهم في المضاجع -المضاجع التي هي الفرش، فيفرق بينهم في المنام.
فلا ينام الذكر ملاصقا للأنثى؛ فإنه قد يكون عنده شهوة إذا بلغ العشرة -فقد يكون به شهوة وقد يكون مظنة البلوغ، فيزين له الشيطان فيفعل بمن معه من ذكر أو أنثى؛ فلأجل ذلك يفرق بينهم. يقول: فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم. ما فرض الله عليهم من قول؛ يعني من عقائد، معرفة ربهم، ومعرفة أسمائه، وصفاته، ودعائه بها، وكذلك معرفة معانيها معاني صفات الله تعالى، معنى الله الذي هو ذو الألوهية والعبودية على خلقه، وكذلك معنى الرحمن والرحيم والسميع والبصير وما أشبه ذلك.
وهكذا أيضا العمل بموجبها بموجب هذه الأسماء، فإنهم إذا عرفوا الإله عرفوا أنه الذي تألفه القلوب وتعظمه وتحبه، وإذا عرفوا الرحمن عرفوا أنه الرحيم بعباده فسألوه رحمته، وكذلك إذا عرفوا السميع البصير العليم القدير وما أشبه ذلك. وهكذا إذا عرفوا الإيمان بالبعث وما فيه عرفوا أنه يوم الجزاء على الأعمال أعمال القلوب وكذلك أعمال الأبدان، اليوم الذي يجازى فيه الخلق بما عملوا وهكذا، فيتعلمون ذلك كله قبل بلوغهم؛ ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم.
إذا بلغوا بالاحتلام ولو في العاشرة ولو في الثانية عشر، أو بلغوا بالإنبات، إنبات الشعر الخشن حول الفرج أو نحو ذلك، أو بلغت الأنثى بالحيض، فإن ذلك علامة على أنهم قد كلفوا؛ فحينئذ يطلب منهم الأمر بأمر إيجاب؛ يعني أنها قد وجبت عليهم العبادات، وأنهم قد أصبحوا مطالبين بها، فيلزمون بها يلزم الصبي ولو كان ابن إحدى عشرة -إذا احتلم بالصيام، ويعاقب إذا أفطر.
وكذلك بالصلاة ويعاقب إذا تركها، وكذلك الجارية إذا حاضت تلزم بالصيام ولو كانت في العاشرة من عمرها ولو كانت صغيرة؛ وذلك لأنها قد كلفت بهذا البلوغ، فإذا أتى عليهم البلوغ، وإذا هم قد تمكنت العقيدة من قلوبهم، وسكنت إليها نفوسهم، واطمأنت إليها أفئدتهم، وعرفوا ما يجب عليهم، وعرفوا ما يحرم عليهم -فعند ذلك يفعلونها وهم بذلك موقنون ليسوا في شك من دينهم، وكذلك تأنس بما يعملون بذلك جوارحهم.
جوارحهم أيديهم وأرجلهم، أبصارهم وألسنتهم وآذانهم؛ يعني التي يعملون بها شيئا من الأعمال. تأنس بذلك وتطمئن به فيتمكن من قلوبهم، وتسكن إليه نفوسهم، وتركن إليه أفئدتهم، وتأنس به جوارحهم. يقول: وقد فرض الله سبحانه وتعالى على القلب عملا من الاعتقادات، وعلى الجوارح الظاهرة عملا من الطاعات. الاعتقادات التي على القلب هي الإيمان بالغيب.
هذه اعتقادات يلزم العاقل أن يعقد قلبه عليها، فيؤمن بالله تعالى وإن لم يره، ويؤمن بالملائكة وإن لم يشاهدهم، ويؤمن بالرسل وإن لم يحضرهم، ويؤمن بالقضاء والقدر وإن لم يتمكن من مشاهدته، ويؤمن بعذاب القبر وإن لم يطلع على حقيقته، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بيوم القيامة وما يكون فيه، ويؤمن بالحساب والجزاء على الأعمال، ويؤمن بنصب الموازين وبنشر الدواوين وبنصب الصراط، ويؤمن بالبعث وما بعده، ويؤمن بالجنة والنار. لا شك أن ذلك كله من الإيمان بالغيب الذي تعقد عليه القلوب وتعمل به.
