تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
46176 مشاهدة
عقيدة السلف في الحساب والجزاء يوم القيامة


يقول المؤلف هاهنا: و أن الله -سبحانه وتعالى- ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، هذا من فضله -سبحانه وتعالى- أنه يضاعف لعباده المؤمنين، يضاعف لهم الحسنات قال الله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا هذه مضاعفة عامة؛ أنه يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها، وقد يضاعفها بأكثر ؛ وذلك في باب المناسبات، وفي باب المواسم كمضاعفة الأعمال في شهر رمضان، ومضاعفتها في مواسم الحج والعمرة وما أشبه ذلك، فالله يضاعفها أضعافا كثيرة، وكذلك أيضا يضاعف الصدقات قال الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً لم يحدد المضاعفة هنا، أضعافا كثيرة وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في آيات كثيرة.
وأما السيئات فلا يجزى إلا مثلها وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ولكن مع ذلك فإنه يحاسب العباد؛ يحاسبهم على نعمه التي أنعم بها عليهم؛ ولأجل ذلك يخاف الإنسان على نفسه، جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل يعني: أن عمله ولو كان قد عمل ما عمل؛ فلا بد أنه يحتاج إلى رحمة الله، وإلي فضله؛ وذلك لأن نعمه على عباده كثيرة فهو -سبحانه- إذا حاسبهم على نعمه؛ فإنه قد لا يبقى لهم شيء؛ قد لا يبقى لهم من الحسنات شيء؛ جاء في بعض الأحاديث: أنهم جاءوا برجل قد عمل من الحسنات أمثال الجبال؛ فيقول الله: أدخلوه الجنة برحمتي فيقول: يا ربي أليس بعملي؟ فيقول الله تعالى: حاسبوه على نعمي فيقول الله لنعمة البصر: خذي حقك من عمله، ولنعمة السمع خذي حقك، ولنعمة العقل ولنعمة القلب ولنعمة النطق، ولنعمة الصحة ولنعمة الرزق ولنعمة الأمن ولنعمة القوة، وهكذا.
لاشك أنه -سبحانه وتعالى- إذا حاسب عباده؛ فإنه يدقق عليهم، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من حوسب عذب قالت عائشة أوليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا فقال: إنما ذلك العرض يعني: عرض أعماله، تعرض عليه عرضا دون أن يناقش في أسبابها؛ ولكن من نوقش الحساب عذب؛ حتى ولو كانت أعماله مضاعفة، الله -سبحانه- من فضله يضاعف الحسنات لعباده المؤمنين، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات بأنه لا يضاعفها، السيئة بمثلها.
فيقول بعض العلماء: ويل لمن غلبت آحاده عشراته ؛ يعني: الذي آحاده وهي السيئات تغلب عشراته وهي الحسنات؛ فلأجل ذلك يخاف الإنسان من سيئاته أن تتراكم عليه من قبله أيضا قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الكبائر هي كبائر الذنوب إذا تجتنبها العبد؛ غفر الله له السيئات التي هي الصغائر، وقد أكثر العلماء في تعريف الكبائر، وقال بعض الصحابة أو بعض السلف: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ، فالذي يصر على عمل ولو كان صغيرا يجعله الله من الكبائر، يجعل ذنبه ذنبا كبيرا؛ إذا أصر -مثلا- على حلق لحيته صار ذلك كبيرة أو أصر على الإسبال صار كبيرة أو أصر على شرب الدخان أو أصر على سماع غناء أو نحوه؛ فإن مثل هذه مع الإصرار تكون كبيرة، والكبائر تحتاج إلى توبة، فإذا لم يتب ومات مصرا عليها؛ خيف عليه العذاب، وقد يغفرها الله -تعالى- له إذا علم حسن نيته، فهي تحت المشيئة.
جعل الله من لم يتب من الكبائر صائرا إلي مشيئته، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ توعد الله في هذه الآية على الشرك، وأنه لا يُغفر، وظاهر هذه الآية أنه لا يغفر جميع الشرك -صغيره وكبيره- كالرياء -مثلا- والحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشئت، أو هذا من الله ومنك، أو مالي إلا الله وأنت، أو أنت لي في الأرض والله لي في السماء، أو لولا فلان لم يكن كذا، أو لولا أنت ما كان كذا وكذا؛ فإن هذا وإن كان من الصغائر؛ وكان فاشيا في كثير من الناس؛ فإنه يكون من الكبائر، أو يكون من الشرك الأصغر، وحينئذ لا يغفر؛ ولذلك في ما روى عن ابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنه- أنه قال: أن الحلف بغير الله أكبر من الحلف الكاذب قال: لأن أحلف بالله كاذبا؛ أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا، لماذا؟ لأن الحلف بغير الله شرك؛ فمن حلف بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك، وأما الحلف بالله كاذبا؛ فهو ذنب، والذنب تحت المشيئة ولو كان كبيرا، تحت المشيئة؛ إن شاء غفره وإن شاء عذب به وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ثم إذا أدخل الله –تعالى- بعض أهل الكبائر النار، وكانوا من أهل التوحيد، ولكن لهم ذنوب كبيرة؛ فأدخلهم النار بذنوبهم؛ فإن الله -تعالى- يخرجهم بعد أن يمحصوا يخرجهم الله -تعالى- بعد أن يحترقوا أو يمحصوا: تمحص ذنوبهم.
هكذا جاء في كثير من الأحاديث ومن الآيات، يخرجهم الله -تعالى- منها بإيمانهم؛ فيدخلهم بهذا الإيمان الجنة ؛جاء في بعض الأحاديث أنهم يخرجون من النار؛ يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال دينار من إيمان يأمر الله الملائكة فيخرجونهم، ويعرفونهم بأثر السجود يعني: بأعضاء السجود، أعضاء السجود السبعة التي يسجد عليها، يحميها الله -تعالى- فلا تحترق؛ دل ذلك على أن الذين لا يصلون، لا يكون لهم معرفة ولا يعرفون؛ فيخرجون من النار وقد انتفشوا، وقد احترقوا؛ فيلقون في نهر الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يعطيهم الله -تعالى- ثوابا من الجنة -كما يشاء- وهذا دليل على أنهم يخرجون بعد أن دخلوها، فمنهم من يمكث فيها مائة سنة، ومنهم من يمكث فيها ألفا، ومنهم من يمكث فيها سنة أو يوما أو نحو ذلك، معلوم أنه لو مكث فيها بضع دقائق لاحترق وصار حمما؛ لأنها حرها شديد.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية -يعني أنه لو دخلها إنسان لاحترق في لحظة كما نشاهده، فهي كافيه لأنها عذابها شديد- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها فإذا كان هذا حرها فكيف حال الذين يدخلونها؟! لكن الله -تعالى- قضى أنهم لا يحترقون كما في قوله تعالى: لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا يتمنون الموت يقولون: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ فالحاصل أن من دخلها من أهل التوحيد وأهل الإيمان؛ فإنما دخلها بالكبائر فإن الله -تعالى- يخرجه منها، ولا يبقى في النار أحد من أهل التوحيد، فيجازيه الله -تعالى- بحسناته فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ هكذا أخبر بأنه لا يظلم عباده وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا في بعض الأحاديث يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان .