جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
40363 مشاهدة
صفة الكلام وأدلتها من القرآن


يقول بعد ذلك: كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته، لا خلق من خلقه؛ هكذا أخبر تعالى بأنه كلم موسى والكلام معروف أنه الذي يسمعه المكلَّم؛ في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ثم إن الجهمية أنكروا ذلك؛ أنكروا أن يكون الله تعالى متكلما، فأنكروا أن يكون كلم موسى وأنكروا المحبة، فأنكروا أن يكون يحب عباده أو أن من عباده من أحبهم، وأنكروا أن يكون اتخذ إبراهيم خليلا يعني محبوبا، واشتهر بذلك الجعد بن درهم وهو الذي قتله خالد القسري في يوم العيد، ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله يقول:
ولأجـل ذا ضحـى بجعـد خالــد
القسـري يـوم ذبـائح القربـان
إذ قـال إبـراهيـم ليـس خليلـه
كـلا ولا موسـى الكـليم الـداني
شـكر الضحية كل صـاحب سـنة
للـه درك مـن أخـي قربـــان
ضحى به في يوم العيد بعد ما خطب قال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا ثم نزل من المنبر وذبحه، جعله أضحية فشكر الضحية كل صاحب سنة، هذا دليل على أن هؤلاء الذين ينكرون مثل هذه الصفات يصدق عليهم أنهم كفار، وقد كفرهم يعني المعتزلة والجهمية جمع من العلماء، سرد منهم اللالكائي خمسمائة من العلماء ذكرهم في كتابه: شرح أصول اعتقاد أهل السنة ولذلك يقول ابن القيم في النونية:
ولقـد تقلد كفرهم خمسـون فـي
عشر ..............................
( خمسون في عشر أي خمسمائة).
ولقـد تقلد كفرهم خمسـون فـي
عشـر من العلمـاء فـي البلـدان
و اللالكــائي الإمـام حكاه عنـ
ـهـم بـل حكــاه قبلـه الطبراني
لا شك أن كفرهم لأجل تنقصهم لله تعالى؛ فالله سبحانه وتعالى كلم موسى تكليما، ذُكر أن بعض المعتزلة جاءوا إلى أبو عمرو بن العلاء الذي هو أحد القراء أبو عمرو بن العلاء فقالوا له: لعلك تقرأ هذه الآية: وكلم اللهَ موسى تكليما؛ يريدوا أن يكون موسى هو الذي كلم الله، فقال له أبو عمرو هَب أني قرأت هذه الآية كذلك، فكيف تصنع بقول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ هل تحرف هذه الآية؟ فبهت ذلك المعتزلي يعني: أنه لا يستطيع أن يحرفها.
ثم ذكر شيخ الإسلام أنهم حرفوها تحريفا معنويا فقالوا: كلم الله موسى يعني: جرَّحه، لأن الكلم هو الجرح جرَّحه بأظافير الحكمة، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، فيقال: كيف تفعلون بآيات النداء؟ وكيف تفعلون بآيات الكلام؟ قول الله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ما قال بتجريحي أو بتكليمي؟ وكذلك آيات النداء: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ النداء لا يكون إلا بكلام؟ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ؟ فلا يستطيعون أن يحرفوا ذلك.
فالله تعالى ناداه وكلمه بكلام أسمعه إياه وفهمه، كلامه صفة ذاتية يعني: تعرفون أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية. فإذا قيل: صفة اليدين هل هي ذاتية أو فعلية؟ ذاتية لأنها ملازمة للذات، وصفة السمع والبصر صفة ذاتية، وكذلك صفة الكلام صفة ذاتية، وأما صفة المحبة، وصفة الرحمة، وصفة الغضب والرضا، وصفة البغض والكراهية فإنها فعلية، الصفة الذاتية هي التي لا تنفك عن الذات بل ملازمة للذات، وأما الصفة الفعلية، فهي التي يفعلها إذا شاء، فإنه يغضب إذا شاء ويرضى إذا شاء، في حديث الشفاعة: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله .
فدل على أن الغضب ليس ملازما للذات، وكذلك الرضا، وكذلك الرحمة، وكذلك بقية الصفات الفعلية؛ فالكلام صفة ذاته، لا خلق من خلقه؛ رد على المعتزلة الذين يقولون: إنه مخلوق؛ وذلك لأنهم لما نفو صفة الكلام لم يجدوا بُدًّا من أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، -تعالى الله عن قولهم-.