إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
40668 مشاهدة
عقيدة أهل السنة في الجنة والنار


يقول: وأن الله -سبحانه- قد خلق الجنة، وأعدها دار خلود لأوليائه، وأكرمهم بها بالنظر إلى وجهه الكريم.
خلق الجنة وخلق النار، وأهل السنة على أن الجنة والنار موجودتان الآن، الله أعلم أين هما؛ لكن ورد في القرآن أن الجنة فوق السماوات في قوله تعالى: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى وأما النار فقيل: إنها تحت الأرض السفلى، ولا يعلم أين هي إلا الله؛ وذلك لأن هذا الخلق لا يعلم مقداره ولا سعته إلا الخالق الذي أنشأه -سبحانه وتعالى- فإذا كان كذلك فنؤمن بأن الله -تعالى- خلق الجنة والنار؛ الجنة دار النعيم، أي: جعلها دار خلود لأوليائه، عقيدة أهل السنة أنها دار خلود، وأنها دار أبدية، ليس بعدها ظعن، وليس بعدها ارتحال، وأن من دخلها فإنه ينعم، لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، خالدين فيها دائما أبدا، نعيم مقيم، خالدين فيها، الإقامة: هي الأبدية، والخلود هو: الدوام، والأبدية تعني: السرمدية التي ليس بعدها ظعن ولا تحول.
هذه عقيدة أهل السنة؛ أنها دار باقية ليس بعدها تحول أبدا، يكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وهذه مسالة عظيمة؛ إثبات أهل السنة للنظر إلى وجه الله -تعالى- فإن هذه الكرامة من أفضل نعيم الله -تعالى- على عباده، ومن أعظم ما يثيبهم به أنه يعظم لهم الأجر، ويثيبهم الثواب الكبير أنه قدر لهم هذا النعيم، ومنه أنه يدخلهم الجنة ثم .. وينظرون إلي وجهه.
مسألة النظر إلى الله تعالى يوم القيامة
هذه قد أنكرها كثير من المبتدعة- مسألة النظر- فأنكرها قديما المعتزلة، وحرفوا الآيات التي في إثباتها، وأكثر ما يعتمدون على قول الله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ .
وأجاب العلماء: بأن الإدراك هو الإحاطة وليس هو الرؤية، وسئل ابن عباس عن هذا فقال: ألست ترى القمر؟ قال: بلى. فقال: أكله؟ قال: لا. قال: فذلك الإدراك.
يعني: أنك تنظر الآن إلي القمر لكن لا تراه كله، وإنما ترى منه ما يقابلك، و مع ذلك لا تدرك ماهيته، لا تدري ماهية هذا القمر، هل هو زجاج؟ هل هو من حديد؟ هل هو من تراب؟ هل هو من حجارة؟ لا ندري إلا أنه يبدو لنا، فنحن إذا رأينا ربنا -سبحانه - فإننا لا نحيط به وإنما نرى ما يقابلنا، وما يتبدى لنا، فذلك هو الإحاطة، لا تحيط به، والأدلة على ذلك كثيرة.
ومما استدلوا به قصة موسى قال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا .
فنقول: هل أنتم أعلم من موسى يا معتزلة؟ موسى كليم الله يسأل الرؤية، وأنتم تقولون: إن الرؤية محال، هل أنتم أعلم بالله من موسى الذي اختاره الله وكلمه تكليما؟ ثم نقول: إن الله ما أنكر عليه، ولا عاتبه ولكن قال: لَنْ تَرَانِي أي: إنك في الدنيا لا تثبت على رؤيتي، ثم إنه -تعالى- علق الرؤية على ثبوت الجبل، إذا استقر الجبل فسوف تراني، واستقرار الجبل ممكن، وإذا كان ممكنا فقد علق الله عليه الرؤية، ثم إن الله -تعالى- تجلى للجبل وإذا جاز أن يتجلى للجبل وهو جماد؛ جاز أن يتجلى لعباده في الدار الآخرة؛ فتكون الآية دالة دلالة واضحة على أن الله -تعالى- يرى في الآخرة؛ ولكن لا يحاط به وأنه -سبحانه- يتجلى لعباده ويعطيهم في الآخرة من القوة ما يثبتون على رؤيته والأدلة على ذلك كثيرة نشير على ذكر أدلتها وتفصيلها في كتاب ابن القيم الذي هو من أهم الكتب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ولعلكم قد قرأتموه أو سمعتموه، قد ذكر سبع آيات تدل على إثبات الرؤية، وذكر من الأحاديث نحو ستين حديثا، أو خمسين حديثا ذكرها بأسانيدها.
وهكذا أيضا ذكرها الشيخ الحكمي في كتابه الذي سماه: معارج القبول في شرح سلم الوصول.