وكذلك على الجوارح الظاهرة عملا من الطاعات. الجوارح الألسن عليها النطق بذكر الله، وكذلك الأبدان عليها أداء الصلوات المكتوبة، عليها أداؤها كما أمر الله. وكذلك الأموال فبها حقوق لله وغير ذلك، فالله تعالى فرض على القلوب، وفرض على الجوارح، ولا يسلم الإنسان من العهدة إلا إذا أتى بما أمر به. فيقول المؤلف: وسأفصل لك ما أذكره؛ يعني ما أشرت إليه إجمالا؛ ليقرب من فهم متعلميه - صغارا وكبارا - إن شاء الله.
وإياه نستخير؛ أي نطلب منه الخيرة، وبه نستعين على أمور ديننا ودنيانا فإنه المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ أي لا تحول لنا من حال إلى حال، ولا قوة ولا قدرة لنا على أمر من الأمور التي نطلب فعلها إلا إذا أعاننا الله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى.
ومحمد هو نبينا صلى الله عليه وسلم، سمي به لكثرة خصاله الحميدة، وآله وهم أتباعه على دينه أو أقاربه وأهل بيته، وصحبه وهم الذين صحبوه الذين رأوه أو اجتمعوا به وهم مؤمنون وماتوا على ذلك، وسلم تسليما كثيرا. السلام من الله تعالى تسليمه لمن شاء من عباده، وبهذا تنتهي هذه المقدمة ونواصل غدا إن شاء الله بما بعدها، والله أعلم.
أسئـلة
س: يقول السائل: ذكر في الرسالة الديانة الإسلامية، وسؤالي لفظ الديانة هل هو وارد؟ أم أنه خاص بالديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية؟ ويقول السائل: نرجو من فضيلتكم إعطاءنا نبذة مختصرة عن المؤلف؟
هكذا استعمل لفظ الديانة استعمل لفظها؛ يعني في قوله في هذه المقدمة لما ذكر بعد المقدمة ذكر أنه سبحانه وتعالى طالبهم بالديانة، ويراد بالديانة ما يتعلق بالدين. أمور الديانة يعني ما يدين به العباد.
فهذه الكلمة أشار إليها المؤلف تجدون ترجمته موسعة في المقدمة في صفحة اثني عشر وثلاثة عشر، ذكر كنيته أبو محمد ونسبته النفلي وبلدته القيروان مذهبه مالكي. وصفه بأنه عالم عامل زاهد فقيه محدث مفسر واعظ، وأنه له أخلاق عالية، وأن له مؤلفات نافعة. وكان من مواليد ثلاثمائة وعشرة بمدينة القيروان وتوفي في سنة ثلاثمائة وست وثمانين فيكون عمره ست وسبعون سنة.
س: يقول السائل: امرأة كانت حاملا في الشهر الثامن، فحملت جركن ماء وبعدها تأثر الطفل وبعد الكشف عليه وجد أنه قد توفي. السؤال ماذا عليها من الكفارة؟
يظهر أنها لا شيء عليها؛ وذلك لأنها ما تعمدت، ولا تعرف أن هذا يسبب المرض، أو يسبب موت الجنين أو ضرره أو نحو ذلك، ولم يكن هذا من العادة ولكن هكذا قضاء الله.
س: تقول السائلة: نسوة مهتمات بحفظ كتاب الله، يقومون بحفظ سورة معينة، وكل واحدة تدفع مبلغا ويشترين جائزة، ثم من تحفظ تكسب الجائزة؛ فما حكم فعل هذا؟
من عمل المسابقة. المسابقة في حفظ القرآن، فإذا كانت هذه الجوائز التي تمنح للسابق من رجال أو نساء -من كسب حلال وتبرع مباح، فلا بأس بذلك. فإن كان ذلك مما يجمعه هؤلاء النسوة. يجمعن هذه الأموال، ثم بعد ذلك يجعلن ذلك لمن تحفظ كثيرا أو تفهم، ففي ذلك حث لهن على هذه المسابقة، وعلى كثرة الحفظ، وذلك خير كثير، وهكذا أيضا يفعل في مدارس الأبناء.

س: يقول السائل: كنت في سفر وحان وقت الصلاة، فتوضأت ثم وجدت وأنا أغسل أحد الرجلين أن عضوا من أعضائي قد جف، وكان هناك هواء ورياح، فتركت ذلك وصليت؛ فماذا يجب علي الآن؟
لا شك أن الوضوء لا بد فيه من غسل الأعضاء كلها، فإذا ترك أحد أعضائه ولو بقعة، فإن عليه إعادة الوضوء. إذا كان قد يبست أعضاؤه وإعادة الصلاة؛ وذلك لحديث صاحب اللمعة. رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا في ظهر قدمه مثل اللمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فقال: ارجع فأحسن وضوءك أمره بأن يعيد الوضوء.
س: هذا السؤال ورد عن طريق شبكة الإنترنت. يقول السائل: صليت إحدى الصلوات فانصرفت ولم أسلم؛ فما الحكم في ذلك؟
هناك بلاد يعتنقون المذهب الحنفي الذين لا يعتقدون وجوب السلام، وإنما يرون أنه سنة؛ فيقوم أحدهم وإن لم يسلم، إذا انتهى من التشهد -يرون أن السلام سنة وليس بواجب. فيظهر أن هذا العمل كان منتشرا في بلاد هذا السائل، فإذا كان من أهل ذلك المذهب فإنه عمل بعمل منتشر في بلاده.
أما إذا كان ذلك غريبا وليس معمولا به عندهم، فنرى أنه يعيد؛ وذلك لأننا نعتقد أن السلام جزء من الصلاة دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم فلا بد من السلام. منهم من يقول تسليمة واحدة، ومنهم من يقول تسليمتان، وإذا كان الأمر فيه خلاف فلو سلم تسليمة واحدة ما أبطلنا صلاته.
س: يقول السؤال الآخر: هناك من يقول: لا تخوفوا الأطفال بالنار -ولكن حببوهم بالجنة،، فما السن المناسبة لتخويفهم بالنار أو ذكرها لهم؟
لا شك أن الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف يرغبون في الخير، وكذلك أيضا يحذرون من الشر. يحذرون من عقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة إذا كانوا يعقلون، ولكن إذا تصوروا النار وشدتها نفرت قلوبهم أو اقشعرت أو أحزنهم ذلك أو أقلق حياتهم، فيرشدون إلى ما تلين به قلوبهم.
س: يقول السائل: إذا اشترى شخص سلعة، وفاز في المسابقة المعدة من قبل البائع كالفوز بسيارة ونحوها؛ فهل يجوز له أخذها، علما بأنه عندما اشترى السلعة لم يكن هدفه المشاركة في المسابقة وإنما حصل له ذلك بعد الشراء؟
كثير من الشركات أو التموينات ونحوها يجعلون هذه الجوائز كدعاية حتى يقبل الناس على الشراء منهم ويتركوا غيرهم؛ فيقولون: من اشترى منا بكذا وكذا، أعطيناه بطاقة وكتبنا اسمه عندنا، وإذا مضى سنة أو سنتان عملنا مسابقة، فالفائز يحصل على سيارة أو ثلاجة أو طباخ أو كذا أو نحو ذلك، وكذلك الفائز الثاني والثالث وما أشبه ذلك.
