جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
شرح لمعة الاعتقاد
271694 مشاهدة print word pdf
line-top
شرح لمعة الاعتقاد

... يغلب عليها أنها من العبادات الضالة أو من الديانة المنسوخة أو ما أشبه ذلك؛ فلذلك فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه يعني: إذا كان الأبوان من اليهود تهود أولادهم وصاروا مثلهم، وإن كانوا من النصارى تنصر أولادهم تبعا لهم، وإن كانوا من المجوس فكذلك يكونون مجوسا، وإن كانوا مشركين تربى أولادهم على ما كان عليه آباؤهم من الشرك، وكذلك المبتدعة ونحوهم كل منهم يتربى على ما تربى عليه آباؤه وأجداده من قبل؛ ولذلك يكون من حجتهم التمسك بسنة الآباء والأجداد، يقول الله تعالى يحكي عنهم أنهم يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ أي: متبعون جاعلون آباءنا قدوة، إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ يعني: على سنة وعلى طريقة، وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ أي: متبعون لهم سائرون على نهجهم، هكذا حكى الله عنهم، فيقتدون بآبائهم فيما كان عليه الآباء، إن كانوا من أهل السنة تبعوهم، وإن كانوا من أهل البدعة تبعوهم، وإن كانوا من أهل الطاعة تبعوهم، أو من أهل المعصية تبعوهم.
وهكذا إذا عرف بذلك أن هذه التبعية تكون على الخير وعلى الشر ولكن أسباب التغير التي تحدث في جنس بني آدم هي من وساوس الشيطان ودعاياته فإن أول ما تغير الخلق قبل إرسال نوح -عليه السلام- كان بسبب الشيطان؛ وذلك لأن قوم نوح لما مات فيهم رجال صالحون ذكر الله منهم خمسة وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يصوروا تماثيلهم فلما صوروها كان قصدهم حسنا وهو أنهم إذا تذكروهم اجتهدوا في العبادة فعند ذلك بعدما طال عليهم العهد وجاء أبناؤهم قال لهم: إن آباءكم يعبدون هذه الصور فعبدوهم، لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم فكان هذا أول شرك حدث في العالم فبعث الله نوحا -عليه السلام- يجدد لهم دينهم؛ ولكن كثيرا منهم تمسكوا بما كان عليه الآباء والأجداد وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا هكذا قالوا لأبنائهم ولأقوامهم: لا تتركوا آلهتكم؛ بل تمسكوا بما كنتم عليه وكانوا عليه آباؤكم وأسلافكم فإنهم أقرب إلى الصواب من هذا الذي يدعوكم إلى أن تتركوا ما كان عليه الآباء والأجداد، فلم يزالوا على ذلك إلى أن أغرقهم الله تعالى وأهلكهم بسبب تماديهم في الشرك وعدم تقبلهم للتوحيد.
وهكذا كل نبي من الأنبياء بعد نوح فإنهم دعوا إلى التوحيد الذي هو عبادة الله تعالى وإخلاص الدين له فبقوا يدعونهم إلى أن كذبهم من كذبهم وصدقهم من صدقهم فعند ذلك أهلك الله تعالى المكذبين ونجى أنبياءه وأتباعه من المؤمنين كما قال نوح -عليه السلام- رب وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وقال تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وهكذا مع كل نبي.

line-bottom