فعلى هذا لا يلتفت إلى من أنكر هذه الكرامة، نشر قبل أقل من عشر سنين أو نحوها كتاب لمفتي عُمان ومفتي عمان إباضي، اسمه أحمد بن حمد الخليلي وسماه بهذا الاسم الذي يدل على انقلاب الحقيقة، الحق الدامغ، وفي الحقيقة أنه مدموغ وأنه مقلوب، وبدأ بتأويل آيات الرؤية لأنهم ينكرون الرؤية، الإباضية هؤلاء الذين ينكرون إثبات الرؤية، وحرف الآيات وأنكرها، وأنكر دلالة الآيات فلا يلتفت إلى كلامه، كذلك أيضا هنا في قطر الشيخ المشهور عبد الرحيم الطحان ألقى محاضرة قيمة جيدة في إثبات الرؤية سُجلت، ولعل بعضكم قد سمعها استاق فيها الأدلة وأوضحها، ولكن لما وصلت إلى عمان ؛ خاف هذا الإباضي أنهم ينخدعون بها، فرد عليها بمحاضرة متهافتة؛ زعموا أنها محاضرة قيمة، تلاميذه الذين هم على طريقته، رأوا أنهم يفرغونها، وأنهم يصححونها ثم طبعت وسماها سقط القناع وتأول فيها الأدلة.
لا شك أن لكل قوم وارث؛ فهؤلاء المعتزلة عندنا بقربنا، وكذلك أيضا الرافضة الذين في الشرقية على عقيدة المعتزلة أيضا، ينكرون الرؤية، ويتأولون أدلتها؛ فيحذر المسلم أن ينصت إلى أدلتهم التي هي شبهات متهافتة، وقد تذاع أيضا في بعض الإذاعات إذاعات الرافضة، أو في بعض رسائلهم، أو في بعض نشراتهم، فلا يلتفت إلى ذلك.
المؤمنون على هذه العقيدة والتي هي من أشرف كرامات الله –تعالى- لأوليائه.
يقول في هذه الجنة: وهي التي أهبط منها آدم أهبط الله -تعالى- آدم نبيه، وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه.
قد اختلفت في جنة آدم التي أسكنها هل هي جنة الخلد أم هي جنة في الدنيا؟ على قولين ذكرهما ابن القيم في أول هذا الكتاب حادي الأرواح وذكر حجة هؤلاء وحجة هؤلاء ولكل اجتهاده؛ ولكن أكثر أهل السنة على أنها جنة الخلد -كما اختار ذلك هذا الإمام- ابن أبي زيد أنها هي التي أسكنها آدم ولأجل ذلك ذكر الله الإهباط في قوله: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بمعني أن: الهبوط لا يكون إلا من أعلى.
ثم يقول: خلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به، وألحد في آياته وكتبه ورسله، وجعلهم محجوبين عن رؤيته، النار التي هي دار خلود، دار خلود بمعنى أنها باقية، باقية لا تفني، ولا تضمحل ولا تبيد؛ بل هي باقية، هذا قول أهل السنة، وذكر عن بعض المبتدعة أن النار تفنى، والذين نقلوا أنباء ذلك عن شيخ الإسلام أو ابن القيم ليس عندهم دليل عليه، ولم يصرح بذلك أحد.
وابن القيم تكلم على أبدية الجنة والنار في هذا الكتاب، حادي الأرواح وذكر حجج هؤلاء وحجج هؤلاء، ولم يرجح واحداً، ولا يقال: إنه يقول: بأحد القولين؛ ولكن الظن بعلماء أهل السنة أنهم يقولون: إن الجنة دار خلود، وإن النار دار خلود؛ وذلك لأن الله -تعالى- ذكر الأبدية في النار في عدة آيات في قوله -تعالى- في سورة الأحزاب في قوله: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا .
وكذلك في آخر سورة الجن في قوله –تعالى- خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .
وكذلك في أواخر سورة النساء ذكر أن أهل النار خالدين فيها أبدا، وذلك جزاء الكفار لمن كفر به، وألحد في آياته في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا والإلحاد: هو تحريفها وجحدها وإنكارها، يلحدون في آياته، ويكذبون رسله، ويكذبون كتبه، وجعلهم محجوبين عن رؤيته، قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ استدل بهذه الآية الشافعي - رحمه الله- وقال: إنهم إذا حجبوا دل على أن المؤمنين لا يحجبون؛ الله -تعالى- ذكر حجاب هؤلاء وهم كفار، فلو كان المؤمنون لا يرونه؛ لم يكن هناك فرق بين المؤمنين والكفار؛ بل كلهم عن ربهم محجوبون، والله ما ذكر إلا هؤلاء الكفار؛ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ولا عبرة لمن حرف ذلك.