فنقول: لا تشجعوا مثل هؤلاء، ولا تذهب إليهم للشراء لأجل المسابقة؛ وذلك لأنهم غالبا يزيدون في الأثمان؛ لا يبيعون رخيصا كسائر بيع الناس يزيدون في السلع. وكذلك أيضا يضرون غيرهم من أصحاب المحلات؛ ينصرف الناس عن أصحاب المحلات الأخرى ويقبلون على هذا المحل الذي جعل هذه الجوائز ونحوها. لكن مع ذلك إذا اشتريت منهم لكونك معتادا ذلك، ثم حصلت على هذه الجائزة؛ فلك أن تأخذها؛ لأنها طابت بها نفوسهم؛ ولأنك أخذتها بما حصلت عليه من هذه المسابقة.
س: يقول السائل: هل قول النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه -يقتصر على تعليم قراءة القرآن أم لا بد من تعليم أيضا معاني القرآن؟
يظهر أنه لا بد من تعلم المعاني؛ لأن الصحابة و أولادهم كانوا يعرفون المعاني بمجرد لغتهم، و أما من بعدهم فإنه يصعب عليه فهمها فلا بد من تعليمهم معانيها. وأيضا فإن الصحابة إذا تعلموا عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها، فيتعلمون العلم و القرآن و العمل جميعا. فالذي يعلم معاني القرآن له أجره إن شاء الله.
س: يقول السائل: ثبت بالحديث الصحيح أن الذي يصاب بالطاعون ثم يصبر و يحتسب الأجر يكون له مثل أجر الشهيد؛ فهل هذا الحديث خاص بالطاعون؟ أم أنه يقاس عليه الأمراض الخطيرة الأخرى؟
الذي يظهر أنه للطاعون؛ وذلك أن الطاعون مرض يتفشى، وينتشر ويموت بسببه خلق، وأمر من وقع الطاعون في بلده أن يبقى، وأن يثبت ولا يخرج هربا من الطاعون. وإذا صبر واحتسب، وأصابه الطاعون فمات، فله أجر شهيد على ما جاء في الحديث. إذا قدر أن هناك أمراضا تنتشر بسرعة كانتشار هذا الوباء، و صبر الإنسان، وأصيب بشيء منها، فله أجر شهيد. ولكن مع ذلك عليه أن يتوقى، وعليه أيضا أن يعالج؛ لحديث تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام .
س: يقول السائل: هل صحيح أن السفر الذي ترتبط به أحكام السفر هو أن يكون المسافر تحت ظل شجرة أو في البر؟ أما إن كان في مدينة في فندق أو شقة مفروشة، فلا يقصر الصلاة حتى و لو يومين؟
هذا الذي يظهر أن المسافرين هم الذين يكون عليهم مشقه. جاء في الحديث السفر قطعة من العذاب فأما الذي وصل إلى بلد، واستأجر مثلا فيها شقة أو فندقا، وأصبح يتمتع بالراحة؛ عنده الفرش، واللحف والسرر والأنوار والمكيفات والمياه و المراحيض والأطعمة والأشربة والثلاجات وما أشبهها؛ فهل يقال إن هذا في قطعة من العذاب؟! نقول: ليس كذلك، فالصحابة الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح لم يتمتعوا بما يتمتع به أهل البلد؛ فإنهم كانوا ظلهم الشجر. هم عشرة آلاف نزلوا تحت الشجر في الأبطح ونحوه أو في ظل الجبل أو الكهوف، وبعضهم أو قليل يبني له قبة؛ يعني خيمة من جلود صغيرة يستظل به؛ فمثل هؤلاء لهم حكم السفر، ولو طالت المدة، ولو جلسوا على هذه الحال شهرا أو أشهرا. وأما الذي يستقر في فندق مريح، أو شقة مريحة، فنرى أنه ليس له القصر ولا الجمع ولا الإفطار في هذه الحال، والله أعلم.

line-bottom