الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح لمعة الاعتقاد
271745 مشاهدة print word pdf
line-top
الكف عن الخوض فيما دار بين الصحابة في الفتنة وعدم التعرض له

من عقيدة المسلمين أنهم يَكُفون عن مساوئهم، فلا يذكرون الأخطاء التي وقعت من أحدهم، بل يعذرونهم إذا وقع من أحدهم خطأ في الاجتهاد أو نحوه. الأصل أنهم متحدون، فنكُف عن مساوئهم إن كان لهم مساوئ، وكذلك -أيضا- نكُف عن ما شجر بينهم القتال الذي حصل بين علي وطلحة ومن معه هذا كله فتنة، وكلهم مجتهدون، وكل مجتهد فله حظ من الاجتهاد، فنكُف عن الفتنة، وقعة الجمل، ووقعة صفين التي وقعت بينهم، فلا نذكرها بين الناس، بل نكف عنها.
وكذلك -أيضا- ما حصل من بعضهم على بعض من التفرق أو الإساءة والاستياء ونحو ذلك لا نتعرض لذلك، ونقول: أمرهم إلى الله تعالى فهو الذي يحاسب عباده وحيث إن لهم هذه السوابق فإننا نعتقد أنها تغفر لهم تلك الأخطاء وأن الله تعالى يُؤلِّف بينهم، ولو حصل من بعضهم شيء من الإحن على بعض أن الله تعالى ينزع ما في قلوبهم من الغل ويصيرون في الجنة إخوة متوادين متحابين.
نعتقد فضائلهم، وما فضلهم الله تعالى به، وما فضلهم به النبي -صلى الله عليه وسلم- ونعرف سوابقهم أي أنهم تقدموا على غيرهم، وسبقوا غيرهم بما فضلهم الله تعالى به من هذه السابقة.
فقوله تعالى مِنْ بَعْدِهِمْ يعم المتأخرين من الصحابة، ويعم التابعين، وتابعي التابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة؛ كل من جاء بعدهم عليه أن يقول رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا كل المؤمنين إخوة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الذين سبقونا بالإيمان أي فَضَلُونا وكانوا أسبق منا، ندعو لهم، ونسميهم إخواننا ونقول وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا فالذين في قلوبهم غِل للصحابة هؤلاء ليسوا منهم، ليسوا من هؤلاء الذين جاءوا من بعدهم. الغل: هو الحقد، والبغض والشنآن، والعداوة أي لا تجعل في قلوبنا بغضنا لهم، ولا حقدا عليهم، ولا حسدا لهم، ولا جحدا لفضائلهم، وسوابقهم ندعو ربنا أن يجعل في قلوبنا لهم مودة، ومحبة، ومواساة، وموالاة وذكرا لهم بأحسن ما يُذكرون به هذه صفة المؤمنين الذين يأتون من بعدهم.
يدل على أن الرافضة الذين في قلوبهم حقد للصحابة أنهم لا يدخلون في هذه الآية. ذكر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه استنبط من هذه الآية أن الرافضة لا يعطون من الفيء الذي يقسم بين المسلمين؛ لأن الله تعالى جعل الفيء لهؤلاء الثلاثة في قوله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إلى قوله: لِلْفُقَرَاءِ أي يعطى منه الفقراء من هذا الفيء، ثم قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ أي ويعطى الذين تبوءوا الدار من الفيء، ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ أي ويعطى الذين جاءوا من بعدهم من الفيء، فإذا كان الذين جاءوا من بعدهم يسبونهم فيشتمونهم، ويذكرون مساوئهم، فيكون في قلوبهم حقد لهم، فلا يكونون من أهل هذه الآية، ولا يستحقون شيئا من الفيء الذي يستحقه من يدعو لهم.

line-bottom