اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شرح لمعة الاعتقاد
193869 مشاهدة
من الإيمان بالغيب: الإيمان بالجنة والنار

بعد ذلك ذكر الإيمان بالجنة والنار وهل هما موجودتان الآن؟ نعم نؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما موجودتان الآن؛ أنكر ذلك بعض المبتدعة وقالوا: كيف تبقى مدة طويلة ليس فيها أحد وقالوا: إن الله ينشئهما في الآخرة يخلق الجنة والنار في الآخرة والصحيح: قول أهل السنة أنهما موجودتان.
وقد ذكر العلماء الأدلة على ذلك ومنهم ابن القيم في كتاب حادي الأرواح بدأ بذكر أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وأنهما لا تفنيان يعني لا يقوم عليهما فناء؛ فالدار الأولى الجنة أعدها الله تعالى لأوليائه والنار عقاب لأعدائه.
ورد في حديث: أن الجنة قالت: يا رب يدخلني الضعفاء والمساكين، وقالت النار: يا رب يدخلني الجبارون والمتكبرون، فقال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وللنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء، ولكل واحدة منكن علي ملؤها فنعتقد بأن الجنة والنار دائمة لا تفنى ولا تبيد، وأنها باقية ليس لها منتهى.
ولذلك قال الله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُون أي لا يخفف عنهم لا يخفف عنهم من عذابها، وأنهم يبقون فيها وأن أهل النار كما قال الله: أنهم لا يموتون فيها ولا يحيون أنها ليست حياة يستريحون فيها ولا موت يستريحون فيه، بل إنهم يتمنون الموت فيقولون: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ أي ليريحنا من هذه الحياة فهذا مما أخبر الله به.
وذهب بعضهم إلى أن النار تفنى، وأوردوا على ذلك شبهات تعرض لها بعض المفسرين عند قوله تعالى في سورة هود خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ فقالوا: هذا استثناء يدل على أن لها منتهى، ولكن الصحيح أنها باقية.
قد ذكر الله تعالى تأبيد الخلود في أحد عشر موضعا من القرآن مثل قوله تعالى في سورة النساء: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا .
في أحد عشر موضعا أكثرها في خلود أهل الجنة، ومنها في خلود أهل النار، كقوله تعالى في عذاب أهل النار: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وغير ذلك من الآيات، ثم مما يدل على الخلود.
ما ذكر من أنه يؤتى بالموت في صورة كبش أملح يعني قريبا من الصراط، ويذبح بين الجنة والنار ثم يقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت.
أنكر بعضهم هذا الفعل، وقالوا: كيف يذبح وهو عرض الموت، عرض ليس له جرم فكيف يتمكن من ذبحه .. فما معنى أن الله تعالى يجعله شيئا له صورة، وأنه يعدم يكون موته إعدامه.
وإذا قيل: أليس الذبح موت فكيف يموت الموت؟ وكيف يذبح الموت؟ فيقال: الله قادر على أن يكون هذا الذبح فيه خاصة، يكون هو الموت؛ وغيره مثلا من أهل النار لو ذبحوا ما ماتوا أي يحترقون ومع ذلك لا يموت فيها ولا يحيا.
فالحاصل أن هذا ونحوه دليل على أن أهل الجنة خالدين فيها أبدا، وكذلك أهل النار، وإذا آمن الإنسان بذلك فإنه تظهر عليه آثار هذا الإيمان بحيث يطلب في الدار الآخرة الجنة، ويهرب من عذاب النار...
.. نكتفي بهذا..